عمليات السلام

خلالَ عمليات السّلام، ينبغي على الأطراف أن تتنبّهَ إلى أسئلةٍ جوهريّة حولَ كيفيّة التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة والصّارخة الّتي ارتُكِبَت إبّان نزاعٍ عنيف. ففي حين أنَّ المُطالبات بإحقاقِ العدالةِ غالبًا ما تندرجُ في عناصر المُفاوضات الأشدّ تعقيدًا والأكثر جدلًا، فإنَّ مُعالجة هذه الانتهاكات، ولا سيّما الاهتمام برؤَى الضّحايا وتلبية حاجاتهم، أمرٌ أساسيّ يكفلُ إكسَاب اتفاقات السّلام المُبرمة الموثوقيّة والشّرعية اللّازمتَيْن.

الصورة
صبيان يحملان أعلامًا بيضاء في تشوكو ، كولومبيا

ينبغي على عمليات السّلام والمُفاوضات السّياسيّة الرّامية إلى إنهاءِ نزاعٍ عنيف أن تتعاملَ دومًا مع انتهاكات حقوق الإنسان الماضية. ففي عملياتِ السّلام الّتي أنهت الحروبَ في غواتيمالا وجنوب أفريقيا والسلفادور وسيراليون وكولومبيا، وكذلكَ في المُفاوضات الدّائرة حاليًّا في بلدان مثلَ ليبيا وجنوب السّودان وسوريا وفنزويلا واليمن، فرضَت العدالة الانتقاليّة نفسها مسألةً على قدرٍ عالٍ من الأهميّة.

تطرحُ عمليات السّلام أسئلة جوهريّة حولَ كيفية تناول اتفاق السّلام إرثَ انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة والصّارخة الّتي ارتُكِبَت إبّان النّزاع- ومن جملة هذه الأسئلة، سؤالٌ عن نوع العدالة الممكن إحقاقها، وعن المعاملة الّتي يجب منحها الضّحايا، وعن طبيعة المُحاسبة الجنائية المُلائمة وكذلكَ الإنصاف والعمليات الإصلاحيّة، بالإضافة إلى السّؤال عن أوجه التوازن والتكامل المطلوب إقامتها بينَ العدالة والأمن والسلام المُستدام.

وغالبًا ما تندرجُ المُطالبات بالعدالة في العناصر الأشدّ تعقيدًا والأكثر جدلًا من مُفاوضات السّلام. لكنَّ مُعالجة اعتداءات الماضي والاهتمام برؤى الضّحايا وتلبيةَ حاجاتهم أمورٌ أساسيّة تكفلُ إكسابَ عمليات السّلام والاتفاقات المُنبثقة عنها الموثوقيّة والشّرعيّة اللّازمتَيْن. هذا ومن شأنِ أُطر العمل الموضوعة بموجب اتفاقات السّلام أن تُحدّدَ أيضًا طبيعةَ تدابير العدالة الانتقاليّة المُحتملة ومداها للسنواتِ أو العقود القادمة.

دور المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة

يُولي المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة العدالة الأولويّة القُصوَى، وذلكَ طوالَ المراحل المختلفة من عمليات السلام. فنحنُ نُسدي المشورةَ والتوصيات المُتقنة والمبنية على تجاربنا المُقارنة، ونقومُ، أيضًا، مقامَ الشّريك الأساسيّ بالنسبة إلى الأطراف المعنية المُشاركة.

ففي السّياق السّوري، على سبيل المثال، أسدَيْنا المشورة التّقنية للمعارضة الرّسمية المُتمثّلة بهيئة التفاوض السّورية، وعملنا عن كثبٍ مع المجتمع المدني السّوري لمؤازرته في رفعِ مطالبات السّوريّين بالعدالة، وذلكَ من خلالِ الاجتماعات وحلقات العمل والمؤتمرات وخطّة التّواصل الاستراتيجيّة. أمّا في كولومبيا، فقد اضطلعَ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة بدورٍ بنّاءٍ وموثوقٍ به خلال عمليّة السّلام الّتي أفضت إلى إبرام اتفاق السّلام في العام 2016 بينَ الحكومة والقوات المسلحة الثورية الكولومبية، حيثُ أسدَى المركز المشورة العمليّة في شأنِ المُمارسات الفُضلى الّتي يُمكن إدراجها في الاتفاق.

وفي أعقابِ مفاوضات السّلام، يدعمُ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة تنفيذَ أيّ اتفاقِ سلامٍ مُبرمٍ على نحوٍ مُجدٍ ومتمركزٍ حولَ الضّحايا. ففي كولومبيا، على سبيل المثال، قدّمَ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة الدّعمَ الحيويّ لمؤسساتٍ جوهريّة- ومنها المحكمة الخاصة للسلام، ولجنة جلاء الحقيقة والتعايش وعدم التكرار، والوحدة الخاصة بالبحث عن الأشخاص المُعتبرينَ مفقودين- وذلكَ بغيةَ التثبّتِ من قدرتها على أداءِ عملٍ مُجدٍ وعلى الصّمود في وجهِ التّحديات.

هذا ويُسلّطُ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة الضوء على مسألة عمليات السّلام في معرضِ مُنتدَيات النّقاش والتّعليم الّتي يُقيمها وكذلكَ في تحاليل السّياسات والأبحاث الّتي يُجريها. فعلى سبيل المثال، خلالَ مُحاضرة "إيميليو مينيوني" السنوية الحادية عشر الّتي نظّمناها في العام 2020 بالشّراكةِ مع مركز حقوق الإنسان والعدالة العالميّة التّابع لكليّة الحقوق في جامعة نيويورك، طرحَ المُتحدّثُ الرّئيس ورئيس كولومبيا السّابق والفائز بجائزة نوبل للسلام، خوان مانويل سانتوس، أفكارًا نيِّرَة وقيِّمَة حولَ عمليّة السّلام الكولومبيّة واستخلصَ منها العبرَ المُفيدة للسياقات الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، فإنّنا غالبًا ما نُقدِّمُ دروسًا مُكثّفة حولَ هذا الموضوع من إعدادِ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة ومُوجّهة خصّيصًا لواضعي السّياسات ومُمارسيها.

وفي العام 2013، أصدرَ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة، بالتّعاون مع مؤسّسة كوفي أنان، تقريرًا قيِّمًا ينظرُ في دور لجان الحقيقة في عمليات السّلام. فالتقريرُ الّذي حملَ عنوان، الخروج على المألوف: هل يسعُ لجان الحقيقة توطيدَ عمليات السّلام، يدرسُ حالاتٍ من مُختلفِ أنحاء العالم ليستخلصَ منها أكثر العبر أهميّة ومنفعةً لمفاوضات السلام في المُستقبل. وفي العام 2005، نشرَ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة تحليلًا مؤثِّرًا عن تبعات نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائيّة الدّولية على وسطاء السّلام، وشاركَ، كذلكَ، في تنظيمِ مؤتمرٍ حولَ مبادئ الأمم المتّحدة التوجيهيّة الخاصّة بالوسطاء.