إصلاح المؤسسات

يستدعي التّصدّي التّام لإرث الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان اعتمادَ استراتيجيّة مُتعدّدة الأوجه تشملُ تدخّلاتٍ على مستوى المؤسسات والقانون والمجتمع المدني والجماعة والفرد على حدّ سواء. ولا تصلحُ هذه الاستراتيجيّة من دونِ إصلاح مؤسسات الدّولة الآيل إلى تحسينِ شرعيّتها ونزاهتها. فالسّعي إلى تحقيق الإنصاف والمُحاسبة والوقاية أمرٌ على قدرٍ عالٍ من الأهميّة.

الصورة
رجل يرتدي زيا يرتدي زيا وقلنسوة زرقاء من الأمم المتحدة يجثو على ركبتيه ويأخذ ذراعيه بينما يساعده رجل آخر بدون قبعة.

غالبًا ما تُتّخذُ المؤسسات العامّة – مثل الشرطة والقوى العسكريّة والقضاء – أدواتٍ للقمع وارتكابِ الانتهاكات المُمنهجة لحقوق الإنسان في المُجتمعات الّتي تشهدُ نزاعًا أو تخضعُ لحكمٍ استبداديّ. وحينُ تُتِمُّ هذه الجماعات انتقالها إلى السّلامِ والحكم الديمقراطي، يُصبحُ إصلاح تلكَ المؤسسات أمرًا ضروريًّا، وهو لطالما اعتُبرَ، سابقًا، جوهرَ العدالة الانتقاليّة. ولكنَّ التجربة المُمتدّة على سنواتٍ طوال بيّنت أنّ التركيزَ المحصور على المُؤسسات المعنيّة مُباشرةً بالاعتداءات الجسديّة لا يكفي ولا يُجدي نفعًا. لذا، تقتضي الحاجة إصلاح أجهزة الدّولة كلّها ووضع آلياتٍ ملائمة لمُراقبتها، وذلك من أجلِ ضمانِ استقلاليّتها المهنيّة. ويتطلّبُ هذا الأمر إعادة النّظر في جزءٍ كبيرٍ من إطار العمل القانوني الموضوع حيّز التنفيذ، وعلى رأسه الميثاق الدستوريّ. بالإضافة إلى ما أنفَ ذكره، فإنَّ إصلاحَ العدالة والمؤسسات الأمنية تُكملهُ التغييرات الجذريّة الّتي يجبُ إحداثها في المؤسسات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافيّة، في حالِ عزَمَ المجتمع على التّصدّي للانتهاكات المُرتكبة، بما فيها تلكَ الاقتصاديّة والاجتماعيّة، تصدّيًّا تامًّا.

إصلاح المؤسسات هو عمليةٌ تتمّ بموجبها إعادة النّظر في مؤسسات الدولة وإعادة هيكلتها حتّى تحترم حقوق الإنسان وتحافظ على سيادة القانون وتخضع لمحاسبةِ الناخبين. فجهودُ الإصلاح، الّتي تعتمدُ مُقاربة العدالة الإنتقالية، تقدرُ على تحقيق المحاسبة، وجبر الأضرار المُترتّبة عن الاعتداءات، والأهمّ من ذلك، أنّها تقدرُ على القضاء على البنى والعقائد التي سمحت بوقوع تلك الإنتهاكات. لذا، تكثرُ التوصيةُ باعتمادِ هذا النّوع من الإصلاح، وهو غالبًا ما تُطلقهُ مبادرات المُصارحة الّتي تكشفُ الجوانب المؤسّستيّة من أخطاء الماضي.

ويمكن أن يتضمّن إصلاح المؤسسات العديد من التدابير المرتبطة بالعدالة، بما فيها تلكَ الّتي ترمي إلى:

  •    تحويل الأطر القانونية أو إيجادِ أُطر جديدة: ويشملُ ذلك، على سبيل المثال، صياغةَ دساتير جديدة، أو تبنّي تعديلاتٍ دستوريّة أو المُصادقة على معاهدات دولية لحقوق الإنسان لضمان حماية حقوق الإنسان وتفعيلها؛
  •    التّأكد من تمتّع كلِّ شخصٍ بهويّةٍ قانونيّة: وهو أمرٌ يُعدُّ شرطًا مُسبقًا من أجلِ ممارسة غالبية حقوق الإنسان والاستفادة من الخدمات العامّة؛
  •    إصلاح المؤسسات بنيويًّا: وذلكَ بغيةَ ضمانِ استقلاليّتها وحسنِ استجابتها وتمثيلها للأفراد، وتوفيرها المُحاسبة اللّازمة، أي بغية تعزيز نزاهتها وشرعيتها؛
  •    فحص سجلات الموظفين: وذلك خلال عمليتَي إعادة الهيكلة أو التوظيف، فيُنظرُ بإمعانٍ في خلفياتهم بغية تنحيةِ المسؤولين المُسيئينَ والفاسدين عن الخدمة العامّة أو إنزالِ العقوبة بهم؛
  •    إنشاء أجهزة مُراقبة معلومة لعامة النّاس: وذلكَ ضمن مؤسسات الدولة بغيةَ ضمان إخضاعها للمحاسبة أمام الحوكمة المدنية.
  •    تجريد المُسلّحينَ من أسلحتهم، وتسريحهم وإعادة دمجهم: وتوفير العمليات والوسائل التي تراعي العدالة وتُخوِّلُ المحاربين القُدامى إعادة الاندماجِ في المجتمع المدني.
  •    تثقيف المسؤولين والموظّفين في القطاع العامّ: وذلكَ من خلالِ برامج التدريب حول معايير حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي المرعيّة الإجراء.

يهدف إصلاح المؤسسات، باعتبارهِ إحدى عملياتِ العدالة الإنتقالية، إلى الاعتراف بالضحايا كمواطنين وأصحاب حقوق، وإلى بناء الثقة بين كافة المواطنين ومؤسّساتهم العامة. والإصلاحُ هذا، إذا كانَ مُتقنًا ومُنفّذًا على نحوٍ شفّافٍ وشاملٍ للجميع، يُصبحُ جابرًا للضرر أيضًا. لذا، يُمكنُ التدابير المُساعدة على دفع إصلاح المؤسسات قدمًا أن تتضمّن حملات التثقيف العامّة حولَ حقوق المواطنين وحريّة الحصول على المعلومات، بالإضافة إلى تقديم الاستشارات المُجدية للضّحايا وممثلي المجتمع المدني في شأنِ المُبادراتِ القانونيّة.

مُقاربة المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة

يُقدِّمُ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة الخبرة والدّعمَ من أجل ضمانِ أنّ إصلاح المؤسسات وما عداه من عملياتِ بناء الدّولة يتعامل مع اعتداءات الماضي وأسبابها الجذريّة على نحوٍ مُناسب. وتُشدِّدُ مُقاربتنا في مسألة إصلاح المؤسسات على اعتباره جُزءًا لا يتجّزأ من الفهم الأوسع لضماناتِ عدم التكرار ومن سياسة العدالة الانتقاليّة الشّاملة.

  •    في كينيا، دعمنا إنشاء مجلس فحص سجلات القضاة وقضاة التحقيق كما دعمنا تفعيلهُ وقيّمنا العمليات الّتي نفّذتها السلطةُ المستقلة لمراقبة السّياسات، وذلكَ في ما يخصُّ فحص سجلات قوى الشّرطة والاعتداءات المُستمرة المُرتكبة على أيدي ضبّاطها. هذا وقد توصّلنا إلى تحديد سبلٍ شتّى من أجل مكافحة الفساد المُستشري وتعزيز مبدأ التقيّد بالدّستور.
  •    في جورجيا، قيّمنا الثغرات الكامنة في خطوات إصلاح المؤسسات المُتّخذة بعدَ العام 2012، واقترحنا تدابيرَ مُتعلّقة بفحص السّجلاتِ القائم على أساس الكفاءة في الجهازَيْن الأمني والقضائي.
  •    وضعنا المبادئ التّوجيهيّة الخاصّة بفحص سجلاتِ المؤسسات الأمنية، وقد نشرها كلٌّ من مكتب المفوضيّة السامية لحقوق الإنسان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
  •    عملنا في بوروندي على المُساعدة في مُراقبة العناصر الأمنيّة وتحديدها.
  •    في العراق، كُنّا المصدرَ الأبرز الّذي قدّمَ النّقدَ المُتقن في شأنِ مُبادرات اجتثاث البعث.
  •    أصدرنا بحوثًا حولَ فحص السّجلات، ونزع السّلاح والتسريح وإعادة الإدماج، وإصلاح القطاع الأمني في الشّؤون المُتعلّقة بالتنمية والنزوح، وإصلاح الأنظمة التعليميّة.

في بحثنا حول الوقاية من العنف والنّزاع العنيف وفي سياستنا في شأنِ أهداف التنمية المُستدامة، شدّدنا على ضرورةِ إدراجِ الإصلاحِ واسع النّطاق وطويل الأمد للمؤسسات في جداول الأعمال الدّولية المُتعلّقة بالسلام المُستدام والتنمية.