الخروج عن المألوف

هل يسعُ لجان الحقيقة دفعَ عمليّات السلام قدمًا؟

 

قررت أن أعودَ إلى دياري وأبوحَ بالحقيقة، تمامًا كما أبوح بها اليوم. وأعلم أنّنا لو أبقينا الحقيقةَ طيّ الكتمان، وأخفينا عن النّاس ما جرى، لظلَّ طيف الابن الذي يقبعُ في عالمٍ آخر يقضّ مضاجعنا، ولكانت الحقيقة وزرًا ثقيل الحمل. إن كان عندك كلامٌ يُقال وتحجم عن قوله، فسيمسي عبئًا عليك... لقد ارتاحَ بالي وبال عائلتي.

سهر جبيكي أثناء إدلائه بشهادته في جلسة الاستماع الخاصة بلجنة الحقيقة والمُصالحة في سيراليون حيث تحدّثَ عن السبب الكامن وراء عودته إلى العاصمة فريتاون ليتكلّم على وفاة ابنه إبّان الحرب الأهليّة.  

يحملُ الأشخاص مِمّن عانوا الفظائع الوحشيّة ثقللها بقية حياتهم. لذا، يُعدّ منحهم فرصة البوح علانيةً بحقيقة ما جرى لهم خطوةً مهمّة في سبيل التعافي والترميم سواء على الصعيد الشخصي أو على صعيد المجتمع ككلّ. فمن شأن اتخاذ خطواتٍ جدّية لمُعالجة هذه الفظائع، على غرار إقامة لجنة حقيقة، أن يُساندَ المجتمعات في ترميم بنيتها والحؤول دون وقوع أحداثٍ مُشابهة مرّة أخرى.

مُنِحَ سهر جبيكي فرصة التحدّث خلال جلسة الاستماع الخاصة بلجنة الحقيقة والمصالحة في سيراليون، فسردَ حادثة قتل ابنه إبّان الحرب الأهلية، وذلك بعدَ مضيّ زهاء عقد على وقوع الحادثة. وكانت جلسة الاستماع تلك واحدةً من سلسلة جلسات استماع علنيّة أُتيحَ خلالها للنّاس الإدلاء بشهاداتٍ عن تجاربهم إبّان الحرب الأهليّة. وقد حُفِظت الشهادات المُدلى بها في سجلٍ عامّ. وتجدر الإشارة إلى أنّ الشهادات الخاصة بالحرب الأهليّة في سيراليون، مُتاحة للاطلاع عليها باللّغة الإنكليزيّة على الانترنت.

لكنّ النجاح لم يُكتب سوى لعددٍ ضئيلٍ من لجان الحقيقة، بما فيها لجنة الحقيقة والمُصالحة في سيراليون. فقد خشيَ الكثير من النّاس في سيراليون، مثلًا، تجريمَ أنفسهم جرّاء الإدلاء بشهاداتهم، الأمر الذي حال دون تسجيل كثيرٍ من الشهادات التي تُعدّ على قدرٍ عالٍ من الأهميّة.

Challenging the Conventional

فهل مصير اللجنة آنفة الذكر، وغيرها من لجان الحقيقة الفشل؟ وما العِبر التي يُمكن استخلاصها من إخفاقات لجان الحقيقة السابقة ونجاحاتها بغية التأكد من سير لجان الحقيقة المستقبليّة على طريق النجاح؟

في هذا الصدد، تضافرت جهود كلّ من المركز الدولي للعدالة الانتقالية ومؤسسة كوفي عنان في سبيل إعادة النظر في الفرضيّات حول كيفية إنشاء لجان الحقيقة والعوامل التي تُخوّلها العمل على نحوٍ مجدٍ وفعّال.

وعليه، يعرض هذا المستند المتعدد الوسائط النتائج والرُؤى الأكثر أهميّة الواردة في تقريرٍ كُتب باللغة الإنكليزية وحملَ العنوان التالي "الخروج عن المألوف: هل يسعُ لجان الحقيقة دفعَ عمليّات السلام قدمًا؟"

 

 

 

ما هي لجنة الحقيقة؟

Paulina Antezana giving testimony before commissioners of Peru's Truth and Reconciliation Commission (John Watson Riley)

الصورة: بولينا أنتيزانا تدلي بشهادتها أمام مفوضي لجنة الحقيقة والمصالحة في بيرو (John Watson Riley)

تُعدّ لجان الحقيقة بمثابة لجان تحقيقٍ رسميّة ومؤقّتة يُناطُ بها تحديد مُلابسات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي وقعت في الماضي والبواعث التي أدّت إلى ارتكابها والتداعيات التي ترتّبت عنها. وتولي لجان الحقيقة الشهادات أهميّة قصوى، فتُقِرُّ بما تعرّض له الضحايا بعد مرور سنواتٍ طوالٍ كُمَّت فيها أفواههم أو صُمّت الآذان عن سماع أصواتهم.

وقد ترمي لجنة التحقيق إلى كشف الجرائم الماضية ومعرفة المزيد عن ملابساتها أو الاقرار بها إقرارًا رسميًّا. بالإضافة إلى ذلك، قد تدعو لجنة الحقيقة إلى مُلاحقة مَن يُشتبه بارتكابه الجرائم وتحثّ على إجراء إصلاحاتٍ مؤسساتيّة.

ينفردُ كلّ بلد أو مجتمع بحاجاته وتاريخه وسياقاته المُختلفة التي تفرضُ مُقاربته الخاصة في شأن التوجّه إلى المُصالحة وتفادي نشوب نزاع. وتتخذ لجان الحقيقة الاجراءات المناسبة خلال إجراء البحث والتحقيقات، بالإضافة إلى كونها تمدّ الضحايا بالدّعم اللازم وتصدر التوصيات في شأن السياسات المتّبعة.

يُمكن الاطلاع على مزيدٍ من التفاصيل حول كيفية إنشاء لجان الحقيقة في دراسةٍ سابقة متوفرة باللّغتين العربية والإنكليزية على الرابطين التاليين تباعًا:

http://goo.gl/b9p0Gh

http://www.ictj.org/in-search-of-truth

 

 

الحق في معرفة الحقيقة

 

Voices of Dignity
لكنّني أريد معرفة الحقيقة...
على الأقل معرفة لماذا قُتلَ، أو مَن قتله، أو مَن أمرَ بقتله، أو أين دُفن.

   حوارٌ دارَ بين يولاديس زونيغا وبيترولينا ميندوزا اللّتين فقدتا زوجَيْهما خلال الحرب الأهليّة في كولومبيا.

يحقّ للمجتمعات والأفراد، ولا سيّما الضحايا منهم، معرفة الحقيقة في شأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتُكِبت بحقّهم، بما في ذلك معرفة سياق النزاع المُسلّح أو القمع المُمارس. وتُعدّ لجان الحقيقة واحدًا من السُبُل الآيلة إلى تفعيل الحقّ في معرفة الحقيقة. وتتعدّدُ الأدوات الرامية إلى إحقاق هذا الحقّ وإماطة اللّثام عن حقيقة ما جرى خلال الماضي المرير، ومن بين تلك الأدوات الأنصبة التذكاريّة والتشريعات الخاصة بحرّية الاطلاع على المعلومات ونشر المحفوظات بالإضافة إلى إجراء التحقيقات في حالات الفقد والإخفاء القسري

وقد اعترفت منظمة الأمم المتحدة رسميًّا بالحق في معرفة الحقيقة، وذلك في الإعلان المتعلّق بحماية جميع الأشخاص من الإختفاء القسري (الصادر في العام 1992) والمبادئ الأساسيّة التوجيهيّة بشأن الحق في الانتصاف والجبر (الصادرة في العام 2005) والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري (المُبرمة في العام 2006).

هذا وتقع على عاتق الحكومات الوطنية مسؤولية تفعيل الحق في المعرفة. إذ ينبغي على الدولة أن تتصدّى لمُحاولات إنكار الانتهاكات، وذلك عبر حفظ الوثائق وفتح المحفوظات بحيث تُخوّلُ لجان الحقيقة والمحاكم والأنصبة التذكارية وعمليّات البحث عن المخفيين أن تكشف حقيقة ما جرى وتُقرّ به.

 

 

 

فعاليّة لجان الحقيقة: مصيرها الفشل المُحتّم؟

 

Commission for Reception, Truth and Reconciliation in East Timor (ICTJ)

لجنة الاستقبال والحقيقة والمصالحة بتيمور الشرقية. (ICTJ)

للمزيد
 

من توقيع اتفاق السلام إلى التقرير النهائيّ

 

نساء ناشطات في كينيما، سيراليون، ديسمبر 2012. (Glenna Gordon/ICTJ)

للمزيد

 

 

 

دراسة حالات

 

 

الاستنتاجات:

ما هي أفضل الممارسات

وضع رؤية واضحة وهدف محدد لإطار السلام والعدالة.

نجحت بعض لجان الحقيقة في الآونة الأخيرة في مواجهة الظروف الصعبة، فيما وقعت لجان أخرى في فخّ نقل ما تقوم به اللجان الأخرى وتسخيفه أو تطبيق المعارف المتعلقة بالعدالة الانتقالية تطبيقًا حرفيًا.

وتبرز عناصر عدّة عند دراسة أمثلة حديثة عن لجان الحقيقة حول العالم على أنها ضرورية لتشكيل لجنة حقيقة فاعلة. لا بدّ للمعنيين أولًا من أن يطرحوا مجموعة من الأسئلة الجوهرية.

للمزيد

 

 
International Center for Transitional Justice - ICTJKofi Annan FoundationNorwegian Ministry of Foreign Affairs