ضربةٌ لآمال السّلام في اليمن

03/10/2022

بعد ثماني سنوات من الحرب الوحشية ، لا يزال الشعب اليمني يعاني من أسوأ أزمة إنسانية على وجه الأرض. أسفرت الحرب عن مقتل أكثر من 370 ألف شخص ، أكثر من نصفهم مرتبط بأسباب غير مباشرة مثل الجوع والأمراض التي يمكن الوقاية منها. نزح حوالي 4 ملايين شخص ، ويعيش أكثر من 75 في المائة من السكان تحت خط الفقر.

لقد توصّلت وساطةُ الأممّ المُتحدّة إلى إبرامِ هدنةٍ بينَ الحكومة المُعترف بها دوليًّا والحوثيين، دَخلَت حيّزَ التّنفيذ في نيسان/ أبريل من العام 2022، ولم تنجح الأطراف المتنازعة في الاتّفاقِ على تمديدها قبل حلولِ موعدِ انتهائها في 2 تشرين الأول/أكتوبر. وتنصّ الهدنة على وجوبِ إيقاف العمليّات العسكريّة الهجوميّة، برًّا وجوًّا وبحرًا، داخلَ البلد وعبرَ حدوده. وقد تضمّنت بنود اتّفاق وقف إطلاق النّار فتحَ الطّرق في تعز وغيرها من المُحافظات لتَيْسِير حركة المدنيين، وفتح مطار صنعاء الدّولي لتَسيير الرّحلات التّجاريّة، والسّماح لناقلات الوقود بالرّسو في ميناء الحُدَيْدَة الواقع على البحر الأحمر.

وفي المُجمل، خفّفت الهدنةُ مِن حدّة الاقتتال؛ لكنَّها لم تردَع أيًّا مِن الأطراف المتنازعة عن المضيّ في الاعتداءِ على حقوق الإنسان. فمدينةُ تعز الواقعة جنوب غرب اليمن، تحديدًا، تُعدُّ واحدةً من أكثر المُدن تضرّرًا مِن تلكَ الاعتداءات، حيثُ لا تزالُ الطّرق، منها وإليها، مسدودة كما كانَت عليه منذ العام 2015، وهو ما يُشكِّلُ خرقًا صارخًا لبنودِ اتّفاق وقفِ إطلاق النّار، ويُطبق طوقَ الحصارِ على المدينة. فعشراتُ الآلافِ من تعدادِ سكّانِ المدينة الأصليّ البالِغ 600 ألف نسمة، قد لاذوا بالفرار أو نزحوا قسرًا. وأمّا مَن بقيَ منهم، فيفتقرونَ الاحتياجات الأساسيّة، بما في ذلكَ الطّعام السّليم والمياه والدّواء والوقود، كما يفتقرونَ الخدمات الأساسيّة، ومنها الرّعاية الصّحيّة والتّعليم والعمل وحريّة التنقّل.

اجتمعَ الراصدون الميدانيّون الّذين يعملون مع "اللّجنة الوطنيّة للتحقيق في ادّعاءات انتهاكات حقوق الإنسان"، ويُمثّلون المحافظات اليمنيّة الاثنَتَيْن والعشرينَ كلّها، في بيروت حيث حضروا تدريبًا على العدالةِ الانتقاليّة أقامَهُ المركز الدّولي للعدالةِ الانتقاليّة خلالَ شهر أيلول/ سبتمبر المُنصرم. وقد أعربَ كثيرون منهم عن قلقهم مِن الاعتداءات المُستمرّة على حقوق الإنسانِ على الرّغم من سريانِ مفعولِ الهدنة. وفي هذا الصّدد، صرّحَت الرّاصِدَة الميدانيّة والمُحاميّة الّتي توثّقُ انتهاكات حقوق الإنسان المُرتكبة في تعز منذ العام 2016، رَغدة المقطري قائلةً: "حينَ بدأت الهدنة في نيسان/ أبريل الماضي، انتابَ سكّان تعز أملٌ كبير في أن تُخفّف هذه الهدنة من معاناتهم، وأن تُحِلَّ السّلام في اليمن. لكنّ الهدنة لم تخدم سوى أطراف النزاع حتّى الآن. شيءٌ لم يتغيّر في تعز، ما عدَا ازدياد المصاعب وأعداد الضّحايا المدنيين، لا سيّما بينَ صفوف النّساء والأطفال. فلا بيتَ في تعز يخلو من قصّةِ ألمٍ، ألم لا ينتهي." وقد علّقت المقطري على عدم تمديدِ الهدنة بالقولِ: "على الرّغم من تصريحات المبعوث الأممي بأن المفاوضات ما زالت سارية لتمديد الهدنة إلا أنه خلال الساعات الأولى لانتهاء الهدنة، اشتدّت الاشتباكات في مناطق شرق تعز وغربها. فللأسف، سواء تم تمديد الهدنة أم لا، لن يتغيّر شيء بالنسبة إلى سكّان تعز."

وتُثبِتُ الانتهاكات المُستمرّة لحقوق الإنسان وتجدّد الاقتتال انعدامَ ثقة طرفَي النزاع أحدهما في الآخر، وتقاعسهما عن خوضِ مفاوضاتٍ مُثمرة. فاليمنُ لا يحتاجُ إلى مجرّد استراحةٍ مؤقتة مِن الاقتتال تتركُ الشّعب في خشيةٍ دائمةٍ من اندلاع أعمال العنف في أيّ وقت؛ بل يحتاجُ إلى اتفاقِ سلامٍ مُستدام يُعالِج الواقع الإنسانيّ المَرير الّذي تجاهلهُ المجتمع الدّولي لسنواتٍ طوال، وإلى عمليّة سياسيّة كاملة وشاملة للجميع وبقيادة يمنيّة تلبّي تطلّعاتِ الشّعب اليمنيّ برمّته.

____________

الصورة: أطفال يقفون أمام منزل في تعز تعرض للقصف. قام مراقبون ميدانيون من اللجنة الوطنية اليمنية للتحقيق في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان (NCIAVHR) بزيارة تعز عام 2021 لتفقد وتوثيق الانتهاكات. (NCIAVHR)