1 / 6

دراسة حالات

نيبال

الخلفية التاريخية

Case Studies - Nepal - Timeline

دراسات الحالة - نيبال - الجدول الزمني

قاست النيبال بين العامين 1996 و2006 حربًا أهلية نشبت بين القوات الحكوميّة والمقاتلين الماويين، وطالت المناطق كافّة تقريبًا.

وتوزّع قتلى النزاع على نواحي البلاد كافّة ما عدا ناحيتين من النواحي الإدارية الخمسة والسبعين، وقد وصل عددهم إلى 13 ألف ما بين مسلّحين ومدنيين، فيما أُعلن عن فقدان حوالي 1300 شخصاً. أمّا عدد النازحين داخل البلاد، فقد قُدّر بين 100 ألف 200 ألف نازح، فيما هرب عشرات الألوف عبر الحدود نازحين إلى دول مجاورة.

بدأت محادثات السّلام في عام 2005 وسط أعمال عنف مستمرّة، وقد جرت بين القوات الحكوميّة النيباليّة ومن بينها حزب المؤتمر النيبالي والحزب الشيوعي الماركسي -اللينيني الموحّد من جهة، والحزب الماويّ الشيوعي النيبالي الذي قاد النزاع الماويّ المسلّح، من جهة أخرى. وسرّع محادثات السّلام احتجاجان شعبيان متتاليان طالبا بإسقاط الحكم الملكي القمعي. تطرقت المحادثات إلى قضايا أساسيّة شكّلت فتيل النزاع المسلّح آنذاك كالوصول إلى الأراضي ووضع حدّ للطبقيّة والتمييز الإثنيّ وحلّ النظام الملكي والاقطاعي.

وفي ٨ تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2006، توصّل حلف الأحزاب السّبع النيبالي والحزب الماويّ الشيوعي، بعد اجتماع قمّة، إلى اتفاق ثنائي يلحظ تشكيل لجنة الحقيقة والمصالحة وتدابير لتحديد مصير المفقودين.

 

2 / 6

دراسة حالات

نيبال

الخلفية التاريخية

 

وسرعان ما تُبع الاتفاق بالتوقيع على اتفاق سلام شامل في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه بين الحكومة والماويين. وقد نصّ الأخير على "إطلاق عهد جديد من الشراكة والسلام" إذ وافق الطرفان على إنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة والافصاح عن أسماء من فُقدوا قسرًا خلال النزاع وتحديد مصائرهم.

لم تكن مفاعيل اتفاقيّ القمة والسلام الشامل كبيرة ولا سيما في ما يخصّ كشف الحقائق، وذلك بالرغم من أن الاتفاق حدّد فترة 60 يومًا للكشف عن مصائر المفقودين. أمّا التفاصيل الإجرائية والجوهرية بما تتضمنه من أهداف عملية، فقد تُركت بين أيدي صانعي السياسة القادمين.

وفي العام 2007، دخل دستور النيبال الانتقالي حيّز التنفيذ، إلّا أنه لم يعط تفاصيل كافية حول ولاية لجنة الحقيقة والمصالحة وصلاحياتها وحسم مصير المفقودين.

وفي منتصف العام 2007، نشرت وزارة السّلام والمصالحة نسخة أوليّة من قانون لجنة الحقيقة والمصالحة الذي حدّد فترة الاستقصاء ما بين شباط/ فبراير من العام 1996 وتشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2006. وقد أعطى القانون أيضًا اللجنة صلاحية العفو عن المرتكبين إلا عمّن تورطوا في جرائم قتل أو تعذيب أو اغتصاب، واقترح عملية مصالحة يشارك فيها المرتكبون، لكنه ربط التعويض على الناجين وعائلات ضحايا انتهاك حقوق الإنسان بمشاركتهم في اجتماعات المصالحة العامة. وتصدّى المجتمع المدني في العاصمة كاتماندو ومنظمات الضحايا الذي يسكن معظم أعضائها في النواحي الريفية لقانون العفو والمصالحة. وقد نصّت نسخ لاحقة من القانون على تشكيل لجنة منفصلة للتحقيق في حالات الفقدان القسري. وفي سياق متصل، خسر الماويون الانتخابات فيما شكّل الشيوعيون من غير الماويين وحزب المؤتمر الوطني حكومات متتالية.

وفي آب/ أغسطس من العام 2012 وقّع الرئيس مرسومًا شكّل بموجبه لجنة الحقيقة والمصالحة والتحقيق بالمفقودين قسرًا وهي لجنة ستتولى مهام لجنتي الحقيقة والمصالحة والتحقيق بالمفقودين. اعترضت المحكمة النيبالية العليا على هذا المرسوم معتبرة أن البند المتعلق بالعفو غير دستوري وطالبة من الحكومة النيبالية تعديل المرسوم كي يصبح متناغمًا مع الدستور النيبالي.

 

3 / 6

لجان تقصّي الحقائق في النيبال: لجنة الحقيقة والمصالحة ولجنة التحقيق في المفقودين قسرًا

Nepal - Inside Story

أصدر البرلمان النيبالي الجمعية التأسيسية، في العام 2014، قانونًا يقضي بتشكيل لجنة من 5 أشخاص تعني بالحقيقة والمصالحة وبالتحقيق في المفقودين قسرًا.

وبالرغم من الشكوك التي ساورت الضحايا والناشطين حول أحكام القانون المثيرة للجدل وحول قضيةٍ رفَعها 234 ضحية إلى المحكمة العليا يعترضون فيها على البند المتعلق بالعفو، وحول قضايا أخرى، عجّلت الحكومة تأليف اللجان. وفي شباط/ فبراير من العام 2005، أي بعد أيام على تشكيل لجنتي الحقيقة والمصالحة والتحقيق في المفقودين قسرًا، رأت المحكمة العليا أن أحكام البند المتعلق بالعفو غير دستورية.

وطالبت الحكومة بتوضيحات حول حكم المحكمة المتعلق بالتحقيق في الجرائم المرتكبة في فترة النزاع المسلّح. وفي سياق متصل، اتخذت مجموعات الضحايا ومنظمات المجتمع المدني مواقف متناقضة من اللجنة. فقد رأى بعضهم فيها فرصة لكشف الحقيقة وتحديد مكان المخفيين لكن الشكوك راودت بعضهم الآخر حول احتمال استغلالها لتغطية المرتكبين وتهريبهم من المحاسبة.

 

4 / 6

التحديات

 

كشف حقيقة الأسباب الجوهرية المولّدة للنزاع المسلّح في النيبال

شكلت عملية السلام في النيبال، في كثير من النواحي، استمرارًا لما ناضل من أجله الماويون بالسلاح: فقد بحثت عملية السلام في كيفية إنهاء الفقر والوصول غير المتكافئ إلى الأراضي والشرخ الاقتصادي والاجتماعي المتجذّر والمبني على أساس التمييز الطبقي والإثني والجنسي. لكن، فيما يلحظ اتفاق السلام الشامل إصلاحًا زراعيًا، شابَ الغش والتناقضات عملية منح الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمهمشين، ووضع حد للتمييز الطبقي، وحلّ النظام الاقطاعي والدولة الملكية، وحسن توزيع السلطة السياسية. ونتيجة لذلك، لم يعط أي اقتراح لتشكيل لجنة حقيقة اللجنة صلاحية التحري عن أسباب نشوب النزاع المسلّح بالدرجة الأولى. فقد أورد قانون تشكيل لجنتي الحقيقة والمصالحة والتحقيق في المفقودين قسرًا عبارة “الأسباب الجوهرية” مرّة واحدة في جملة فضفاضة تحوي أيضًا القضايا الأخرى كلّها التي قد تنظر فيها اللجنة.

الخوف من المساءلة الجنائية

يعود السبب الرئيس وراء تشكيل لجنتين منفصلتين إلى ما يريد كل طرف من طرفي النزاع إلقاء الضوء عليه وإلى ما تنتظره قواعدهما الانتخابية. فالأحزاب غير الماوية بمن فيها من مقربين من النخبة السياسية والبيروقراطيين والجيش يفضّلون تفادي المحاكم الجنائية والتشديد على مبدأ “ضحايا النزاع” المبهم بدلًا من مبدأ ضحايا الانتهاكات التي ارتكبها عملاء السلطة. أما بالنسبة إلى الماويين، فتعطي حالات الفقدان القسري دليلًا قاطعًا على الانتهاكات التي طالت مؤيديهم بشكل خاصّ. إلا أن الطرفين يتفقان على ضرورة ألّا تمثل أمام المحاكم قياداتهما العليا التي قد تكونا متورطتين بسبب استغلالهما مسؤوليتهما عن مجموعات من المسلحين أو بسبب ارتكابهما جرائم غير مرتبطة بأهدافهما السياسية.

وفي العام 2009، صرّح الممثل الخاص للأمين العام في النيبال آنذاك إيان مارتن قائلًا إن تقاعص الأحزاب السياسية والجيش عن تحمّل المسؤولية الجنائية يعيق عملية السلام ولا سيما الإرادة السياسية القوية والضرورية لتحقيق هذه العملية.

وأدى الاعتقاد الخاطئ باستخدام اللجنتين وسيلة لتفادي المساءلة بدلًا من مواجهة الماضي بطريقة تتناغم مع الحقوق المتفق عليها دوليًا، دورًا سلبيًا في عملية السلام.

هيكلية مؤسساتية ضعيفة

منذ العام 2008، حلّت المحكمة العليا عددًا من الجمعيات التأسيسية. وشهدت البلاد فترات متتالية من الاستقطاب السياسي والنزاعات المسلّحة. بالإضافة إلى ذلك، عرقل الفساد والمحسوبية السياسية والسياسات المناطقية والاتنية المهام الحكومية العامّة، وأسهمت بعض جبهات الرفض كالجيش مثلًا في بعض الأحيان في الحدّ من العملية الديمقراطية.

وفي هذا السياق، لم تلق القوانين الضرورية لوضع آلية رسمية لتقصّي الحقائق ولتشكيل لجنة للتحقيق بالمفقودين قسرًا الاهتمام اللازم. وتضمنت بعض مشاريع القوانين التي عُرضت على واضعي السياسات لغة مجحفة بحقّ الضحايا وحاربها بالتالي المجتمع المدني وجمعيات الضحايا.

وحاولت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في العام 2011، أن تطلق مشاورات للتوصل إلى إجماع حول قانون للجنة الحقيقة والمصالحة يتلاءم مع القانون الدولي والمعايير الدولية. وقد أسفرت المشاورات عن اقتراحات ملموسة بديلة، لكن كلما صدر قانون عن الجمعية التأسيسية تبين أنه يتضمن أحكامًا متعلقة بالعفو عن المرتكبين وانتهاكات جدية لحقوق الإنسان. ووصلت عملية السلام الى حائط مسدود في وجه المعارضة الشعبية.

وفي العام 2014، دخل قانون لجنة الحقيقة والمصالحة والتحقيق في المفقودين قسرًا حيّز التنفيذ. إلا أن تشكيل اللجنتين - أي لجنة الحقيقة والمصالحة ولجنة التحقيق في المفقودين قسرًا - جاء من دون استشارة الضحايا أو المجتمع المدني. وفي العام 2015، وبعدما رفع الضحايا دعوى قضائية، ألغت المحكمة العليا أحكام قانون لجنة الحقيقة والمصالحة والتحقيق في المفقودين قسرًا. وأسهمت الهفوات الكثيرة التي شابت تشكيل لجنتي الحقيقة والمصالحة والتحقيق في المفقودين قسرًا، ولا سيما تهميش المجتمع المدني في انتقاء الاعضاء في تعزيز عدم ثقة الضحايا والناشطين بعملية السلام.

 

5 / 6

ماذا عن الإنجازات؟

Inheriting the Struggle for Truth
لم تبدأ السلطات النيبالية بعد بتقصّي الحقيقة. فما زال المواطنون حتى الآن، ولاسيما ضحايا النزاع المسلّح لا يتمتعون بحرية التعبير… وذلك بسبب غياب التشريعات التي تحمي الضحايا أو تشريعات مشابهة، وهذا ما يمنع الضحايا من الحديث بحرية عن مشاكلهم.

براتيفا خانال، خريجة كلية الحقوق في جامعة كاتماندو، موظفة شؤون قانونية، مركز موارد العدالة الانتقالية.

ونجحت مجموعات الضحايا والمدافعين عن حقوق الإنسان، حتى في غياب هذه اللجان، في وضع إطار للعدالة الإنتقالية في ما يتعلق بالمحاسبة أكثر مما يتعلق بالمصالحة. وبرهنت هذه المجموعات من خلال الاعتراض على قانون لجنة الحقيقة والمصالحة في المحاكم أن باستطاعتها هزم أي عملية تستثني عمدًا وجهة نظرها وتهدف إلى تشجيع الإفلات من العقاب حتى ولو لم تكن الهزيمة قاطعة، لكنها بالتأكيد كافية لإجبار الحكومة على الاعتراف بالتزاماتها تجاه حقوق الإنسان.

وقد أظهرت عائلات الضحايا بشكل خاص أنه يمكن التوصل إلى اجماع على خطوط سياسية وايديولوجية عريضة تلتزم بها الأحزاب، ما قد يأتي بنتائج إيجابية. وأكدت عائلات المفقودين مرارًا أن لجنة حقوق الإنسان الوطنية ستستمر بالتحقيق في قضايا المفقودين حتى في غياب هاتين اللجنتين، فيما مجموعة الضحايا الأكثر نشاطًا شبكة علاقات خاصة بها من دون أن تنعزل تمامًا عن الأحزاب السياسية، مبرهنة أن بوسعها أن تعمل منفردة بغضّ النظر عن أجندات الحلفاء ومقاربات منظمات حقوق الإنسان اللوجستية. وهذا ما قد يعطي الضحايا فرصة التدخل في عمل اللجنتين من دون التخلي عن تحفظاتهم حول قدرة لجنة الحقيقة والمصالحة بشكل خاص على الحدّ من الإفلات من العقاب.

6 / 6

العبر المُستخلصة

ليس على أصحاب المصالح في النيبال وحدهم أن يأخذوا العبرة من تشكيل لجان حقيقة، بل لا بدّ للمؤسسات غير النيبالية بما فيها من حكومات غربية ومانحين ومنظمات غير حكومية دولية أن تتعظ أيضًا، وبخاصة أنها ما زالت تخلط ما بين العدالة الانتقالية ومعايير لم تأخذ في عين الاعتبار الاصطفافات السياسية والوطنية وتاريخًا طويلًا من الظلم فاق النزاع المسلح الذي دام 10 سنوات. في الواقع، استخفت النخبة السياسية في النيبال بعمق مشاعر الأسى التي شعرت بها عائلات الضحايا. وقد نسف عزم مجموعات الضحايا ونشاطها مقاربة المحازبين في تشكيل لجنة حقيقة على أسس سياسية وأجبر المدافعين عن حقوق الإنسان في كاتماندو على الإقرار بأن تقصي الحقائق وجبر الضرر هما بأهمية المساءلة الجنائية الفردية.

غياب استراتيجية موحّدة عند المجتمع المدني

في الوقت الذي تتطابق فيه أجندات منظمات المجتمع المدني في كاتماندو ولا سيما المجموعات المدافعة عن حقوق الإنسان التي يترأسها محامون ومجموعات الضحايا في نواحي كثيرة، تتضارب مصالحها في نواحي أخرى كثيرة.

فعائلات المفقودين مهتمون بمعرفة مصائر أقاربهم المفقودين وهم ميالون إلى الالتزام مع لجنة التحقيق في المفقودين قسرًا، فيما بعض الضحايا، بمن فيهم الذين لا ينتمون إلى أي مجموعة ضحايا، يميلون إلى التقرّب من لجنة الحقيقة والمصالحة لافتقارهم مساحة أو فرصة ينطقون فيها بالحقيقة وإلى موارد تخولهم اللجوء إلى المحاكم للتعويض أو لأنهم مقتنعون بأنهم سيحصلون على تعويض إن هم التزموا مع هذه اللجان.

في المقابل، يركّز المدافعون عن حقوق الإنسان على عدم إفلات الأفراد على وجه الخصوص من العقاب وهم يرون في هذه اللجان وسيلة للحدّ منه. لذلك تراهم لا يركزون كثيرًا على عملية تقصي الحقائق بل يولون الاهتمام الأكبر إلى اللجوء إلى المحاكم والقضاء.

وتزيد نظرة الاحزاب السياسية غير الدقيقة الطين بلّة، إذ غالبًا ما تميل هذه الأحزاب إلى استغلال رغبة الضحايا في تحقيق العدالة وتحْسَب المجموعات المدافعة عن حقوق الإنسان مفسدة وترى في العدالة الانتقالية مصالحة أكثر من محاسبة.