المحكمة الجنائية الدولية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا: تحقيق المحاسبة وتعزيز سيادة القانون

سلطت الجلسة قبل الختامية للمؤتمر الضوء على مسألة التكاملية وتعزيز سيادة القانون في الدول التي تمر بمرحلة انتقالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وكذلك تأثير المحكمة الجنائية الدولية. رئيس الجلسة صلاح نصراوي، كاتب وناشط سياسي عراقي، افتتح حلقة النقاش باستعراض التجربة العراقية مع العدالة الانتقالية – خصوصاً التجارب الفاشلة – وكيفية تطبيق الدروس المستفادة من هذه التجارب على الدول الأخرى في المنطقة.

مجدي نعيم، باحث وناشط حقوقي سوداني، شارك بالتجارب التي مرت بها السودان إبان تدخل المحكمة الجنائية الدولية في الوضع في دارفور.

في العام 2009، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية إدانات بحق مسؤولين سودانيين، منهم الرئيس عمر البشير. وأوضح نعيم أن الحكومة السودانية ما زالت رافضة حتى يومنا هذا التعاون مع المحكمة الدولية، مدعية أن المحكمة تفتقد صلاحياتها في السودان وأن هذا التدخل يعد سياسيا وغير شرعي، وليس قرارا يتعلق بحقوق الإنسان يصدر من المجتمع الدولي.

وناقش نعيم كيف كان لقرارات المجتمع الدولي نتائج سلبية خطيرة في السودان. فقد أدت قرارات المحكمة الجنائية الدولية لإعتقال العديد من نشطاء حقوق الإنسان في السودان، وكذلك تصعيد عمليات القمع لأعضاء المجتمع المدني من جانب الدولة. وأضاف أن ذلك يمثل واحدا من الاخفاقات الكبرى الناتجة عن تدخل المحكمة الدولية.

لكنه شدد في الوقت ذاته على أنه كانت هناك بعض الانجازات الايجابية، خصوصاً فيما يتعلق بجنوب السودان. فقد أعطت اتفاقية السلام الشامل والمفاوضات التي أعقبتها حراكا وزخما لأفكار وعمليات العدالة الانتقالية في جنوب السودان، وهو الحراك الذي دفعت به إلى الأمام جميع المحاضرات والمؤتمرات التي تمت في جميع أنحاء الدولة.

وأنهى نعيم حديثه قائلا أن ذلك كله يشير إلى أن السودان بحاجة إلى منهج أكثر شمولية للوصول للعدالة الانتقالية، بمنأى عن قدرات المحكمة الجنائية الدولية.

تناول المتحدث الثاني، طارق التومي، مدير برنامج "محامون من اجل العدالة في ليبيا"، موضوع سيادة القانون في ليبيا اليوم، وأسهب في الحديث عن العلاقة بين ليبيا والمحكمة الجنائية الدولية.

قال التومي إن نظام القذافي عمل على ضمان تقنين الممارسات السيئة داخل النظام القضائي، وخلال العام الماضي كان ما تبقى من النظام االقضائي قد انهار. وفي ضوء ذلك، أكد التومي أن أولوية السلطة الانتقالية يجب أن تكون بناء القدرات داخل السلطة القضائية، بجانب إحداث إصلاح شامل في النظام القضائي.

وتضمنت التوصيات الأخرى التى طرحها التومي بخصوص الاصلاح ما يلي : اعطاء الأولية لأمن الدولة وتشجيع حماية حقوق الانسان والاصلاح القضائي وبناء هكيل قانوني وشرعي واقرار الاتفاقيات الدولية المعنية بتعزيز حقوق الانسان وإجراء مراجعة شاملة لقانون الاجراءات الجنائية في ضوء المعايير الدولية وبناء قدرات قطاع الامن.

وفي حديثه عن التدخل الأخير للمحكمة الجنائية الدولية في الوضع في ليبيا، أشاد التومي بسرعة تحرك المحكمة الذي تم في وقت قياسي وعبر عن أمله ان يصبح ذلك عرفاً دوليا. واشار الى ان هناك حاجة ماسة الى تثقيف المجتمع المدني بخصوص الآثار الفنية المترتبة على تدخل المحكمة الجنائية الدولية في العالم العربي خاصة في ضوء المعلومات المغلوطة عن المحكمة التي تروج لها بعض الحكومات في المنطقة.

وقام ديفيد تولبرت، رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية، بإعطاء نظرة عن نظام روما الأساسي، الذي يعتبر الية دولية لادانة جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وجرائم الابادة الجماعية واعطى تفصيلا وافياً عن مسألة التكاملية.

وقال تولبرت ان دول قليلة فقط أقرت بالنظام مما يقلل من فعاليته في المنطقة. وفي ضوء ذلك قال تولبرت انه من الأجدر مناقشة فكرة التكاملية – الفكرة التي تقول ان المحكمة الجنائية هي الملاذ الأخير الذي يجب اللجوء اليه اذا رفضت الدولة او لم تسطع القيام بملاحقات جنائية ملائمة او اذا قام مجلس الأمن بتحويل القضية الى المحكمة الجنائية الدولية اذا كانت في حاجة الى تدخل سريع كما كان الحال مع السودان وليبيا.
ومن بين القيود الرئيسة التي تعيق عمل المحكمة الجنائية الدولية هو عدم امتلاكها قوة شرطية ولذلك فهي دائماً تعتمد على تعاونها مع الدول محل القضية من اجل التنفيذ الناجح للوائح الاتهام. وضرب تولبرت المثل على تأثير هذه القيود المتمثل في تدخل المحكمة الجنائية الدولية في السودان.

اذا ما هي الخيارات الأخرى البدلية لتدخل المحكمة الجنائية الدولية؟ قام تولبرت بتقديم نماذج مقارنة لبعض الدول التي استخدمت آليات بديلة في التعامل مع قضايا الانتهاكات الجماعية.

المحاكم المختلطة على سبيل المثال، تم توظيفها في سيراليون وكامبوديا. كذلك ايضا تمكنت المحاكم في البوسنة من بناء قدراتها، بمساعدة قضاة ومحققين ووكلاء نيابة دوليين، وتمكنت من ادانة جرائم ضد الانسانية وجرائم ضد الحرب في البوسنة.

وطلب المشاركون من المتحدثون الإجابة على اسئلة حول العلاقة بين آليات العدالة التقليدية وغير التقليدية ونقاط القوة والضعف في تدخل المحكمة الجنائية الدولية واستخدام المحاكم الدولية والمحاكم الوطنية لملاحقة مرتكبي الجرائم الجماعية.
.