1 / 6

مصيرها الفشل المُحتّم؟:

فعاليّة لجان الحقيقة

لم يتضاءل الاستحسان الذي تلقاه لجان الحقيقة، لكنّها تواجه تحدّياتٍ عصيبة لا تقتصر على ظروف ما بعد النّزاع وحسب.

مُقتطف من تقرير المقرر الخاص المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة والجبر وضمانات عدم التكرار، السيّد بابلو دي غريف.
Title: Truth Commissions Created After a Transition, Since 1983

لجان الحقيقة المُنشأة منذ العام 1983 بعدَ مراحل انتقاليّة. (اضغط على الصورة للتكبير)

أضحت لجان الحقيقة اليوم بمثابةِ أداةٍ مجدية وشعبيّة من شأنها أن تُساندَ المجتمعات في اجتيازها مرحلة الحرب أو النزاع. وقد أبصرت ثلاث وثلاثون لجنة حقيقة النور على مدى السنوات الاثنين والثلاثين المنصرمة، فأُنيطَ بها التحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المُرتكبة سابقًا في حقبات النزاع أو القمع.

وقد أُنشِئَت أولى لجان الحقيقة في المرحلة الانتقالية التي تلت الحكم الاستبداديّ، كما هو الحال في بلدان منطقة المخروط الجنوبي في أمريكا اللاتينيّة. وتجدر الإشارة إلى أنّ اللّجنتين الأولَيَيْن أبصرتا النورَ في السلفادور في عام 1992 وفي غواتيمالا في عام 1994 على التوالي، حيث أُنشئَتا في ظلّ ظروف ما بعد الحرب وقد اعتُبِرتا ثمرة محادثات السلام.

ويُعدُّ إنشاء لجان حقيقة في مرحلة ما بعد النزاع أكثر تحدّيًّا منه في مرحلة ما بعد الحكم الاستبدادي. إذ تشهدُ النزاعات أنماطًا مختلفة من الانتهاكات التي تفرضها العناصر المسلّحة العديدة، بحيث يستعصي بفعلها تمييز الضحيّة من المرتكب في ظلّ بعض الظروف.

2 / 6

تحديد الاتّجاهات المختلفة

لا تحلّ لجنة الحقيقة محلّ العمليّة القضائيّة، ولا يسعُها توضيح ما لم يُنظر في أمره في المحاكم، وهي لم تُنشأ لتدعَ المُرتكبين أحرارًا طلقاء

فرناندو ترافيسي، نائب مدير برنامج المركز الدولي للعدالة الانتقالية وفيليكس راتيغوي، مُعاون سابق للمركز الدولي للعدالة الانتقاليّة، برنامج الحقيقة والذاكرة.

من خلال النظر في المُمارسات التي أقدمت عليها لجان الحقيقة المُنشأة في أصقاع العالم أجمع، يُمكنُنا تسليط الضوء على عددٍ من الاتجاهات الرائجة حاليًّا التي تُرخي بظلالها على إمكانيّة نجاح اللجنة.

1. غلوٌّ في آمال الولايات

تُحدّدُ ولاية لجنة الحقيقة في الوثيقة التأسيسيّة القانونيّة الخاصة بها (وهي غالبًا ما تتخذ شكلَ المرسوم أو القانون) التي تلحظُ هيكليّة اللجنة وإدارتها وسلطتها.

Visualization of Argentina, South Africa and Kenya truth commissions

Visualization of Argentina, South Africa and Kenya truth commissions (Click to enlarge)

تميل لجان الحقيقة اليوم إلى أن تكونَ أكثرَ تعقيدًا، إذ إنّها:

  • تتبنّى أهدافًا طامحة
  • وتتولّى وظائفَ أكثر
  • وتوسّع نطاقات التحقيق
  • وتزيدُ من صلاحيّاتها
  • وتزدادُ حجمًا لتُمثّلَ شرائح المجتمع كافة.

 

وغالبًا ما تُبصرُ لجان الحقيقة النورَ في ظلّ ظروفٍ تتسمُ بدعمٍ سياسيّ لا يرقى إلى المُستوى الأمثل المطلوب، وبضآلة الموارد وشحّها

 

 

 

3 / 6

 

2. فيضٌ من الاستشاراتِ الاجتماعيّة

تُعدّ الاستشارات بمثابة عمليّاتٍ رسميّة يدورُ فيها حوارٌ بين المؤسسات الحكوميّة من جهة والمجتمع المدني من جهةٍ أخرى، وهي ترمي إلى تقييم الآراء المختلفة وجمع الاقتراحات وتحديد ظروف الالتزام إزاء لجنة الحقيقة في المُستقبل. وقد تتخذ الاستشارات شكل اجتماعاتٍ تُعقدُ مع ممثلين عن قيادة المجتمع المدني بالإضافة إلى استطلاعات الرأيّ العام ومجموعات تركيز ومنتدى عام.

هذا وتُعدّ المُقاربات الاستشاريّة المتعلّقة بإنشاء لجنة حقيقة وتشغيلها واحدةً من العوامل الأكثر جدوى التي تُصنّف على أنّها مُمارسة جيّدة. ومن الأهميّة بمكان أن يُنظرَ في الوسائل والأهداف والسياقات وذلك قبلَ الشروع بإجراء الاستشارات. ففي الواقع، تقدرُ الاستشارات على أن تثمرَ رؤيةً خاصة بلجنةِ حقيقة شرعيّة ومجدية.

على الرغم ممّا أنف ذكره، قد تُبطّئ الاستشارات سيرَ لجان الحقيقة إلى حدّ أنّها تُفقدُ تلك اللجان القدرةَ على إتمام ولايتها. فعلى سبيل المثال، أُجريت في ساحل العاج استشارات مستفيضة مع عامة الناس بغية تحديد محور ولاية لجنة الحقيقة. ولمّا اختُتِمَت الاستشارات، كانت قد انقضت مدّة الصلاحيّة القانونيّة الممنوحة للجنة الحقيقة.

 

 

 

4 / 6

3. إقرار الولايات إقرارًا قانونيًّا

شهدت السنوات القليلة المنصرمة ارتفاعًا في إقرار الولايات عبرَ القوانين أكثر منه عبر المراسيم.

وسائل إنشاء لجان الحقيقة. (اضغط على الصورة للتكبير)

وقد تُعزى هذه المسألة إلى تزايد تعقيد اللجان، ممّا قد يستدعي اعتماد أداةٍ أقوى وقعًا من المرسوم التنفيذي، كما وقد تُعزى إلى نظرة الكثيرين إلى الإقرار القانوني على اعتباره مصدر الشرعية الديمقراطيّة الأكثر صلابةً.

غير أنّ مُحاولة إنشاء لجنة حقيقة عن طريق القانون، تُضاعف خطر فشل هذه الأخيرة في حالتين اثنتين، ألا وهما:

  • عدم إقرار السلطة التشريعيّة ولاية اللجنة
  • المُساومة في تكامل/سلامة الولاية

 

 

 

5 / 6

4. اعتبار المُصالحة هدفًا

درجت لجان الحقيقة في الآونة الأخيرة على اعتبار المُصالحة (أو ترميم أواصر علاقة الصداقة بين الأفرقاء المُتنازعة) هدفًا أساسيًّا، وينبعُ ذلك من أملها في أنّ تقويم الماضي والاعتراف به يُساهمانِ في تكوين مجتمعٍ أكثر سلامًا.

لجان حقيقةٍ تتخذ المُصالحة هدفًا. (اضغط على الصورة للتكبير)

وغالبًا ما تُعدّ المصالحة هدفًا غامضًا قد يفضي إلى لبسٍ في ولاية لجان الحقيقة وقد يُثير أحيانًا خشيةَ العامة من الناس أو يولّد فيهم آمالًا صعبة المنال.

فقد يثير مبدأُ المُصالحة الخشية في أن يُجبرَ الضحايا على مُسامحة المُرتكبين والتخلّي عن حقوقهم في الإنصاف المُجدي. وفي هذا الصدد، حذّرَ المقرر الخاص المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة والجبر وضمانات عدم التكرار من استغلال المُصالحة لإجبار الضحايا أو إحراجهم على التنازل عن حقوقهم.

إلى ذلك، تُركّز المُصالحة على التفاهم بين الأفرقاء داخل الوطن الواحد. لكنّ الحاجة قد تقتضي توسيع نطاق المصالحة إلى خارج حدود الوطن، فإمّا أن تشملَ بلدين مختلفين أو بلدين على خلافٍ بسبب النزاع الواقع بينهما.

 

 

 

6 / 6

عوامل إضافيّة

 

التوقيت:

يُمكن لجنة التحقيق أن تنعمَ بقدرةٍ أكبر على المُساعدة في تحديد الخطاب والمواقف، في حال أُنشِئَت فورَ انتهاء النزاع، بحيث تُساهم في تشريع المزيد من التدابير الخاصة بالعدالة وجبر الضرر.

التسلسل:

يُفترضُ بآليّات عدالة ما بعدَ النزاع، من مثل لجان الحقيقة وجبر الضرر والإصلاح المؤسساتي والمُلاحقات الجنائيّة، ألّا تُطبّقَ جميعها بالتزامن. ففي الواقع، يُمكنُ تطبيق هذه الآليات على نحوٍ تسلسليّ أن يُوفّرَ الوقت والموارد على حدّ سواء. وفي حال أُدخلت السياسات كلّها حيّزَ التنفيذ دفعة واحدة، فحسبُ المعارضة السيّاسيّة لإحداها أن تُطيحَ بسائر السياسات.

إدارة التوقّعات:

من الأهمية بمكان أن تُبذلَ جهودٌ في سبيل إقامة حوارٍ يجمعُ الأطراف المعنيّة كلّها، وذلك على هامش اتفاق السلام أو ولاية اللجنة القانونيّة، بغية توضيح ما يسعُ لجان الحقيقة تحقيقه وما تقصر عنه. وإن لم تُنفّذ هذه الخطوة، قد يشيعَ جوٌّ من التفاؤل المُبالغ فيه بين أوساط العامّة من الشعب، أو قد يشعر بعض الفاعلين بخطرٍ يُداهمهم. فعلى سبيل المثال، قد يخشى الأطفال الجنود السابقون أن يُشاركوا في لجنة الحقيقة، إذ يُمكن أن تُستخدمَ مُشاركتهم هذه كدليلٍ يُدينهم في أيّ مُلاحقة جنائية بحقّهم.

التعاون في اتخاذ القرارات:

يُعدّ كلّ من التمتّع بالمرونة واللجوء إلى التجارب الدوليّة لاستخدامها في أغراضٍ توجيهيّة، أمريْن في غاية الأهميّة في عمليّة مُفاوضات السلام. هذا ولا بدّ من تحديد المعايير الدوليّة التي لا يُمكن الاستغناء عنها، إلّا أنّه يجب التنبّه إلى عددٍ من المُمارسات التي لا يُمكنها الانتقال تلقائيًّا من تجربةٍ إلى أخرى. لذا، ينبغي صبُّ التركيزَ على الهدف الأسمى، ألا وهو:

إنشاء لجنة حقيقةٍ مُستقلة عن أيّ وصايةٍ سياسيّة، ونزيهة في عملها ونتائجها، وأخيرًا، فعّالة بحيث تدفع في اتجاه إجراء التغييرات السياسيّة اللازمة.