المحاكمات في مصر وتونس: هل يمكن تحقيق العدالة الانتقالية في ظل ثورات لم تنته بعد؟

في بداية الجلسة الأولى من اليوم الثاني للمؤتمر، تحدث زياد عبد التواب، نائب مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، عن مدى التأثير الذي أحدثته محاكمة مبارك في مصر، بالاضافة إلى الضغط المتزايد الذي يضعه المجلس العسكري الحاكم على نشطاء حقوق الإنسان من خلال المحاكم العسكرية. فقد تم محاكمة 12000 مدني أمام المحاكم العسكرية بإجراءات قانونية تضمنت الشوائب، والتي لم يضمن خلالها حقوق المدعى عليهم. وأكد عبد التواب أن "محاكمة مبارك كانت بمثابة الجزرة، بينما يستخدم المجلس العسكري سياسة العصا من خلال المحاكمات العسكرية لتعقب النشطاء."

وأضاف عبد التواب أنه لا توجد إرادة سياسية من قبل المجلس العسكري لوضع مجرمي أعمال العنف الحقيقيين وراء القضبان. كما أوضح أن السلطة القضائية هي النظام الوحيد الذي نجح في الحفاظ على بعض استقلاليته على مدى العقود الثلاثة الماضية، لكن بالرغم من حكمة القضاة، تبقى هذه الاستقلالية نسبية. وفي الوقت الذي يحتاج فيه النظام القضائي لإصلاح حقيقي، تبقى المشكلة الرئيسية هي تدخلات السلطة التنفيذية – في مصر تقع في قبضة الجيش – في عمل السلطة القضائية.

وقال عبد التواب إنه حتى الآن لم يتم اتهام مبارك وأفراد نظامه بأية جرائم قبل الفترة ما بين 25 يناير و8 فبراير 2011 إذ لم يتم مقاضاتهم عن الانتهاكات التي حدثت في الماضي، بما في ذلك حالات الاختفاء القسري والانتهاكات الدستورية وانتهاكات حقوق الإنسان، باستثناء بعض قضايا الفساد. فهذه تعد محاولة من المجلس العسكري لإظهار أن الثورة كانت ضد الفساد فقط، إذ لم يتم تناول الحقوق الإنسانية والسياسية والقضائية على الإطلاق. وقال عبد التواب أن " المصرين لا يسعون فقط وراء لقمة العيش، لكنهم يريدون تحقيق حقوقهم الكاملة التي كافحوا من أجلها."

من جانبه، حذر عمر الصفراوي، المنسق العام لمجموعة "الـ 25 محامي" بتونس، من رجوع فلول النظام السابق لمؤسسات الدولة عن طريق بروتوكولات وقرارات الحكومة الانتقالية. وأضاف أن دور وزارة العدل تأثر كثيرا بإنشاء مؤسسات يفترض أن مهمتها مراقبة أعمال الحكومة، لكنها في الواقع تعمل على الحيلولة دون محاسبة أفراد النظام السابق.

إلى هذا، قال عبد الناصر العواني، عضو مجموعة "الـ 25 محامي" بتونس: "نحن بحاجة لتجهيز النظام لتوظيف إجراءات العدالة الانتقالية للتعامل مع القمع والفساد، كما نؤمن بالحاجة لإنشاء محكمة مستقلة." وأضاف أنه تم تقديم اقتراح مفصل للحكومة لإنشاء محكمة مختصة، تكون مستقلة عن السلطة القضائية السابقة، التي تورطت أحيانا في تغطية جرائم النظام السابق إذ أن السلطة القضائية التي عملت في ظل بن علي لا يمكن الوثوق بها لأداء هذه المهمة.

وأكد العواني على أهمية التطبيق الفوري للعدالة الانتقالية قائلاً انها لا بد أن تبعث رسالة مفادها أننا مقبلون على عصر تحكم فيها العدالة. وقال العواني:" قوبل الاقتراح الذي تقدمنا به بالرفض ولا نعرف تحديداً كيف سنستمر في مواصلة مساعينا خاصة أن العديد من الاشخاص غادروا البلاد بالفعل هرباً من العدالة."
وناقش ريتشارد روجرز المستشار لدى المركزالدولي للعدالة الانتقالية بعض المشاكل المختلفة المتعلقة بعمل المحاكم العسكرية التي تقوم في بعض القضايا بحاكمة مجموعات كبيرة من الأشخاص في جلسات تستغرق عادة ما بين 20 الى 40 دقيقة. ففضلا عن أن ذلك من شأنه خلق نظام قضائي مواز يتعدى على حقوق المتهمين، فإن مثل هذه الممارسات تعد انتهاكا مباشراً لعدد من المواثيق والقرارات التي وقعت عليها مصر.

كما ناقش روجرز دور الضحايا خلال إجراءات المحاكمات، مؤكداً أن تصارع المحامين والضحايا للحصول على أكبر قدر من وقت المحاكمة تؤثر سلباً على سير الإجراءات وتقوض مصداقيتهم. واستشهد روجرز بالنموذج الكمبودي حيث لم يحصل الضحايا على الوقت الكافي بسبب تواجد أكثر من 90 محاميا في وقت واحد وبات من المستحيل سير إجراءات المحاكمة على النحو الأمثل.

وقال روجرز أن التوعية تشكل عنصرا حاسما لنجاح اجراءات المحكمة من هذا النوع، حيث يتم شرح كيفية إجراء المحاكمة والفائدة التي يقدمها مفهوم المحاكمة العادلة للمجتمع.

وطلب المستشار زكريا عبد العزيز، وهو قاض مصري ورئيس المحكمة الجنائية، من الحضور التفكير في عدد من المسائل التي تواجه السلطات القضائية في مصر والمنطقة. وقال عبد العزيز أن بعض القضاة لا يدركون تماماً حجم المهمة المقبلون عليها في مواجهة تركة الدكتاتورية. وأوضح عبد العزيز أنه من الصعب جداً ملاحقة ومحاكمة المسؤولين السياسيين مضيفاً ان القواعد غير واضحة بشكل جيد لدى الكثيرين.

واختتم عبد العزيز كلمته متسائلاً:"من هم القضاة ووكلاء النيابة الذين سيتعاملون مع هذه القضايا التي ظهرت في أعقاب الثورة؟ هل هم الاشخاص نفسهم الذين عملوا في الجهاز القضائي في ظل حكومة النظام السابق ام سيتم اسناد المهمة الى قضاة جدد؟ وأردف قائلاً : "لقد تمكنت الثورة من القضاء على رأس النظام دون جسده الذي لا يزال متوغلاً بقوة في العديد من الوزارات والمؤسسات. وتسائل مجدداً: " هل بإمكان هؤلاء الاشخاص تعزيز قيم الثورة المناهضة لهم؟"

وأثار النقاش عدداً من القضايا الهامة وتطرق الحديث الى مدى قابلية تطبيق إجراءات العدالة الانتقالية من دول أخرى في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا خاصة في ضوء الأحداث التي شهدتها المنطقة مؤخراً مثل إعدام معمر القذافي في ليبيا.

وتم تسليط الضوء ايضاً على دور تدابير العدالة الانتقالية في قضايا أخرى غير المحاكمات الجنائية في مصر والمنطقة وتطرق النقاش الى الاساس القانوني لآليات العدالة الانتقالية في ضوء القوانين التي وفرت الحصانة للافلات من العقوبة في ظل الحكومة السابقة.

وركزت الدورة التالية على التدابير اللازمة لمنع الانتهاكات في المستقبل في مصر وتونس.