تأثير عمليات الإخفاءعلى النساء: مقابلة مع كيلي موديل

27/08/2013

يدور نقاشنا حول الاختفاء القسري. فهو ممارسةٌ مُقلِقة أضرت بآلاف المجتمعات حول العالم وفي بلدان مختلفة مثل السلفادور ولبنان ونيبال.

ثمة أسبابٌ كثيرة وراء اختفاء الأفراد أو فقدانهم في أوقات النزاع. غير أن ممارسة الاختفاء القسري هي ممارسة تقشعر لها الأبدان بوجه خاص وهي تنطوي في العادة على الاختطاف المستهدف للمعارضين السياسيين أو المعارضين لنظام حكمٍ بعينه واختفائهم قسراً. الاختفاء القسري هو أداة للخوف والقمع والترهيب، وهو يخلق جواً من الرعب يخشى فيه الناشطون من التحدث كي لا يصبحوا هم أيضاً في عداد المختفين.

وللحديث حول بعض ديناميات النوع الاجتماعي في إطار هذه المسألة، وكيف أن هذه القضية تؤثر في النساء حول العالم، معنا كيلي موديل، مديرة برنامج العدالة الانتقالية والنوع الاجتماعي، وهي متخصصة في قضايا النساء في سياق العدالة الانتقالية.

الاختفاء القسري هو جريمة تطال آلاف النساء والرجال حول العالم. هل لكِ أن تعطينا فكرةً عن أماكن وقوع هذه الجريمة في الوقت الحاضر، وعن الظروف المحيطة بهذه الممارسة؟

أعتقد أن هذه الجريمة ترتبط في العادة بالديكتاتوريات في أمريكا اللاتينية. ولكن كما أشرت في مقدمتك، تُرتكَب هذه الجريمة في مختلف أنحاء العالم، في الكثير من السياقات التي نعمل في إطارها مثل نيبال ولبنان وجنوب أفريقيا وسري لانكا. وهذه الجريمة مستمرة إلى يومنا هذا بالتأكيد في سياقات مثل سوريا، حيث ما فتئ نظام الأسد يستخدمها منذ فترة، ولكنها أصبحت توثَّق بوجه خاص إبان الانتفاضات والثورة.

وأعتقد أيضاً، كما تفضلت أنت في المقدمة، أن الاختفاء القسري يُستخدم في معظم الأحيان لقمع الشخصيات المعارضة للدولة سياسياً. فالاختفاء القسري يجتث المعارضين البارزين للدولة من مجتمعاتهم المحلية دون أن يترك سوى شيءٍ يسير من الأدلة المادية التي تربط الجاني بجريمته.

وهذا يحول دون اكتشاف أمر الجناة، ولكني أعتقد أنه يخلق أيضاً الكثير من الارتباك والخوف داخل المجتمعات المحلية حين لا تعرف تلك المجتمعات ما حلَّ بهؤلاء الأفراد، ولا تعرف ماذا سيحدث بعدها. لذا فالاختفاء القسري لا يُسكِت المعارضين السياسيين المختفين وحسب، ولكنه يؤدي في كثير من الأحيان إلى إسكات المجتمعات المحلية التي عاش فيها زعماء المعارضة هؤلاء. لذا فإن للاختفاء القسري بلا شك أثرٌ مضاعف إذ يُستَخدم كأسلوبٍ لتخويف أفراد معينين ومجتمعات محلية بأسرها.

تقدِّر الأمم المتحدة حالياً أن الرجال يشكلون نحو 70 بالمائة من ضحايا الاختفاء القسري. وحسبما علمتُ، فإن المركز الدولي للعدالة الانتقالية يعكف في الوقت الراهن على دراسة أثر جريمة الاختفاء القسري على النساء، ولا سيما النساء والأسر والقريبات من ذوي الضحايا. ولمّا كانت الأغلبية الساحقة من الضحايا هم من الرجال، فلِمَ يعكف المركز الدولي للعدالة الانتقالية على البحث في مسألة زوجات المختفين؟

لقد أدركنا، ولا سيما أثناء عملنا في لبنان، أن الكثير قد كُتب عن حالات الاختفاء القسري التي وقعت إبان مراحل النزاع العديدة التي مرَّ بها هذا البلد، وعن مصير أولئك الذين اختفوا قسراً. ولكن رغم الجهود الكبيرة المبذولة في موضوع الاختفاء القسري ومحاولة معرفة مصير المختفين، لم يُكتب سوى القليل عن زوجات المختفين أو شركائهم أو أسرهم الذين بقوا وراءهم، وعن سُبل هؤلاء في التعامل مع هذا الانتهاك على المدى البعيد. ولم يكن هنالك إقرارٌ بأن هؤلاء هم أيضاً ضحايا مباشرون لهذه الجريمة.

ففي كثير من الأحيان يقع على عاتق هؤلاء الأقارب الذين يتركهم الضحايا وراءهم الالتزام أو العبء لمعرفة حقيقة ما جرى لأحبائهم. ومسؤولية الدولة أن توفر لهم تلك الحقيقة، وتحدد أماكن رفات أحبائهم، وتبين لهم مصير المختفين.

وهكذا فإنهم في معظم الأحيان لا يجدون سوى المحاولة لدفع السلطات للإقرار بحالات الاختفاء، والمحاولة للعثور على الرفات، وإثبات وقائع القضايا. وفي كثير من الأحيان، تكون زوجات المختفين أو أمهاتهم أو أخواتهم هنَّ مَن يكافحن من أجل العدالة على المدى البعيد. وهذا حقٌ تدين به الدولة لهن وينبغي لها أن تفي به.

ولهن أيضاً الحق في التعويض. فلذوي الضحايا احتياجات كبيرة بسبب الأثر الذي يتركه حادث الاختفاء القسري على حياتهم. وبوسعهم أن يستفيدوا من منافع محددة تستهدف تلك الاحتياجات. ومع ذلك، فإننا لا نعرف قصصهم، ولا نعرف العواقب بعيدة المدى أو حتى قصيرة المدى التي تتركها هذه الجريمة على حياتهم، ومن ثم فإن صناع القرار لا يستطيعوا أن يصمموا التعويضات التي تلبي احتياجاتهم تلك.

ونحن ندرك أن تلك القصص تغدو دون أن تُحكى في الكثير من الأحيان. وثمة حاجة ملحة لكي تدرك تدابير العدالة الانتقالية ماهية العواقب والآثار المترتبة على حياة تلك النساء، وكيف يمكن تلبية احتياجاتهن على المدى البعيد والقريب.

في سياق عملك عموماً مع المركز الدولي للعدالة الانتقالية وفي الميدان، سافرتِ إلى العديد من هذه الأماكن والمجتمعات، بما فيها لبنان وبعض المناطق الأخرى التي يعمل فيها المركز الدولي للعدالة الانتقالية. هل لكِ أن تحدثينا عن لقاءاتكِ بهؤلاء النساء، وماهية التجارب التي مررنَ بها؟

إن من أول الأمور التي أعتقد أن على المرء أن يدركها هو أن العديد من هؤلاء النساء أصبحن معيلات حصريات لأسرهن. وبالتالي فإن العبء الاقتصادي المنبثق عن إعالة الأسرة – التي يكون فيها أطفال في الغالب – يقع كلياً على عاتقهن. وبالإضافة إلى أنهن يفقدن الدخل الذي كان أزواجهن يدخلونه عليهن، فإن بعضهن ربما كان يعمل أو لا يعمل قبل اختفاء أزواجهن. وهن يفتقرن في معظم الأحيان للقدرة على الكسب التي كان يتمتع بها أزواجهن. وهكذا فإن أي نشاطٍ مدرٍ للدخل قد يكون متاحاً لهن لن يجلب بالضرورة المستوى نفسه من الدخل الذي كان يحرزه أزواجهن. ولذلك فإنهن في الغالب يقعن في الفقر أو يصبحن في حاجة إلى معونة الأقارب لإعانتهن على العيش وتربية أبنائهن. وإذن هناك تأثير اقتصادي مباشر وفوري يقع عليهن.

وتواجه هؤلاء النساء أيضاً أعباءً وعقبات إدارية كبيرة لأن أزواجهن ليسوا في عداد الأحياء ولا الأموات. وهكذا فإن أموراً مثل الحسابات المصرفية والأصول تصبح مجمدة. ولا تستطيع النساء الحصول على معاشات أزواجهن التقاعدية التي كنَّ لِيحصلن عليها لو أن أزواجهن كانوا متوفين. وهكذا لا يستطعن الحصول على الاحتياطيات الاقتصادية التي تمتلكها أسرهن. وهذا يُضعِفهن اقتصادياً بوجه خاص.

ويُلقي عليهن أيضاً عبئاً عاطفياً لا مثيل له، إذ يُضطرنَّ في كثير من الأحيان لاتخاذ القرار بشأن الإعلان عمَّا إذا كان أزواجهن موتى أم غير ذلك. ففي بعض الأحيان، ومن أجل الحصول على موارد معينة أو خدمات اجتماعية ما، تُضطَّر هؤلاء النساء إلى إعلان وفاة أزواجهن. ويترتب على ذلك آثار عاطفية هائلة، لأنهن لا يُردن الإعلان عن شيءٍ ليس صحيحاً بالضرورة. وتتحدث نساء كثيرات من هؤلاء عن تشبثهن بالأمل لعقود بأن أزواجهن لا يزالون على قيد الحياة، وتدور في خلدهن السيناريوهات عن عودة أزواجهن لديارهم ذات يوم. وهكذا فإنهن ينظرن إلى الإعلان عن وفاة أزواجهن وكأنهن فعلياً يُدرن ظهورهن لأزواجهن، وهنَّ يأملن أن يكون أزواجهن لا يزالون على قيد الحياة.

تواجه هؤلاء النساء أيضاً وصماً اجتماعياً كبيراً في الكثير من المجتمعات، وذلك لأنهن معلقات، فلا هنَّ بالأرامل ولا بالمتزوجات فعلاً. ويكون الوضع كذلك بصفة خاصة في المجتمعات التي تشهد فصلاً كبيراً في النوع الاجتماعي، حيث لا يشارك الرجال والنساء في الغالب في الأنشطة الاجتماعية وهم مختلطون، فثمة حالات لا ترتاح فيها النساء للمشاركة في المناسبات الاجتماعية، مثل حفلات أعياد الميلاد أو احتفالات الزفاف أو الاحتفالات بالذكرى السنوية. وهكذا فإنهن يواجهن نوعاً من العزلة الاجتماعية التي يفرضنها على أنفسهن ويفرضها الآخرون عليهن.

وفي نيبال بالذات، تواجه النساء هذه المعضلة المتمثلة في قبول الوصم الاجتماعي المرتبط بالترمل، والذي يحمل معنى خاصاً في نيبال، أو البقاء معلَّقات بين كونهن متزوجات لأزواج مختفين والنظرة إليهن بعين مجتمعاتهن المحلية، وربما أسرهن أيضاً، كنساءٍ عازبات لربما ينبغي للمجتمع أن يخشاهن لأنهن قد يلاحقن أزواج نساء أخريات سعياً للحصول على الأمن الاقتصادي.

وهكذا فإن هؤلاء النساء، وبينما يكون أزواجهن في مكان غير معروف، يجدن أنفسهن في كثير من الأحيان في موقفٍ يمكن أن يؤدي إلى عزلتهن ووصمهن اجتماعياً وإلى الخوف منهن.

وفي سياقٍ مثل لبنان، يمتلك الرجال القولَ الفصل في معظم الأحيان في العديد من الهياكل والمسائل الأسرية من قبيل استصدار جوازات سفر لأبنائهم. وفي بعض الأماكن في لبنان، لا يمكن للمرأة استصدار تلك الجوازات دون موافقة حماها، حيث يُنظَر إليها بأنها قد تحاول اغتنام الفرصة للحصول على جوازات سفر لنقل أطفالها وتأسيس أسرة في مكان آخر، وهو شيءٌ لا يُعتبر حقاً للزوجة، حيث ينبغي أن تظل وفيةً لزوجها المختفي. ولذلك توضَع الحواجز المختلفة التي تُضطر النساء لتفاديها في مجتمعٍ يتسم بالأبوية الشديدة من أجل ممارسة حقوق معينة ينبغي أن تكون أصلاً لهن.

استناداً إلى تجربتك، ما هو نوع العدالة التي تريدها تلك النساء؟ هل لك أن تتحدثي عن ديناميات النوع الاجتماعي للمساءلة الجنائية في هذه القضايا؟

في ما قمنا به من عمل، يكاد يُجمِع الضحايا بأنهم يريدون معرفة الحقيقة بشأن مصير أحبائهم. أي أنهن يريدن أن يعرفن ما إذا كان أحباؤهن أحياءً أم أمواتا أم سجناء في مكان ما، وأن يتيقنَّ من مكان وجودهم، ليس فقط لاستبيان أحوالهم لأسباب إدارية أو اقتصادية، ولكن أيضاً من أجل العبء العاطفي الملقى عليهن جراء عدم معرفة مصائر أزواجهن.

ولكني أعتقد أن البحث عن الحقيقة وملاحقة الدولة لكي تقول الحقيقة بشأن هؤلاء الضحايا، وتُجري تحقيقات، وتحاول العثور على رفاتهم، هو من الأمور التي تستحوذ في الغالب على أفكار هؤلاء النساء.

وأعتقد أن من أبرز أشكال التنظيم في هذا الشأن شكلٌ يعرفه الناس جيداً حيث غدا مثالاً يُستَخدم في كثير من الأحيان وهو ما قامت به أمهات بلازا دي مايو في الأرجنتين، حيث أخذت مجموعةٌ من ربات البيوت إبان الحرب القذرة في الأرجنتين في الذهاب إلى مراكز الشرطة أسبوعياً للسؤال عن أماكن أزواجهن. وقد تطور هذا الأسلوب ليصبح حركةً كبيرة تعقد احتجاجات أسبوعية أمام بلازا دي مايو، ممّا رفع المكانة الدولية للأرجنتين من حيث تسليط الضوء على الجرائم التي وقعت إبان الحرب القذرة.

وبفضل تنظيمهن بهذه الطريقة، حسب اعتقادي، أصبحت العديد منهن ناشطات دون قصدٍ منهن. وتلك لم تكن طريقتهن المعتادة في التعاطي مع الدولة. بل إن هذ الجريمة، في الكثير من السياقات التي نعمل فيها، قد أجبرت النساء على التعاطي مع الدولة لأول مرةٍ في حياتهن.

ففي نيبال، هناك نساءٌ في الغالب لم يُضطرنَّ إلى التعاطي مع سلطات الدولة من قبل. ولم يُضطرنَّ إلى التفاوض معها من قبل. فقد كان ذلك على الدوام شيئاً يفعله الرجال من أزواجٍ وآباءٍ في مجتمعاتهم المحلية. أما الآن فليس عندهن رجلٌ يمثلهن في هذا السياق، ويقع على كاهلهن عبءُ الذهاب إلى السلطات والمطالبة بإحقاق العدالة.

وهكذا فإنهن يُدفَعن للقيام بهذه الأدوار التي لم يتصورن القيام بها، ويمكن لهذا باعتقادي أن يترك أثراً تمكينياً كبيراً عليهن، لأنهن يضطلعن بدور الناشط وهو ما يضعهن كما أعتقد في مواجهةٍ ممكنة مع انتقام السلطات التي تُحجم عن إعطائهن المعلومات التي يُرِدنها، ويمكن لهذا في كثير من الأحيان أن يؤدي إلى تعريضهن لأنواع أخرى من الإساءة على يد السلطات. وهذا باعتقادي معضلة حقيقية.

أعتقد أنه ينبغي أن نلاحظ أن النساء لا يردن جميعهن الشيء نفسه، أو السعي للشيء نفسه بالطريقة ذاتها. وبفضل بلازا دي مايو وبفضل المنظمات العاملة على حالات الاختفاء القسري حول العالم والتي تقودها النساء المتضررات، هناك شعورٌ بأن المرأة مقاتلةٌ شجاعة على الدوام في محاربة الإفلات من العقاب على هذه الجريمة.

ولكني أتذكر أني تعجبت في اجتماعٍ للخبراء عُقد قبل عام حين قالت ناشطة من لبنان: لقد التقيت بنساءٍ اضطررن لأخذ استراحة من محاولات البحث عن حقيقة اختفاء أزواجهن بسبب الضرر العاطفي الذي لحق بهن. ويطالهن حرجٌ شديد في مجتمعاتهن المحلية لحاجتهن إلى تلك الاستراحة. ولكنهن في بعض الأحيان يحتجن إلى الاستراحة والاعتناء بأنفسهن لفترة من الزمن لأن وضعهن العاطفي كارثي وهناك ضرر كبير على حياتهن بينما يعتنين بأسرهن وأطفالهم.

لذا أعتقد أنه يمكن أن نقول إن النساء يُردن أن يعرفن حقيقة ما جرى لأزواجهن، ولكني أعتقد أنه ينبغي أن نكون حذرين إزاء طريقة تصورنا لردود أفعالهن أو قدرتهن على التأقلم مع الظلم الواقع.

الآن، وفي حين أن الغالبية العظمى من ضحايا الاختفاء القسري هم من الرجال، فإن النساء يُختطَفن ويُفقَدن أيضاً بأعداد كبيرة. ففي المكسيك على سبيل المثال، تم استهداف النساء في بلدة سيوداد خواريز الحدودية لسنوات عديدة. وفي كثير من الأحيان، هناك نقص في الإبلاغ عن جريمة اختطاف النساء. هل لكِ أن تشرحي لِمَ ذلك، وكيف ينظر المركز الدولي للعدالة الانتقالية إلى هذه المشكلة؟

أعتقد أن ثمة سببين مختلفين يمكن أن تُعزى لهما هذه المشكلة. وقد تطرقنا لأحدهما، وهو أن هذه الجريمة ترتبط في الغالب بالمعارضين السياسيين والفاعلين السياسيين، وأول ما يخطر على بال المرء هو أن هؤلاء من الرجال. وفي سياقات كثيرة، لا يُنظر إلى المرأة بأنها تشغل هذا الدور وبأنها نشطة ومؤثرة كمعارِضة.

لذا فإني أعتقد أن هذه الجريمة تصبح بشكل طبيعي مرتبطة بالرجال الذين يُستَهدَفون بسبب نشاطهم السياسي. وإذا ما اختفت النساء، فإنه يُنظر إلى اختفائهن في بادئ الأمر في معظم الأحيان كأنه ربما مسألة خاصة، كشيء حصلَ داخل المنزل أو داخل المجتمع المحلي، ولعل هذا هو أول افتراض يتبادر إلى الذهن.

وفي حالات أخرى، باعتقادي، هناك أنظمة كارهة للنساء لا تضع قيمةً لحياة المرأة بدرجة مساويةٍ لحياة الرجل. وكان هذا أحد الاستنتاجات في قضية حقل القطن المنظورة أمام محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان، والتي نظرت في مسؤولية بلدة سيوداد خواريز والمكسيك عن التحقيق في حالات اختفاء ذاك العدد الكبير من النساء. وقد وجدت المحكمة أن الشرطة والسلطة القضائية كانتا متحيزتين تحيزاً فطرياً ضد النساء والضحايا من النساء، حيث لم تعتبرا تلك الجرائم مهمةً كأهمية الجرائم المرتكبة ضد الرجال. وهكذا فإن الحكم الصادر في القضية دعا المكسيك لمعالجة هذه التحيزات ضد النوع الاجتماعي داخل نُظمها، وبيَّن أن تلك النُظم ملزمة بضمان معاملة الرجال والنساء على قدم المساواة بموجب القانون، وأن عليها تحويل المؤسسات بحيث تتعامل مع النساء و الرجل على قدم المساواة وتنظر إليهم كمواطنين متساوين.

أعتقد أن المشكلة لا تنحصر في تعامل السلطات مع هذه الجرائم وإنما تشمل أيضاً وفي الغالب الأسر التي تُبلِغ عنها. وقد دُهِشت حقاً في حلقة العمل المنعقدة بمشاركة ناشطين وخبراء يعملون على قضية الاختفاء القسري، حيث قال أحد الناشطين من آسيا إنه لاحظ أن الكثير من الأسر التي التقى بها لم تُبلِغ في بادئ الأمر عن نسائها المفقودات، وحين سأل عن سبب الامتناع عن الإبلاغ، قال الرجال في تلك الأسر إنهم أحسوا بالعار لأنهم لم يستطيعوا حماية زوجاتهم أو بناتهم. حيث إن دورهم كرجال في أسرهم يقتضي أن يحموهن، ولكنهم أخفقوا. وهكذا لم يريدوا الاعتراف للسلطات بأنهم أخفقوا في الاضطلاع بهذا الدور.

إذن، فأنا أعتقد أن هذه الجريمة تُرتَكب بوتيرةٍ أقل ضد النساء، ولكني أعتقد أنه لا يتم الإبلاغ عنها في كثير من الأحيان أو لا يتم التعامل معها على محمل الجد كما لو كانت مرتكبةً ضد الرجال وذلك بسبب أوجه اللامساواة الهيكلية أو الثقافية الموجودة في العديد من السياقات.

يعكف المركز الدولي للعدالة الانتقالية، من خلال برنامجنا للعدالة الانتقالية والنوع الاجتماعي الذي تديرينه ومن خلال فريقنا في المركز الدولي، على دراسة مجموعةٍ متنوعة من السُبل التي يتسنى للعدالة الانتقالية من خلالها أن تدعم مشاركة المرأة، والانتباه إلى قضايا النوع الاجتماعي في مجال العدالة الانتقالية. فما هو العامل المشترك بين جريمة الاختفاء القسري والاهتمام بقضايا النوع الاجتماعي في إطار آليات العدالة الانتقالية الأشمل، وكيف يضع المركز الدولي للعدالة الانتقالية هذه الآليات لتكون أكثر مراعاةً لجوانب النوع الاجتماعي في حالات الاختفاء القسري؟

أعتقد أن العامل المشترك يتجلى عند الحديث عن مستوى الأضرار التي تلحق بالنساء بسبب هذه الجرائم وعن معاملتهن فعلاً كضحايا مباشرات هن أنفسهن. ففي كثير من الأحيان في الماضي، حسبما أعتقد، تمثلت وسيلة العدالة الانتقالية في التعامل مع جريمة الاختفاء القسري في قياس مقدار الخسارة المترتبة على الاختفاء. وهذا ما يجري حسابه في برامج التعويضات، وهذا ما تتناوله تدابير تقصي الحقائق من حيث التوصل إلى الحقيقة.

وأعتقد أن ما نود أن نراه هو تدابير انتقالية عادلة تبدأ فعلاً بتفحص مدى الأضرار التي تعاني منها المرأة، الأضرار الاقتصادية والأضرار العاطفية، وأيضاً مقدار تعرضهن للخطر بسبب نشاطهن، وربما الانتهاكات المستمرة اللاتي قد يتعرضن لها بسبب نضالهن المتواصل من أجل العدالة.

وأعتقد أن ما نود أن نراه هو أن تتناول العدالة الانتقالية هذه الأمور على نحو أوفى من خلال الاعتراف بالحقيقة وبتجارب هؤلاء النساء مع تلك الانتهاكات، وكذلك من خلال برامج التعويضات، والبدء بجبر تلك الأضرار من خلال مختلف التدابير المصممة خصيصاً بطريقة تلبي الاحتياجات المحددة للمرأة.

وكبرنامج، تمثلت خطوتنا الأولى لهذا العام في معرفة المزيد عن حياة هؤلاء النساء وعن الآثار المترتبة على حالات الاختفاء في سياقات مثل لبنان، وحيثما غدت تلك القصص دون أن تُحكى، وفي سياقات مثل نيبال، حيث يوجد برنامجٌ مؤقت للإغاثة يمكن لزوجات المختفين الاستفادة منه، وذلك من أجل التمعن فيما حققه البرنامج المؤقت من حيث تلبية احتياجات هؤلاء الزوجات المنبثقة عن هذا الانتهاك، وفيما لا يزال ينبغي فعله في برنامج التعويضات في نيبال عندما يجري تصميمه.

وهكذا بحثنا في قضايا في نيبال من قبيل ملكية الأراضي، إذ تضطلع النساء في الغالب بإعالة أنفسهن بعد اختفاء أزواجهن من خلال زراعة الأراضي التي كان يزرعها أزواجهن. وفي معظم الأحيان لا تكون أسماؤهن على سندات ملكية تلك الأراضي. فإذا لم تكن أسماؤهن على سندات الملكية، ما هي العقبات التي تحول دون تسجيل أسمائهن على سندات ملكية الأراضي. ومن الأمور الواقعية التي ناقشناها واكتشفناها في نيبال هو أن الأراضي لا تُنقَل بشكل قانوني من حما الزوجة إلى الزوج قبل أن يختفي الزوج، حتى وإن كان الأزواج قد زرعوا تلك الأراضي وأعالوا أسرهم من فلاحتها، وهكذا يصير من الصعب على الزوجة في معظم الأحيان أن تذهب إلى حماها وتطالب بالأرض.

وهذه من التأثيرات الملموسة التي تخلفها هذه الجريمة على النساء والتي نعكف على دراستها من أجل وضع تدابير مستقبلية في هذه البلدان أو في السياقات المستقبلية التي نعمل فيها.

ونحن نعكف أيضاً، على ما أعتقد، على إجراء تحليلات كثيرة بشأن تدابير العدالة الانتقالية السابقة التي تعاملت مع هذه الجرائم. وهكذا نحن نبحث في سياقات مثل شيلي والأرجنتين والمغرب، حيث كانت هناك لجان لتقصي الحقائق وبرامج تعويضات تعاملت مع حالات الاختفاء القسري. ونحن نتقصى الطرق التي اتبعتها تلك البرامج لتحديد المنافع التي تلقتها النساء.

يتمثل أكثر التدابير ابتكاراً في المغرب، على سبيل المثال، وبحسب اعتقادي، في عدم احتساب مبلغ التعويض الذي تتلقاه النساء عن اختفاء أزواجهن على أساس قوانين الميراث التقليدية، كما فعلت البرامج السابقة في المغرب، وإنما تحدى قوانين الشريعة واحتسبه على أساس مبدأ حقوق الإنسان وعلى أساس أن المرأة تستحق أن تعامَل على قدم المساواة. وهكذا وبدلاً من إعطاء المبلغ الأكبر لأقرب الأقارب الذكور، كما كانت تفعل البرامج السابقة للتعويض عن الاختفاء القسري، فإنه أعطى المبلغ الأكبر لزوجة الزوج مدركاً بأنها سوف ترعى عائلتها وستحتاج إلى تلك الأموال. ولم تميز هذه التدابير المغربية بين الأبناء على أساس الجنس، بل أعطت الأبناء الذكور والإناث مبلغ التعويض نفسه عن فقدان والدهم.

لذلك أعتقد أن هناك ممارسات مبتكرة استُخدمت من قبل، ولكني أعتقد أن تلك البرامج، ربما، لم تحقق ما يكفي لتلبية احتياجات المرأة، ويمكننا لذلك أن نتعلم من بعض نقاط الضعف فيها على أمل توفير مشورة وثيقة وتقنية في هذا الصدد في المستقبل، وأن تحظى الزوجات والنساء في أسر المختفين باعتراف أكبر باعتبارهن ضحايا مباشرات، وأن يتم الإقرار بالتأثير الحقيقي لهذه الانتهاكات، وأن يتم البدء في جبر الضرر.