شباب ساحل العاج يجد صوتا في الحكاية

13/11/2016

كتب فيرجيني لاديتش وجوانا رايس

في البلدان الخارجة من الصراع مثل ساحل العاج، حيثما يُفتقد تحول حقيقي ولا تزال سرديات الماضي تتنافس سياسيا، فإنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، دمج قضايا المساءلة والديمقراطية مباشرة في نظام التعليم على المستوى الرسمي.

في عام 2013، بدأ المركز الدولي للعدالة الانتقالية واليونيسف مشروعا لمدة عامين بهدف خلق فرص للشباب للعثور على صوتهم في عملية البحث عن الحقيقة في البلد.

وكان الهدف الأصلي للمشروع دعم جهود هيئة الحوار والحقيقة والمصالحة (CDVR)، وهي لجنة تقصي الحقائق الوطنية التي أُنشئت في عام 2011 للتحقيق في الانتهاكات وإشراك الأطفال والشباب وإلى جعل المنتجات المفوضية في متناول الشباب في جميع أنحاء البلد عن طريق إدماجها في المناهج الدراسية.

وكانت الخطة ترنو إلى معاونة الهيئة في أخذ إفادات من الأطفال والشباب وإدراج وجهات نظرهم في التقرير النهائي. كان من المفترض أن يساعد المركز الدولي للعدالة الانتقالية واليونيسف الهيئة في دمج النتائج في المدارس وقطاع التعليم على نطاق أوسع من خلال إنشاء مواد تعليمية.

بيد أنه في ضوء واقع الوضع السياسي في ساحل العاج، والطبيعة الطويلة الأجل لإصلاح المناهج الدراسية، سرعان ما أصبح واضحا أن أهداف المشروع لم تكن مجدية على الفور.

واجهت الهيئة- والتي وُلدت في غياب انتقال حقيقي في هياكل السلطة واستُحدثت في بيئة سياسية حافظ فيها رئيس ساحل العاج الحسن واتارا على قبضته الضعيفة على السلطة - ظروفا ليست مثالية لفحص عادل وشامل للماضي وللسعي لتحقيق المساءلة . واجهت الهيئة العديد من التحديات في تنفيذ مهمتها، وفي خريف عام 2013 جمدت عملياتها لمدة عدة أشهر.

واستجابة لذلك الوضع، حول المركز الدولي للعدالة الانتقالية واليونيسف تركيز المشروع نحو ثلاثة أهداف. أولاً، رغب المشروع في تسهيل فرص مبتكرة لتقصي الحقائق للشباب، والذين كانوا ضالعين بشكل كبير في الحرب كمرتكبي عنف، كما يقع بينهم عدد كبير من الضحايا. ثانياً، محاولة فتح قنوات اتصال جديدة بين الشباب والسلطات، حيثما يسمح النظام السياسي الهرمي في ساحل العاج بصوت محدود جدا للشباب. وأخيراً، فقد باشر المشروع في البحث عن فرص جديدة لإشراك الشباب في التفكير في مستقبلهم في ضوء الماضي.

في إطار جديد، تَعقِد الآن مجموعة من القادة الشباب، والتي تشكلت في بادئ الأمر للتعامل مع عملية تقصي الحقائق الرسمية بقيادة الهيئة، حواراتها الخاصة في دوائر يختارونها ويجمعون وجهات نظر أقرانهم عن الماضي العنيف للبلد من خلال وسائل لقيت صدى لدى الشباب أنفسهم: الهيب هوب والموسيقى التقليدية، والشعر، والتحاور الجماعي.

تم اختيار المشاركين من 15 منظمة غير حكومية محلية شبابية وطلابية نسقت مع بعضها البعض في تحالف فضفاض من النشطاء الشباب الذين يعملون على تعزيز حقوق الإنسان وبناء السلام في ساحل العاج. وتمثل المنظمات الطيف الكامل للمجتمع الساحل العاجي، بما في ذلك المدارس الثانوية والجماعات الطلابية الجامعية، والجماعات الطلابية الإسلامية والكاثوليكية، وجمعية تعمل مع الأطفال والعمال الشباب، ومنظمتين نسويتين بقيادة شابات، وجمعية لضحايا النزاع الشباب والحقوقيين.

بدأ قادة الشباب جمع خبرات أقرانهم عن الصراع والفترة التي تلت ذلك. ولمساعدتهم قدم مشروع المركز الدولي للعدالة الانتقالية واليونيسف النواة المالية لكل فريق لأجل تنظيم أقرانهم ضمن شبكاتهم في فعاليات عن سرد الحقيقة.

وبشكل سريع قرر قادة المنظمات ربط هذه الجلسات. بدأت المنظمات الطلابية الإسلامية والمسيحية مشاركة بعضها البعض تجاربهم عن الحرب، وقت كانت هذه المجتمعات تحارب بعضها.

نظم المركز الدولي للعدالة الانتقالية واليونيسف معتكفا آخر أكبر لتوفير منبراً للشباب لتقديم نتائجهم ولاتخاذ قرار جماعي بما يجب القيام به بخصوص القصص ووجهات النظر التي قد جُمعت بالفعل.

في جلسات العصف الذهني أتى الشباب بفكرة إنشاء إذاعة إخبارية تضم القصص والشهادات والموسيقى والنقاش حول الصراع وتداعياته من وجهة نظر الأطفال والشباب في ساحل العاج.

جاذبية فكرة الإذاعة نبتت من قدرتها على أن تكون أداة تعليمية تفاعلية لحكي التاريخ الحي، والتكيف مع مرور الوقت لتتضمن قصص أو وجهات نظر جديدة. كما سمحت أيضا للشباب استخدام خلاق لأشكال مختلفة من وسائل الإعلام لنشر هذه القصص بشكل يشعرهم بالتلقائية.

وبعد مرور عام، أكمل القادة الشباب برنامجا إذاعياً من أربعة أجزاء يستند على الشهادات والحوارات التي وُثقّت في جميع أنحاء البلد.

أرّخ البرنامج تاريخا مختلفا جدا من ذلك المَحكِيّ في الدوائر الرسمية، واضعا جانبا فكرة أن العنف بين الشباب كان شكلا من أشكال الهستيريا الجماعية، بدلا من الإشارة إلى أن الصراع في ساحل العاج كان نقطة الغليان في صراع طويل بين الأجيال.

حولت الشهادات التركيز على أعمال العنف في حد ذاتها إلى الأجهزة الاجتماعية والسياسية وراء انخراط الأطفال والشباب في الميليشيات. تناول التقرير الأسباب الجذرية لتعبئة الشباب خلال الأزمات الأخيرة، وتضمن مناقشة التسييس في المدارس وعبر وسائل الإعلام والموسيقى.

كما تناول الشباب الخيارات الصعبة التي كان عليهم اتخاذها، مع الاعتراف بأن الشباب كان ضحايا لنظام أكبر، مع أنهم كانوا الجناة في كثير من الحالات.

خلال هذا التقرير الإذاعي بدأ الشباب في طرح أفكارهم حول ما يمكن عمله لمعالجة الانتهاكات الماضية ونتائجها ومنع تكرارها.

وفقا للمنتجين لم يتناول التقرير الإذاعي الماضي كنظرة عما حدث، بل كماض يتعلق بشباب اليوم وآمالهم في تحسين مستقبلهم:

كنا دوما جهات فاعلة. جناة، أيضا، في التاريخ الحديث لساحل العاج . ولكن أي نوع من الفاعلين سنكون؟ ما هو الدور الذي نريد أن نلعبه في مستقبل أمتنا الجميلة، وبلادنا الجميلة؟ ماذا علينا أن نفعل لتجنب عودة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومعاناة لا داعي لها للسكان؟

كانت هذه الأسئلة التي أخذها الشباب للمجتمعات المتضررة خارج أبيدجان، العاصمة الاقتصادية، في مناقشات على المستوى المحلي. بحثت مناقشاتهم بدائل للعنف تحض على "سياسية إيجابية"، وهو مصطلح صاغه القادة الشباب لتشجيع أقرانهم لأن يكونوا مواطنين فاعلين ومشاركين عبر وسائل غير عنيفة ورفض الدعوة إلى التعبئة العنيفة. كما اقترحوا استراتيجيات أو إصلاحات يمكن أن تساعد في منع عودة العنف.

في الواقع كانت أداة تعليمية قوية واسعة المدى أضافت أصواتهم إلى نقاش وطني حول دور الشباب في النزاع الأخير وأثره المتمد لليوم.

رغبة في الحفاظ على هذا الزخم قرر الشباب تشكيل جمعية خاصة رسمية مستقلة تحت اسم: شبكة العمل من أجل العدالة والسلام.

في يناير من عام 2016، قام فريق من شبكة العمل من أجل العدالة والسلام والمركز الدولي للعدالة الانتقالية بمشاورات مع الأطفال والضحايا من الشباب في عدة مدن سان بيدرو، كورهوغو، دوكو، بواكيه، أبنغورو، مع التركيز على تجاربهم أثناء النزاع وتوصياتهم بالحصول على جبر ضرر وضمانات عدم تكرار.

بشكل مجمل، جرى التشاور مع 125 طفلا وشاباً، 50٪ منهم على الأقل كانوا ضحايا مباشرين، بينما كان البقية قادة لجمعيات الأطفال والشباب المحلية.

تم دمج العديد من توصياتهم في النسخة النهائية لسياسة التعويضات التي أُعدت من قبل اللجنة الوطنية لمصالحة الضحايا والتعويض، بما في ذلك الحاجة إلى الرعاية الطبية والنفسية للشباب، واتخاذ تدابير لتسهيل الحصول على التعليم، والدعوة إلى التعويض المالي.

قدمت شبكة الشباب تقريرها أيضاً إلى وزارتي التربية والتعليم والتضامن، وتستمر في العمل مع هذه المؤسسات على تنفيذ التعويضات للشباب المتضرر من النزاع.

وقد دفع العمل الأولي بناء قنوات الاتصال مكنت الشباب من صوت في العدالة الانتقالية بشكل مثمر: الشباب الآن عناصر فاعلة مستقلة ، ويلعبون دورا هاما في تعليم العدالة الانتقالية والعمل الدعوي مع الدولة.

لأولئك الشباب الذين شاركوا بدت هذه التجارب تحويلية: لم يكونوا مجرد جزء من عملية قول الحقيقة، بل كانوا القادة لهذه العملية، والتي كانت وسيلة لتمكينهم.

بأشكال عدة، الحصيلة التحفيزية لهذا المشروع أهم بكثير من أي منتج نهائي: أسفرت عملية الحوار في خلق أداة قوية، منتجة بواسطة الشباب للشباب. كما أنشأت زخماً لما سيكون عملية طويلة الأجل لزيادة الوعي، والتعبئة، والإصلاح في نهاية المطاف.

بدلا من محاولة التأثير على قطاع التعليم من أعلى إلى أسفل، ثبت في ساحل العاج أن الزخم الذي يُبنى من أسفل لأعلى أكثر فعالية على أمل أن تجد بعض المناقشات طريقها إلى المدارس في نهاية المطاف كتعليم تكميلي ومواد تعليمية - أو كمواد لأنشطة لا مدرسية.

أحد أهم الدروس من هذا العمل هو أهمية التقييم المستمر لجوانب الفرص في سياق متغير، والاستجابة بإبداع ومرونة لمواجهة التحديات والتطورات الجديدة. أبرزت الأحداث الأخيرة التأثير الواقعي والمخاطر التي تهدد بناء السلام بعد انتهاء الصراع عندما يتم عدم إشراك الشباب، وغالبا ما يكون الشباب الساخط المفسدين الأول. غير أن ما يلقى اهتماما أقل هو العائد المحتمل الكبير للغاية إن تم إشراك الشباب بشكل فاعل. كان لعمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية واليونيسف في ساحل العاج مع الشباب تأثير محفز، موجها ناشطين شباب متباينين لمنظمة تعمل من أجل السلام والعدالة في ساحل العاج. هذا الزخم والمشاركة المدنية هو ما تحتاجه البلد بينما تخرج من الصراع أو فترة من القمع، لتكون بمثابة رقابة على السلطة وعملية دفع مستمرة لبلادهم إلى مكان أفضل يحترم حقوق الإنسان الأساسية، ويمكن لمواطنيه العيش في الكرامة.


*الصورة: أعضاء من شبكة العمل من أجل العدالة والسلام. (ICTJ)*