التحديات والفرص في أعقاب "الربيع العربي"

تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا تغيرات سياسية جذرية منذ مطلع هذا العام٬ تمثلت في احتجاجات شعبية مطالبة بالتغيير الديمقراطي والعدالة الاجتماعية استطاعت أن تطيح برأس النظام في كل من مصر وتونس وليبيا. هذه الاحتجاجات غير مسبوقة قامت في مواجهة أنظمة سياسية اتسمت بالاستبداد السياسي وانتهاك حقوق الإنسان بشكل منهجي لعقود طويلة. كما أن استمرار الاحتجاجات في سوريا واليمن والبحرين يحصد عشرات الضحايا يومياً. في وسط هذه التطورات أصبحت قضايا العدالة والمحاسبة ودولة القانون على رأس قائمة أولويات الجدل العام في بلدان المنطقة، كما أن الانتقال من أنظمة حكم سلطوية إلى أنظمة أكثر انفتاحاً يثير اشكاليات تتعلق بأفضل السبل للتعامل مع ملف انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي ارتكبت في الماضي، والمتورطين في ارتكاب هذه الانتهاكات، وأيضاً إعادة هيكلة وإصلاح المؤسسات القضائية والأمنية لمنع تكرار الإنتهاكات في المستقبل.

وانطلاقا من هذه التطورات والتحديات٬ قام المركز الدولي للعدالة الانتقالية بتقييم واسع للإحتياجات في مجال العدالة الانتقالية في المنطقة في المرحلة الراهنة والتشاور المكثف مع مختلف الفاعلين المحليين من أجل إيجاد أفضل السبل لدعم جهودهم لتطوير اقتراحات للعدالة الانتقالية تتوافق مع السياقات المحلية السياسية والاجتماعية لدول المنطقة.

في أعقاب ثورة 25 يناير في مصر، عبّر النشطاء والمدافعون عن حقوق الإنسان في البلاد عن مخاوف حقيقية من عدم شفافية عملية الانتقال السياسي، وافتقادها للمشاركة المجتعية الواسعة. لم تعتمد بعد السلطات الإنتقالية اي اجراءات لمعالجة انتهاكات النظام السابق بشكل شامل ومنهجي كما لم يخضع القطاع الأمني بعد لعملية إصلاح جوهرية. يبدو أنه أمام السلطات المصرية الكثير من التحديات قبل الوصول الى دولة القانون والديمقراطية.

غداة سقوط الرئيس مبارك٬ أبدت الحركات الشعبية والمجتمع المدني في مصر رغبة كبيرة في محاسبة رموز النظام السابق. وبرزت المطالبة الحثيثة من قبل هذه الحركات ومنظمات المجتمع المدني بمحاسبة المسؤولين عن الإنتهاكات وجبر الأضرار والحق في معرفة الحقيقة وإصلاح المؤسسات. ومع هذه المطالب برزت الحاجة الى اكتساب المزيد من المهارات والخبرات الضرورية لانجاح عملية العدالة الانتقالية وتمتين دولة القانون والمحاسبة في مصر. هنا تأتي أهمية المؤتمر الذي ينظمه في القاهرة المركز الدولي للعدالة الانتقالية بالتعاون مع مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان في 30-31 تشرين الأول/ أكتوبر 2011.

ومن واقع تجربة المركز في مؤتمر تونس الذي انعقد في نيسان/ابريل الماضي٬ يتطلع المركز الى جعل هذا المؤتمر في القاهرة نقطة التقاء وتبادل فعّال للدروس المستخلصة بهدف تطوير القدرات المحلية والإقليمية في مجال العدالة الإنتقالية على مستوى كل من الفاعلين الحكوميين والمجتمع المدني و كذلك اطلاق حوار في مصر حول كيفية مواجهة الماضي في فترة ما قبل الإنتخابات البرلمانية.

وبحسب حبيب نصار، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا لدى المركز الدولي للعدالة الانتقالية٬ الهدف الرئيس من تنظيم هذا المؤتمر هو: "فتح حوار مع ممثلي المجتمع المدني المصري والحركات السياسية والمسؤولين الحكوميين حول آفاق العدالة الانتقالية في مصر من خلال دراسة وتحليل تجارب مجتمعات مرت بظروف انتقالية مشابهة. وكذلك يهدف هذا اللقاء الى استخلاص الدروس من تطورات الأوضاع السياسية وبعض مبادرات العدالة التي اتخذت في بلدان المنطقة والتعلم من هذه الدروس."

يسلّط هذا المؤتمر الضوء على مختلف موضوعات العدالة الانتقالية حيث يبدأ بتعريف هذا المفهوم ومناقشة مختلف آليات العدالة الانتقالية المتعارف عليها. فيتناول المؤتمر البحث عن الحقيقة والعدالة الجنائية والمحاسبة وجبر الضرر، إضافة الى التركيز على دور المرأة في العدالة الانتقالية. ويعرض المؤتمر لأهم طرق تفادي انتهاكات حقوق الانسان مع تسليط الضوء على إصلاح المؤسسات القضائية، وفحص الموظفين وغربلتهم. كما يولي المؤتمر أهمية خاصة لموضوع إصلاح القطاع الأمني في مصر مع مقاربات من دول اخرى في المنطقة كتونس وكيفية إبعاد مرتكبي الانتهاكات من المؤسسات الأمنية تفادياً لتكرارها.

كما تشكل المحاكمات الجارية في مصر للرئيس المخلوع حسني مبارك و رموز نظامه محل نقاش واسع في مصر والمنطقة. في هذا الإطار يتطرق المؤتمر للامكانيات والتحديات التي تعترض هذه المحاكمات. فضلاً عن ذلك٬ يقدم المؤتمر مقارنة بين المحاكمات المحليّة والمحاكمات الدوليّة وتحديداً في سياق ليبيا والسودان.

وفي ظلّ ما يجري في سوريا واليمن والبحرين من انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان وقمع للمعارضين يركز المؤتمر على طبيعة التغيرات السياسية والاجتماعية التي تنتظر هذه البلدان من أجل الوصول الى تحقيق العدالة. ففي هذا الإطار يناقش المشاركون التطورات في كل من سوريا والبحرين واليمن والدروس الممكن اسخلاصها بالنسبة للعدالة الإنتقالية وحقوق الضحايا في هذه السياقات. ويبرز المؤتمر أيضاً الخبرات المكتسبة من المغرب والأرجنتين وتشيلي وجنوب افريقيا ويوغوسلافيا السابقة وبلدان اخرى شهدت تجارب في مجال العدالة الانتقالية.

من المتوقع أن يشارك في المؤتمر صانعو السياسات ومسؤولون حكوميون ونشطاء في المجتمع المدني ومنظمات تمثل الضحايا وصحافيون وأكاديميون من مختلف انحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

الصور: بعد شهر من بدء ثورة 25 يناير في مصر٬ الناس يحتفلون في ميدان التحرير. Eric N's Flickr photostream; Tahrir Square May 13 2011, naicomenó's Flickr photostream