هل ما زلنا ملتزمين بحقوق الانسان للجميع؟

10/12/2012

بقلم بول سيلز نائب رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية.

أعلنت الأمم المتحدة 10 كانون الثاني/ديسمبر من كل عام يوم حقوق الانسان. ويوافق هذا التاريخ يوم توقيع الإعلان العالمي لحقوق الانسان في العام 1948 والذي جاء بمثابة ردة فعل المجتمع الدولي على ويلات الحرب العالمية الثانية. اليوم هو مناسبة للتفكير أكثر منه مناسبة للاحتفال. واذا ما نظرنا الى الأحداث التي حصلت في الأسابيع الماضية القليلة، لرأينا أن بعض الأمثلة منها تثبت أن الإيمان بحقوق الانسان للجميع – وفي معاملة جميع الدول بالمثل – هو غشاء رقيق أكثر منه حصناً منيعاً.

وكان الإعلان العالمي لحقوق الانسان اعترافاً حكيماً بأنه على الدول احترام حماية الحقوق الأساسية بما يضمن حرية وكرامة الأفراد والمجموعات. ولعلّ الأكثر أهمية هو أن هذا الاعتراف يمثل إدراكاً أنه على المجتمع الدولي واجب المساعدة في احترام هذه الحقوق. وفي حين أنه قد يكون من المغري الإعتقاد بأننا نسير على خطوات ثابتة نحو مجتمعات أكثر احتراماً لحقوق الانسان يواكبه دعماً فعالاً ودائماً من قبل المجتمع الدولي؛ يبقي هنالك داعٍ جديٍّ للقلق.

في سياق تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على منح فلسطين وضع دولة غير عضو مراقب بالأمم المتحدة، رأينا بروزاً مشيناً جداً للمعايير المزدوجة من قبل فرنسا وبريطانيا في محاولتهما لانتزاع وعود من القادة الفلسطينيين بعدم مقاضاة اسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية. وقد قادت هذه المساعي المنافقة الأطراف نفسها التي تطالب يومياً بمحاسبة نظام الأسد في سوريا.

والمسألة هنا ليست ما اذا كانت اسرائيل قد ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية بل أن دولتين كبيرتين من بين الدول الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تعتقدان أنه من الملائم عرقلة إمكانية إجراء تحقيق مستقلّ وغير منحاز من قبل المحكمة التي ساهموا بانشائها. وهذا الواقع مربحٌ لكل من يدعي أن المحكمة الجنائية الدولية ليست سوى أداة لمصالح الغرب السياسية وهي تنزل شعب فلسطين الى مواطنين من الدرجة الثانية من حيث الحماية التي يمكن لهم توقعها من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

اذا كانت نزاهة المحكمة الجنائية الدولية شوهت من قبل فرنسا وبريطانيا، وهما دولتان أساسيتان من الدول الأطراف، فإن الفكرة الرائدة للمحاسبة التي أرستها الأمم المتحدة - من خلال المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة- قد تضررت بسبب قرار دائرة الإستئناف بتبرئة الجنرالين الكرواتيين انتي غوتوفينا وملادن ماركاتش. وتُتَهم الأكثرية في دائرة الاستئناف من قبل الأقلية من المراقبين المستقلين بتشويه النتائج التي توصلت إليها الدائرة الابتدائية عمداً، وبتقليل نسبة الحماية التي يستطيع المدنيين توقعها من هجمات المقاتلين على نحو ملحوظ. ونتيجةً لذلك، أعادت دائرة الاستئناف كتابة تاريخ الأزمة في البلقان بشكلً بارزٍ مشيرةً الى أنه لم يكن هناك أي أمر جنائي في أي جزء من الاستراتيجية العسكرية الكرواتية الموجهة ضد الكروات الصرب. إن إعادة التفسير غير الدقيقة وغير العقلانية لآراء الخبراء المستخدمة لتمويه تعريف القصف الكثيف تشكلَ إضعافاً جدياً للهدف الجوهري لقوانين الحرب فيما يتعلق بحماية المدنيين من الأذى غير الضروري.

أخيراً، تشكلّ أعمال العنف الأخيرة في غوما في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية اتهاماً لكل من الرئيس جوزف كابيلا والمجتمع الدولي ككل. في العام 2004، حدّد مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية بقيادة لويس مورينو أوكامبو، بوسكو نتاغندا كأحد كبار المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب في منطقة ايتوري وسعى المكتب الى إصدار مذكرة توقيف بحقه. وفي السنوات التي تلت، سمح الرئيس كابيلا لنتاغندا بالتجوّل حرّاً في بلدات المحافظات الشرقية مدعياً أن إعتقال هذا الأخير سيؤدي الى زعزعة الأمن. وكان المجتمع الدولي غير مستعد أو غير قادر لإقناع كابيلا بالعكس.

ونتج عن ذلك المنظر المتكرر والمخزي لنتاغندا يتناول العشاء في المطاعم نفسها التي يلتقي فيها مسؤولون من الأمم المتحدة. ومنذ بضعة أيام، سيطرت ميليشيا "م 23" المرتبطة بنتاغندا على غوما مما أظهر الطبيعة الضعيفة حقاً للجيش الكونغولي وحكومة كابيلا. وفي الوقت عينه، أعادت الى نقطة الصفر وفي أسبوع واحد من العنف سنوات من الجهود المضنية لإعادة بناء القدرات المحليّة والبنى التحتية علاوة عن أنها تسببت بأزمة انسانية من خلال إجبار مئات الآلاف على المغادرة، مرةً جديدةً.

يمكن إعطاء تفسيرات مختلفة للتطورات في غزة وغوما وغوتيفينا. وقد يكون من السهل القول بأن حماية حقوق الانسان هي مجرد تلاعب مخيّب للأمل من السياسة كالمعتاد. وهذا ليس انتقاداً من دون إظهار بعض الجدارة على الأقل. فهذه الأمثلة الثلاث تظهر حصول تقدم. فقبل خمسين عاماً لم يكن هناك محكمة جنائية دولية يستطيع الدول الأطراف فيها التصرف على النحو المخجل الذي انتهجته فرنسا وبريطانيا مؤخراً. لم يكن لدينا الشهية لإنشاء مؤسسة مثل المحكمة الجنائية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة لمحاكمة جرائم أزمة البلقان في التسعينيات. تبيّن هذه الأمثلة أنه لا مفر من التقدم ولا بد أن يستمر. فالمؤسسات واللآليات المعتمدة هي في نهاية المطاف مليئة بالناس سواء كان ذلك نحو الأفضل أو الأسوء.

يرتكز التمتع بحقوق الانسان الأساسية الى أكثر من المحاسبة. غير أنه من دون المحاسبة على انتهاكات حقوق الانسان سنرى المزيد والمزيد من الانتهاكات الممنهجة للأفكار بحد ذاتها التي ولدت من رحم ويلات الحرب العالمية الثانية. التيقذ الدائم هو ثمن الحرية. لا يكفي إنشاء المؤسسات التي ستضمن حماية حقوق الانسان الأساسية، فعلينا وبعزم متجدد ضمان أن تلك المؤسسات والدول التي تدعمها تتصرف بصدق وشرف فعالية.

الصورة: مسعفون فلسطينيون يحملون طفلاً جريحاً الى مستشفى الشفاء في مدينة غزة في أعقاب غارة جوية اسرائيلية في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2012. محمود حمص/أ ف ب/غيتي إيمجز