محاربة الفساد: أي دور لآليات العدالة الانتقالية؟

الجلسة الثالثة في ثاني أيام المؤتمر ركزت على كيفية التعامل مع الفساد باعتباره جزء من معالجة الانتهاكات الماضية. ترأس الجلسة مروان أبي سمرة، مستشار المكتب الإقليمي للمجتمع المدني والسياسات الإجتماعية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مستهلا النقاش بتسليط الضوء على التوزيع الانتقائي للعوائد بين شعوب الدول العربية. وأضاف أبي سمرة أن الفساد، بالإضافه إلى إصلاح المؤسسات، يعد قضية محورية في المنطقة، متسائلا: "كيف نحارب الفساد؟"

جاءت أول الاجابات من وحيد الفرشيشي، منسق مركز العدالة الانتقالية بتونس، الذي أطلع الحضور على تجربته كعضو في اللجنة المستقلة القومية لتقصي الحقائق حول الفساد في تونس. شكل زين العابدين بن على هذه اللجنة في 14 كانون الثاني/ يناير، اليوم الذي صادف بداية الثورة. غير أن اللجنة لم تكن لجنة حقيقة، بل لجنة لتقصي الحقائق، وليست مخولة لإعلان النتائج التي توصلت إليها في نهاية مهمتها. إذ يحق لها فقط الاستقصاء ثم تسلم السلطة القضائية أية ملفات تجدها مثيرة للشكوك. كما شدد الفرشيشي أن أي متهم يظل بريئا حتى تثبت إدانته.

قام الفرشيشي أيضا بشرح مشروعي قانون اقترحتهما اللجنة: أحدهما خاص بجبر الأضرار للمتضررين من الفساد وحماية الشهود. ويقترح المشروع الثاني تشكيل مجلس لمراقبة الفساد وإصدار الإجراءات الملائمة في هذا الصدد.

وقال الفرشيشي إنه" لا يمكننا القضاء على الفساد، لكن يمكننا أن نحد منه،" مؤكدا أننا "بحاجة لنتعلم من أخطاء اللجنة"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن واحدة من أكبر المشاكل التي تواجهها اللجنة هي عدم استيعابها لمفهوم العدالة الانتقالية. كما أضاف أن القضاة والمحاميين أبدوا تخوفهم من هذه اللجنة، وقاموا بانتقادها في الماضي، لأن اللجنة خصت بصلاحيات تعطى غالبا للمحققين.

من جهته، أكد عبد الخالق فاروق، الخبير في الشؤون الاقتصادية والاستراتيجية، على التمييز بين الرشوة وسرقة الأموال العامة. ثم عدد أشكالا عديدة للفساد في مؤسسات الدولة، سواء أكانت سياسات تفسد المؤسسات والبرلمان والسلطة القضائية، أو تشكيل صناديق خاصة تصب فيها مبالغ كبيرة من الأموال.

وناقش فاروق بالتفصيل أسباب ممارسات الفساد وعدد بعض الأمثلة مثل تعيين برلمانيين مقربين من السطلة والامتيازات التي يحصل عليها ممولي الحزب الرئيسين والعلاقات الوثيقة مع قطاع الامن وأجهزة المخابرات. وتطرق فاروق الى القوانين المختلفة والتعديلات التي شجعت على الفساد في مصر وفتحت المجال لمزيد من الصفقات على حساب الدولة.

ثم قام روبين كارنزا، مدير برنامج جبر الضرر لدى المركز الدولي للعدالة الانتقالية، بالتركيز على الربط بين مكافحة الفساد وجرائم الاقتصاد بمناهج العدالة الانتقالية، مشيرا الى صعوبة ملاحقة الفساد قضائياً.

وقال كارنزا ان الحكومات الدكتاتورية في دول مثل تونس ومصر عززت حصانتها من خلال الربط بين انتهاكات حقوق الانسان والفساد، مستشهداً بعملية استعادة 680 مليون دولار الى الحكومة الفلبينية بعد سقوط مرقص.

وقال كارنزا: "كانت هناك محاولات في بعض الدول لاستخدام اليات العدالة الانتقالية مثل الية تقصي الحقائق والملاحقة الجنائية لمواجهة الفساد."

وفرق كارنزا بعد ذلك بين بعثات تقصى الحقائق المختلفة، مشيرا الى ان هذه البعثات أحيانا تستثني قضايا الفساد في دول مثل جنوب أفريقيا وتشيلي، مضيفاً أن ذلك من شأنه أن يؤدي الى فقد فرصة لا يمكن تعويضها بعد ذلك.

وضرب كارنزا مثلاً على ذلك وهو ما حدث في تشيلي حيث لم تقم بعثة تقصي الحقائق بالتحقيق في قضية فساد الرئيس بينوشيه الذي حال مرضه وموته بعد ذلك دون ملاحقته قضائياً.

وعلى الجانب الآخر في دول مثل بنغلاديش ركزت بعثة تقصي الحقائق فقط على قضايا الفساد دون الاهتمام بقضايا انتهاكات حقوق الانسان.

وقال كارنزا انه من الصعب الحكم على النتائج الايجابية المترتبة على اصدار قرارات العفو للكثير من قضايا الفساد بهدف استعادة الاصول الماليه المنهوبة.

وأشار كارنزا أيضاً إلى قضية استرداد الأموال المنهوبة في سويسرا والتي حسمت بشكل عادل ومتقن، متسائلاً: "نحتاج الى محكمة من أجل اصدار حكم كهذا ولكن ماذا نفعل اذا كان النظام الخاص بالمحكمة التي تنظر القضية لا يعمل على الاطلاق. "

وفي ختام حديثه القى كارنزا الضوء على تجارب استرداد الأموال واستتخدامها في دفع التعويضات وتحدث عن حالة الفلبين حينما تم دفع مبلغ 200 مليون دولار كتعويضات من أصل 680 مليون تم استردادها.

الجلسة التالية والأخيرة للمؤتمر أفسحت للتحدث عن المحكمة الجنائية الدولية وتقوية سيادة القانون في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.