جمهورية افريقيا الوسطى

بعدَ نزاعٍ طاحنٍ دامَ ستّة عقودٍ، شرعَت جمهوريّة أفريقيا الوسطى في عمليّةِ عدالةٍ انتقاليّة تؤولُ إلى إنهاءِ الإفلات من العقاب وإحقاق العدالة للضحايا. وفي هذا الصّدد، تعاونَ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة مع أطرافٍ معنيّة عدّة، ليقدِّمَ الدّعم للجنة الحقيقة والعدالة وجبر الضّرر والمُصالحة حديثة العهد ولغيرها من مبادرات المُحاسبة، وليُساعِدَ الضّحايا على المُشاركةِ فيها وعلى الوصول إلى العدالة.

حالياً

الخلفية: سياقٌ هزيلٌ في الصّميم وأسيرُ العنف المُتكرّر

لا تنفكّ جمهورية أفريقيا الوسطى، منذُ نيلها استقلالها في العام 1960، تُصارِعُ الاضطرابَ والعنف المُتكرّر. وقد بلغَ النّزاع أوجه في العام 2013 حينَ استحوذَ مُتمرّدو جماعة "سيليكا" على مقاليد الحكمِ فورَ نجاحِ انقلابهم العسكريّ، فأعقبَهُ ردٌّ نفّذته ميليشيا الدّفاع الذاتي "أنتي بالاكا" في غضون العام نفسه. وخلال النّزاع، ارتكبت الأطراف المُتناحرة جميعها انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وجرائم ضدّ الإنسانيّة وجرائم حرب، فخلّفت آلاف الضّحايا السّاعينَ إلى التماسِ العدالة. وفي العام 2014، أُبرمَ اتفاقُ وقف إطلاق النّار، تَبعهُ، في العام 2015، إطلاقُ منتدى بانغي حول المصالحة الوطنيّة، الّذي أثمرَ إنشاءَ المحكمة الجنائيّة الخاصّة المُوكلة النّظر في الخروقات الفادحة للقانون الدّولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان الواقعة على أرضِ البلد اعتبارًا من الأوّل من كانون الثّاني/ يناير من العام 2003.

ومع ذلكَ كلّه، استمرّ ارتكابُ العنف، واقتُرفَت مجازرُ عدّة بينَ العامَيْن 2017 و2018. وفي إطارِ المسعَى إلى إنهاءِ الأزمة، أبرَمت المجموعات المُسلّحة والحكومة اتّفاقَ سلامٍ آخر في مطلع العام 2019، تلَتْهُ استشاراتٌ وطنيّة عامّة حولَ مسألةِ إنشاء لجنةِ حقيقة. وفي العام 2020، أبصرَت لجنةُ الحقيقة والعدالة وجبر الضّرر والمُصالحة النّورَ، فأُنيطَ بها التّحقيق في الانتهاكات الجسيمة المُرتكبة من العام 1959 حتّى 31 كانون الأوّل/ ديسمبر من العام 2019، وكشف حقيقة هذه الجرائم وإحقاق العدالة في شأنها وإعادة التّأكيد على كرامة الضّحايا وتحقيق المُصالحة الوطنيّة. وفي 30 كانون الأوّل/ ديسمبر من العام 2020، صدرَ مرسومٌ رئاسيّ يُؤكِّدُ تعيين أعضاء اللّجنة الأحد عشر.

لقد كان من شأن العنف المُتكرّر في جمهورية أفريقيا الوسطَى أن أوهنَ الدّولةَ ومؤسّساتها، في حين لا يزالُ معظم البلد تحتَ سيطرة المجموعات المُسلّحة. فالدّولة عاجزةٌ عن توفير الخدمات الأساسيّة، والبلدُ مُصنّفٌ في خانة البلاد الأدقع فقرًا في العالم. وقد تعرّضَ مئات الآلاف من مُواطني أفريقيا الوُسطَى للنزوح داخليًّا، وقاسَى الأعمّ الأغلب من الشّعبِ انتهاكاتٍ جمّة لحقوق الإنسان، علمًا أنّهم لا يقدرونَ على الوصول إلى العدالة، لا سيّما مَن كانَ مِنهم يقطنُ خارجَ نطاق العاصمة. ويجدرُ التّنويه بأنَّ أكثرَ أنواع الانتهاكات شيوعًا هي انعدام المُساواة بينَ الجنسين والعنف الجنسي والعنف القائم على النّوع الاجتماعي.

دور المركز الدولي للعدالة الانتقالية

منذ العام 2019، عملَ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة مع المؤسّسات الحكوميّة والمجتمع المدني في سبيلِ تمتينِ عملية العدالة الانتقاليّة والمُساهمة في ضمانِ مُشاركة الضّحايا فيها مُشاركةً مُجدية. وقد ضمّت أنشطةُ المركز ما يلي:

  •    أسدَى المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة المشورةَ للجنةِ الحقيقة والعدالة وجبر الضّرر والمُصالحة وقدّمَ لها المُساعدةَ منذ إنشائها في العام 2020. وقد تعاونّا مع شركائنا في البلد، وتحديدًا مع برنامج الأمم المتّحدة الإنمائيّ، وقسم حقوق الإنسان ضمنَ بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المُتعدّدة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية أفريقيا الوسطَى (مينوسكا)، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، فساعدنا اللّجنة على إنجازِ مرحلتها الإجرائيّة وعلى إعدادِ أدواتٍ ضروريّة من أجل نجاحها (ومنها على سبيلِ المثال، الاستراتيجيّة العامّة، واستمارات جمع الشهادات، واستراتيجيّة التّواصل المُتمحورَة حولَ الضّحايا وغير ذلكَ من الأدوات) وعلى بناء قدراتِ أعضائها على حدّ سواء.
  •    أيّدَ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة حقوقَ الضّحايا والنّاجينَ في العدالة والحقيقة وجبر الضّرر. وقد بنَى المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة قدراتِ مجموعات الضّحايا ومنظمات الأمم المتحدة حتّى تتمكّنَ من المُشاركةِ المُجدية في عملية العدالة الانتقاليّة الرّسمية قيد التنفيذ وتقومَ مقام الحليف الأساسي بالنّسبة إلى لجنة الحقيقة والعدالة وجبر الضّرر والمصالحة.
  •    تعاونّا مع شركائنا في سبيلِ دعمِ ضحايا العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي وكذلكَ النّاجينَ منهما، وآزرناهم في مناصرة حقوقهم وانتزاع حقّهم في التماس العدالة وجبر الضّرر.
  •    من خلالِ ممارساتنا وأبحاثنا، سلّطنا الضّوء على أهميّة وصول الضّحايا إلى العدالة، وكذلكَ على أهميّة إطار العمل الّذي حدّده جدول أعمال العام 2030 للتنمية المُستدامة، لا سيّما هدف التنمية المُستدامة رقم 16 حولَ السلام والعدالة والمجتمعات الشّاملة للجميع، والهدف رقم 5 حولَ المساواة بين الجنسين، والهدف رقم 10 حولَ الحدّ من أوجه عدم المُساواة.