في لبنان، يواجه الطلاب الحقيقة حول ماضي بلدهم الأليم

25/03/2020

في إطار دعمه المستمر للجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان، عقد المركز الدولي للعدالة الانتقالية ورشة عمل حول العدالة الانتقالية لمجموعة من طلاب الجامعات في بيروت يومي ١٤ و١٥ شباط/فبراير الماضي. يعمل الطلاب حاليًا كمتطوعين في مشروع إنشاء أرشيف لنشاط اللجنة ونضالها خلال عقود طويلة. هدفت ورشة العمل، التي تضمنت مناقشات بقيادة خبراء حول مواضيعٍ عدة، وتمارين عملية تشاركية، وعرض لفيلم وثائقي عن الحياة اليومية خلال الحرب اللبنانية، إلى مساعدة المتطوعين على فهم أفضل لإرث البلاد من انتهاكات حقوق الإنسان وعمليات العدالة الانتقالية وأهميتها، والدور الذي يمكن أن يلعبوه لتعزيز الحقيقة والعدالة.

"لماذا نتحدث عن الحرب الأهلية اللبنانية؟ لماذا نعيد فتح ماضينا الأليم؟" تساءلت خبيرة البرامج في مكتب المركز الدولي للعدالة الانتقالية في لبنان، نور البجاني نور الدين، مع المشاركين في الجلسة الأولى من ورشة العمل. وأضافت "لقد فشل لبنان في التعامل مع ماضيه. لا نعرف الحقيقة عن ١٧٠٠٠ شخص مفقود. لم يكن هناك جبر ضرر ولا إنصاف للضحايا وعائلاتهم. أنتم الشباب تقودون الثورة الحالية في لبنان. سوف تتحملون جزء كبير من  حِمل الإصلاح المؤسسي والمحاسبة والمشاركة في جميع عمليات العدالة الانتقالية ".

وداد حلواني، الرئيسة المؤسسة للجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان، تخاطب المشاركين. (فراس بوزين الدين/ICTJ)

ركّزت ورشة العمل على الانتهاكات التي حدثت خلال الحرب الأهلية وتداعياتها المستمرّة على الضحايا وعائلاتهم. بما أن المناهج الدراسية في لبنان لا تشمل الحرب الأهلية، وغالباً ما تفضّل العائلات عدم التطرّق إلى موضوع الحرب، فكانت هذه المرة الأولى التي يسمع فيها العديد من الطلاب المتطوعين عن هذه الفظائع المرتكبة. وبحسب أحد الطلاب: "إنه عالم آخر لم نكن على دراية به بسبب جهود الحكومة للتعتيم على هذه القضية". أعرب المتطوعون الشباب جميعًا عن رغبتهم القوية في معرفة المزيد عن الحرب والمساهمة في عمل لجنة الأهالي. "يقول لنا آباؤنا وأقاربنا الأكبر سناً الذين عاشوا الحرب ألا نتحدث عنها لأنها أصبحت من الماضي وقد تجاوزناها"؛ وضّح طالب آخر خلال ورشة العمل. "ولكن هل نحن فعلاً تجاوزنا الحرب؟"

وكان من بين الذين قادوا الورشة السيدة وداد حلواني، الرئيسة المؤسسة للجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان. أعطت حلواني لمحة تاريخية عن المخطوفين والمخفيين في البلاد، والحركة التي ساهمت في إنشائها لكشف الحقيقة عن مصيرهم وتحقيق العدالة لعائلاتهم، والقانون ١٠٥ الذي صدر مؤخراً بشأن المفقودين والمخفيين قسراً في لبنان وماذا يعني للعائلات. كما ناقشت أهمية هذه القضية للشباب ولجميع اللبنانيين، وربطتها بالهموم والقضايا التي تحرّك الثورة اليوم. وقالت: "لا يمكننا قلب الصفحة ببساطة، والثورة الحالية في لبنان تثبت ذلك".

سيبلي هوكينز، خبيرة البرامج في المركز الدولي للعدالة الانتقالية تقود نقاشاً حول مفاهيم العدالة الانتقالية للشباب في لبنان. (فراس بوزين الدين/ICTJ)

غالباً ما أظهرت المناقشات خلال ورشة العمل الطرق التي يعكس بها النضال من أجل الحقيقة والعدالة للانتهاكات الماضية نضال المتظاهرين في الشوارع اليوم، والذين يطالبون بإصلاحات اقتصادية ومؤسساتية، وفرص عمل أكثر وأفضل، وإنهاء الفساد المستشري والطائفية للنخب السياسية في البلاد. "أثناء محاولتهم فهم الأزمة الاقتصادية الحالية والمظالم التي أدت إلى ثورة ١٧ تشرين الأول/أكتوبر، كان لا بد أن يتعرّف المتطوعون على الأنظمة التي أنشئت بعد الحرب"، تقول سيبلي هوكينز، خبيرة البرامج في المركز الدولي للعدالة الانتقالية والتي شاركت في قيادة ورشة العمل. "أعتقد أن هذا قد سلط الضوء على مدى الدمار الذي لحق بلبنان خلال العقود الماضية، لا سيما فيما يتعلق بالطائفية التي كانت مترسّخة بعمق في جميع جوانب الحياة في البلاد. لدى الشباب المزيد من الأسئلة حول الماضي والحرب، من أجل إصلاح ما يحدث اليوم ".

عرّفت هوكينز الطلاب على مفاهيم العدالة الانتقالية، وطلبت منهم أولاً مشاركة أفكارهم حول العدالة الانتقالية. وأوضحت أن العدالة الانتقالية هي عملية علاجية، وهي عملية تساؤل وفهم يجب أن تؤدي إلى تغيير في المعايير المجتمعية التي سمحت في السابق بالعنف والفساد. ومع انتهاء الورشة، كان هناك شعور واضح في القاعة بأن المشاركين أدركوا مسؤوليتهم في المشاركة في عمليات العدالة الانتقالية في لبنان وقيادتها، وبالتالي المساهمة في السلام المستدام والمصالحة الوطنية. في الوقت الراهن، سيواصل هؤلاء الطلاب وغيرهم من الطلاب المندفعين، التطوع لبناء أرشيف ديناميكي وسهل الاستخدام لحفظ وفهرسة جميع الوثائق – الجديدة والقديمة – التي تجمعها لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين منذ قرابة أربعة عقود.


الصورة: يشارك الطلاب المتطوعون في تمرين جماعي كجزء من ورشة عمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية حول العدالة الانتقالية والحق في معرفة الحقيقة في لبنان. (فراس بوزين الدين/ICTJ)