المركز الدولي للعدالة الانتقالية يستعرض عقود العنف في لبنان

11/09/2013

”أنا واثق بأنّ اللبّنانيينّ يستحقونّ مستقبلا أًفضل، يستحقون على الأقل أن يتلمسوا طريقهم بما ينسجم وتاريخ غني لا يمكن اختزاله بالعنف فحسب. أجل، كنّا مختبراً للعنف، لكنناّ قبل هذا كنا مختبراً للحداثة أيضا، ولا نزال كذلك بشكل من الأشكال“. سمير قصير مقتبس من كتاب "أشباح ساحة الشهداء" لمؤلفه مايكل يونغ


يزخر تاريخ لبنان الحديث بالنزاعات. فقبل نيله الاستقلال عام 1943، خاض شعبه ثورات بين الطبقات الاجتماعية واقتتالاً طائفياً أدى في بعض الأحيان إلى القتل الجماعي والتهجير القسري لمجتمعات بأكملها. ورغم أن الحرب التي دامت 15 سنة انتهت رسمياً في عام 1990، ظل الشعب اللبناني يعاني من تجدد العنف السياسي، والنزاعات المسلحة المتفرقة، وخضع لاحتلالين أجنبيين. وبالرغم من العدد الهائل من المدنيين الذين قتلوا وأصيبوا وتشردوا وتضرروا إبان عقود العنف، يكاد لا يكون هناك اعترافٌ رسمي أو تعويضات أو جهود لتقصي حقيقة الجرائم الجسيمة المرتكبة أو محاسبة الجناة.

وبالنسبة لآلاف الضحايا وعائلاتهم، فإن هذا الصمت الصارخ يزيد من معاناتهم.

واليوم، يسرُّ المركز الدولي للعدالة الانتقالية أن يُصدَر أول منشور من سلسلة منشورات تهدف إلى تسليط الضوء على جرائم الماضي في لبنان.

يجمع التقرير الجديد الذي هو تحت عنوان " إرث لبنان من العنف السياسي" معلومات عن مئات الحوادث، ويسلط الضوء على طبيعة أعمال العنف وأنماطها التي وقعت في الفترة 1975-2008 في جميع أنحاء لبنان.

واستناداً إلى معلومات تم جمعها من مصادر قائمة، يورد التقرير وقائع العنف بطريقة قد تساهم في وضع عملية أشمل على المدى البعيد للاعتراف بما جرى للبنانيين في جميع أنحاء البلاد وكافة الفصائل الاجتماعية.

ويهدف التقرير الى المساهمة في النقاش الدائر في لبنان حول كيفية كسر دائرة العنف السياسي، ووقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتحقيق المحاسبة وسيادة القانون والسلام الدائم في البلاد.

تقول كارمن أبو جودة، رئيسة مكتب المركز الدولي للعدالة الانتقالية في لبنان، "لا يستطيع هذا التقرير بكل ما وثَّقه من جرائم أن يُعبِّر عن مدى معاناة الضحايا".

"ومع ذلك، فإننا نعتقد أن تجميع ما هو متوفر هو خطوةٌ أولية ولكن ضرورية نحو إرساء عمليةٍ مستقبلية أكثر اكتمالاً للبحث عن الحقيقة وجبر الضرر الذي لحق بأولئك الذين ما انفكوا يعانون أذى لا يوصف بسبب هذا العنف."

لقد خلَّف إنكار ماضي لبنان فجوةً في الرواية التاريخية المنقولة للأطفال والشباب. وكما يوضح التقرير،

"آن الأوان للبدء بالتّشكيك في منطق النسيان والمسامحة. (…) وها إن المراهقين والشباب يطرحون أسئلة حول ماضي وطنهم ومعاناة ذويهم، بيد أنّهم لا يملكون، لا في المدرسة ولا في المنزل، مرجعيّة من شأنها أن تؤهلّهم للبدء في فهم الإرث الذي يحملون، وغالبا ما يشكلّ جزءاً من هويتهمّ وتاريخهم الخاصّ."

يقدم التقرير أيضاً تحليلاً قانونياً يتيح للقراء رؤية أحداث العنف في سياق القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.

ويختتم التقرير بعدة توصيات بشأن السُبل المتاحة للبنان لكي يبدأ في معالجة ماضيه:

"آن الأوان للبدء بالتفكير في عملية الاعتراف، وسنرى لاحقًا إن كانت ستفضي إلى مسامحة أو مصالحة أو استقرار سياسي. ولكن الناس في لبنان، كلّ الذين عانوا تبعات العنف مباشرة أو غير مباشرة، يستحقوّن أن يعُترفَ بمعاناتهم، مثلما يتعيّن عليهم الاعتراف بمعاناة أفراد أو جماعات أخرى مختلفة جغرافياً أو طائفياً."


في محاولة لتنشيط الحوار بشأن الماضي في لبنان، يعكف المركز الدولي للعدالة الانتقالية على إصدار مجموعة من المنشورات المتكاملة ضمن مشروع "معالجة إرث النزاعات في مجتمع منقسم." وبالإضافة إلى تقرير "إرث لبنان من العنف السياسي،" يتضمن المشروع الذي يستمر عامين دراسةً مقبلة حول احتياجات اللبنانيين وتوقعاتهم حيال التعامل مع الماضي، وتقريراً يسلط الضوء على آثار الإفلات المستمر من العقاب في لبنان والهدف من هذه المنشورات مجتمعةً هو تقديم موردٍ يدعم النقاشات حول ماضي لبنان ويرفدها بالمعلومات اللازمة.