العراق

غرق العراق على مدى السنوات الأربعين الماضية في النزاعات وعدم الاستقرار. ومع ذلك، تحاول البلاد معالجة إرث الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبت خلال نظام صدام حسين، والعنف ما بعد عام ٢٠٠٣، وعدم الاستقرار السياسي والطائفي، والصراع مع تنظيم داعش. عمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية في البلاد منذ عام ٢٠٠٣ لتقديم المشورة للعراقيين بشأن مختلف خيارات المساءلة والعدالة وإجراءات المراقبة المتخذة لمعالجة الماضي.

الصورة
صورة بالأبيض والأسود لخط أفقي لأكراد العراق ينظرون نحو الكاميرا فيما يبدو منطقة جبلية.

أكراد عراقيون يراقبون إخراج رفات الطيارين الإيرانيين الأسرى الذين أعدمتهم القوات العراقية من قبور.

سابقاً

الخلفية: التاريخ القمعي الحديث

حكم حزب البعث الذي كان يتزعمه صدام حسين نظاماً عنيفاً وفاسداً لأكثر من ٣٥ عاماً. كان شائعاً التعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء والاعتقال التعسفي والاخفاء القسري. ولا يزال حوالي ٣٠٠,٠٠٠ عراقي في عداد المفقودين منذ تلك  الفترة.

تميز حكم صدام حسين بحملات عنيفة ضد المجموعات العرقية والدينية المهمشة في العراق. وكان من بينها حملة "الأنفال" للإبادة الجماعية في مرتفعات كردستان العراقية. من شباط/فبراير إلى أيلول/سبتمبر ١٩٨٨، يُعتقد أن النظام اعتقل وأعدم أكثر من ١٠٠,٠٠٠ مواطن كردي.

في الجنوب، قمع النظام بشكل ممنهج السكان المسلمين الشيعة. طرد النظام ما يقدر بنحو نصف مليون شخص إلى إيران. سجن أو أخفي قسرياً بين ٥٠,٠٠٠ و ٧٠,٠٠٠ مدني؛ وقمع بقسوة انتفاضة ١٩٩١ التي تم خلالها اعتقال واخفاء وإعدام الآلاف بإجراءات موجزة.

إن إرث نظام صدام حسين الاستبدادي، إلى جانب الحرب الأهلية الطائفية التي أعقبت الإطاحة به والصراع مع تنظيم داعش، يجعل العراق سياقًا معقدًا لممارسي العدالة الانتقالية. جنّد تنظيم داعش سنة عراقيين ساخطين، فقد الكثير منهم مواقعهم في الجيش خلال عملية اجتثاث البعث. في عام ٢٠١٤، غزى تنظيم داعش الرمادي والفلوجة والموصل وتكريت ومناطق رئيسية في شمال العراق، وفرض حكمه الوحشي على ملايين الناس. أعلنت الحكومة العراقية انتصارها على تنظيم داعش في كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٧. ومع ذلك، لا تزال الخلايا النائمة نشطة وتهدد مناطق في العراق حيث سلطة الدولة ضعيفة.

لا عدالة انتقالية

منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام ٢٠٠٣، حاول العراقيون والجهات الفاعلة الدولية إرساء تدابير المساءلة عن الجرائم السابقة. لكن مبادرات العدالة الانتقالية عانت من ضعف التخطيط والتنفيذ، ومن تحديات في ما يتعلق بشرعيتها وانعدام التشاور العام والأهداف المتناقضة.

كان يمكن لمحاكمة صدام حسين وكبار أعضاء نظامه أن يوفروا فرصة للعدالة. ومع ذلك، شوهت العملية في نهاية المطاف بعيوب شديدة. لم تكن هناك مشاورات رسمية مع الضحايا، وكانت هناك مخاوف جدية من أن العملية لم ترق إلى مستوى المعايير الدولية للمحاكمات العادلة.

في محاولة لفحص أهلية الموظفين، أثارت عملية اجتثاث البعث جدلاً مريراً، فضلاً عن آثار اجتماعية وسياسية بعيدة المدى. تم فصل عدد غير معروف من أعضاء حزب البعث من الوظائف الحكومية ومنعوا من العمل في القطاع العام في المستقبل، من دون الأخذ بالاعتبار الإجراءات القانونية الواجبة أو العواقب الإدارية والسياسية والأمنية الوخيمة التي ستترتب على ذلك. ونتيجة لذلك، تأثّرت العديد من مؤسسات الدولة بشكل كبير، واعتبر العديد من العراقيين أن العملية مدفوعة سياسياً.

لا تزال قضايا الضحايا والمساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لها تداعيات على السياسة الحالية. إن معالجة فعالة وشرعية للماضي هي أساسية  لبناء دولة عراقية تحترم فيها سيادة القانون وحقوق الإنسان.

وفي الآونة الأخيرة، كانت الجهود المبذولة لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها تنظيم داعش غير كافية أو متسرّعة. ونتيجة لذلك، من غير المرجّح أن تمنع تكرار العنف في المستقبل. هناك شعور عام بعدم الرضا عن هذه الجهود، ويُنظر إلى العدالة على أنها بطيئة وانتقائية للغاية، من قبل الجناة المشتبه فيهم والضحايا. النهج الحالي، الذي يقوم فقط على العمليات العسكرية والمحاكمات السريعة ضد أعضاء تنظيم داعش المشتبه بهم، لا يساعد على تخطي العراق هذا الفصل المثير للجدل من تاريخه المضطرب. غالبًا ما تفتقر هذه المحاكمات إلى حماية الإجراءات القانونية الواجبة، ويزعم أن البعض اعتمد على الاعترافات القسرية. وما دامت الدوافع الكامنة وراء الصراع دون معالجة ولم تُسمع أصوات الضحايا، سيكون من الصعب على العراق أن يجد خاتمة حقيقية وأن يبني سلاماً دائماً.

دور المركز الدولي للعدالة الانتقالية

منذ عام ٢٠٠٣، عمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية مع المسؤولين الحكوميين والمجتمع المدني في العراق، لتقديم المشورة لهم بشأن مختلف خيارات العدالة الانتقالية. لقد رصدنا عن كثب وأبلغنا عن التدابير المتخذة لمعالجة الانتهاكات السابقة.

في بداية مشاركتنا، دخلنا في شراكة مع مركز حقوق الإنسان التابع لجامعة كاليفورنيا بيركلي، لإصدار أصوات عراقية، وهي دراسة معمّقة حول وجهات النظر العراقية بشأن العدالة الانتقالية بناءً على مقابلات مع شريحة واسعة من السكان. أظهر التقرير، الذي نُشر في عام ٢٠٠٤، رغبة قوية في المحاسبة القضائية عن انتهاكات النظام السابق.

• فحص أهلية الموظفين: لقد قدمنا ​​المشورة بشأن عمليات الفحص الجارية وتبادلنا المعلومات حول تجارب البلدان الأخرى في هذا المجال. راقب المركز الدولي للعدالة الانتقالية عملية اجتثاث البعث واجتمع مرارًا وتكرارًا مع كبار المسؤولين للتعبير عن مخاوفهم بشأن عيوبها، مع التأكيد على أنه يجب تقييم الأفراد بناءً على الأعمال السابقة، وليس على أساس العضوية في الحزب.

• الملاحقات القضائية: طوال محاكمات صدام حسين وأعضاء نظامه أمام المحكمة العراقية العليا، قدم المركز الدولي للعدالة الانتقالية المشورة لمختلف الجهات الفاعلة المشاركة في العملية وأثار مخاوف بشأن التدخل السياسي والخلل الوظيفي الذي أفسد عمل المحكمة. قدمنا، على سبيل المثال، ملاحظات  حول تصميم المحكمة والقواعد الإجرائية والإجراءات، في محاولة لتعزيز استقلاليتها وضمان التقيّد بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

• جبر الضرر: قدمنا ​​معلومات وتحليلات للمساعدة في تصميم وتنفيذ برامج جبر الضرر الفعالة. التقى موظفونا بأعضاء المجلس الأعلى للتعويض على الضحايا لمناقشة طرق التعويض وصياغة التشريعات.

• البحث عن الحقيقة: شجع المركز الدولي للعدالة الانتقالية العراقيين المعنيين على التشاور والتعرّف على تجارب البلدان الأخرى في عمليات البحث عن الحقيقة قبل اتخاذ أي قرارات لإنشاء مثل هذه الآلية. أوصينا بزيادة مشاركة الضحايا والمجتمع في أية هيئة مخططة للبحث عن الحقيقة.