مستقبل حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا

22/07/2011

يتمتع حبيب نصار بأكثر من عشر سنوات من الخبرة كمدافع عن حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وقد تابع التطورات السريعة للربيع العربي فيما كان يعمل كمدير لبرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى المركز. يحدثنا في هذا الحوار عن احتمال تعزيز احترام حقوق الإنسان اليوم، ويتطرق أيضاً الى التحديات القادمة.

السؤال : لا يزال الربيع العربي يتكشّف، وتبقى المنطقة الأكثر تعقيداً أو أهميةً بالنسبة إلى الشؤون الدولية. تعبأ الفترات الانتقالية بالمخاطر والغموض، فكيف يمكن للعدالة الانتقالية أن تشدّ هذه المجتمعات نحو العدالة والإصلاح الديمقراطي وما هي القوى الأخرى على الساحة التي تدفع بها خلفاً نحو الأنظمة القمعية أو نحو مزيد من العنف؟

الجواب : تواجه البلدان التي شهدت تغييراً سريعاً جداً الكثير من الضغوطات. وفيما تكافح من أجل تنظيم الانتخابات وصياغة دساتير جديدة وإعادة الثقة في مؤسسات الدولة، عليها أيضا معالجة الإرث الذي خلّفته عقود من القمع وانتهاكات حقوق الإنسان. فتونس على سبيل المثال، سجنت الآلاف من المعارضين السياسيين الذين تعرض كثير منهم للتعذيب وآخرون منهم أجبروا على مغادرة بلادهم إلى المنفى في ظل نظام زين العابدين بن علي. أمّا في مصر، فاتسمت العقود الثلاث من حكم مبارك بالقمع الشديد والاعتقال التعسفي والتعذيب الواسع الانتشار. في ليبيا، خلّف نظام القذافي الآلاف من ضحايا القتل غير المشروع والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب.

إنّ رغبة الناس بمحاسبة المرتكبين لا ينبغي أن تفوق الحاجة إلى إقامة نظام قضائي يكسب ثقة الجميع مع مرور الوقت. ويخضع حسني مبارك ومسؤولون آخرون من النظام السابق في مصر للمحاكمة بتهمة الفساد والقتل المرتكب خلال المظاهرات في ميدان التحرير وغيره من الأماكن. غير أنّ الرغبة في محاكمتهم ومعاقبتهم ينبغي ألّا تطغى على الحاجة إلى مراعاة الأصول القانونية. بل على العكس، إنّ إجراء المحاكمات خلال فترة انتقالية يجب أن يشكّل مناسبة لطي صفحة الممارسات الماضية وتعزيز سيادة القانون وإعادة الثقة العامة في السلطة القضائية.

رأينا في العراق كيف أنّ محاكمة صدام حسين وكبار أعضاء نظامه، والتي كان يمكن أن تشكّل فرصة حقيقية لتحقيق العدالة، شابها عيوب شديدة، ونتيجة لذلك بات يُنظر إليها على أنها "عدالة المنتصر". رأى الكثير من العراقيين أن عمليّة "إجتثاث البعث" التي تمّت من دون مراعاة للأصول القانونية، كانت عمليّة انتقام تحرّكها دوافع سياسية. فبدلاً من تحقيق العدالة وإنهاء القضية بالنسبة للضحايا وتمهيد الطريق للإصلاح، زادت هذه العمليات في العراق من عمق الانقسامات الاجتماعية ودفعت بالناس إلى دوّامة العنف.

السؤال : كيف يمكن للعدالة الانتقالية أن تدعم الإرادة السياسية وتكافئها لمقاومة نزعة الانتقام؟ وما يمكن أن تقوم به هذه البلدان من أجل تعزيز ثقافة العدالة وبناء هذه الثقة مع شعوبها؟

الجواب : إنّه لمن الضروري صياغة سياسات تتناسب مع احتياجات كلّ سياق. فالسياسات التي نجحت في المغرب والبيرو وجنوب أفريقيا لن تنجح بالضرورة في مصر أو ليبيا. إنّ أخذ الوقت الكافي للتشاور مع أكبر عدد ممكن من مجموعات أصحاب المصالح والضحايا السابقين يؤدي عادةً إلى سياسات ذكية وحسّاسّة. وفي حين أن العدالة الانتقالية منبثقة عن القانون الدولي لحقوق الإنسان، إلا أنّ هذا الأخير لا يقدم إجابات عن كل سؤال عملي؛ لذلك ينبغي على البلدان التي تشهد تحولات اليوم أن تستفيد من السوابق والدروس المستفادة في سياقات أخرى. ويجمع نهج المركز الدولي للعدالة الانتقالية ما بين المشورة التي ترتكز على القواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، والتحليل المقارن لدراسات الحالات من مختلف أنحاء العالم، وكذلك التوجيهات المفصلّة على أساس ما نجح وما لم ينجح. لقذ رأينا ذلك يُلهم المجتمع المدني وصانعي السياسات في جهودهم الرامية إلى تحقيق المحاسبة ومعالجة انتهاكات حقوق الإنسان.

السؤال : ما هو نوع المساعدة الذي يطلبه الناس وكيف يساعد المركز الدولي للعدالة الانتقالية؟

الجواب : تصلنا نداءات من نشطاء المجتمع المدني والعاملين في مجال القانون والمسؤولين الحكوميين وصانعي السياسات الدولية المتحمسين للاستفادة من خبرتنا. يبحث هؤلاء عن التدريب والخبرة التقنية التي تتيح لهم وضع تدابير ملموسة. إنّهم يودون الحصول على معلومات مفصّلة حول موضوعات متخصصة، نذكر على سبيل المثال نهج العدالة الانتقالية المراعية للاعتبارات المرتكزة على النوع الاجتماعي وتقنيات فحص أهلية الموظفين وكيفية تلبية معايير حقوق الإنسان الدولية أو المنهجيات الواجب استخدامها عند التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان. نحن نقوم بجمع هذه الخبرة منذ تأسيس المركز في عام 2001. ويبدو لنا أنّ الناس يستمعون عن كثب وإننا نرى أنّ ما يتعلمونه يظهر غالباً في المناقشات الوطنية في البلدان التي نعمل فيها. إنّها إشارة حسنة، ولكننا بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد إذ ينبغي علينا توسيع نطاق عملنا، وقد صلتنا نداءات من ليبيا وسوريا واليمن. ولم نكن نتصوّر في السنة الماضية أنّ هذه الأماكن ستكون مستعدة للنظر في نماذج للعدالة الانتقالية في عام 2012، ولكنها الآن مستعدة وينبغي علينا أن نتواجد هناك من أجل مساعدتها.