المحكمة العراقية تصدر حكمها في قضية الأنفال: استمرار المآخذ على المحاكمة التاريخية من أجل الأكراد العراقيين

23/06/2007

البحرين، 24 يونيو/حزيران 2007 – قال المركز الدولي للعدالة الانتقالية إن الحكم الذي أصدرته المحكمة الجنائية العراقية العليا اليوم في قضية الأنفال يمثل لحظة تاريخية بالنسبة للضحايا العراقيين؛ وقد أدانت المحكمة خمسة من المتهمين بتهمة ارتكاب الإبادة الجماعية، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب، فيما أسقطت التهم الموجهة إلى متهم سادس. ورغم أن محاكمة الأنفال قد سارت على نحو أكثر سلاسة من محاكمة الدجيل، فلا تزال قاصرة فيما يبدو عن استيفاء المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، ولا سيما من حيث إخفاقها في ضمان حق المتهمين في دفاع كافٍ.

وقضية الأنفال هي ثاني قضية تنظرها المحكمة، وكانت أكثر تعقيداً من قضية الدجيل من حيث وقائعها وجوانبها القانونية؛ وقد ركزت على سلسلة من الهجمات المنسقة التي شنتها القوات العراقية على السكان الأكراد في شمال العراق خلال عامي 1988 و1989، والتي راح ضحيتها ما يقدر بنحو 180 ألف كردي تعرضوا للتشريد أو السجن أو القتل. وقد بدأت إجراءات القضية في 21 أغسطس/آب 2006، حيث مثل أمام المحكمة سبعة متهمين، من بينهم علي حسن المجيد، أمين سر مكتب تنظيم الشمال لحزب البعث (الملقب بـ"علي الكيماوي")، والرئيس السابق صدام حسين الذي حذف اسمه من القضية بعد إعدامه في عجالة في 30 ديسمبر/كانون الأول 2006.

ووجهت إلى جميع المتهمين تهمة ارتكاب جرائم حرب، وجريمة الإبادة الجماعية، وجرائم ضد الإنسانية؛ وأدلى شهود الإثبات بشهادات مروعة عن آثار حملة الأنفال على الأكراد. كما استندت المحاكمة إلى كم غزير من الوثائق الصادرة عن النظام البعثي، وبالأخص أدلة الطب الشرعي والادعاءات المتعلقة باستخدام الأسلحة الكيميائية. واستمعت المحكمة إلى شهادات أقل من 10 من شهود النفي، ورفضت مراراً طلبات الدفاع بتسهيل أي شهادات لشهود النفي تعذر الإدلاء بها أمام المحكمة مباشرة.

وتقول ميراندا سيسونز، رئيسة برنامج العراق لدى المركز الدولي للعدالة الانتقالية، التي قامت برصد إجراءات المحاكمة "لقد كانت محاكمة الأنفال من بعض النواحي أفضل إدارةً من محاكمة الدجيل، ولو أنها تعرضت لمشكلات بالغة الخطورة، من بينها توجيه تهم مبهمة إلى حد بعيد، والتدخل السياسي في التعيينات القضائية، وعدم تيسير كافة السبل لتقديم شهادات شهود النفي. وسوف ندرس الحكم بعناية للتحقق مما إذا كان القضاة قد أخذوا هذه التحديات بعين الاعتبار".

ورغم أن محاكمة الأنفال اتسمت ببعض أوجه التحسن مقارنة بمحاكمة الدجيل، فقد شابتها هي الأخرى عيوب مماثلة، من بينها التدخل السياسي، وما لوحظ من ثغرات في الأدلة، فضلاً عن عدد من الانتهاكات للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة. فعلى سبيل المثال، لم تلبث المحاكمة أن منيت بنكسة عندما استُبدل رئيس المحكمة القاضي عبد الله العامري بناء على طلب مكتب رئيس الوزراء، بعد أن أدلى بعبارات مثيرة للجدل، ولم يكن قد مضى على بدء المحاكمة سوى ثلاثة أسابيع. ومثلما حدث في قضية الدجيل، وجهت محكمة الجنايات للمتهمين اتهامات فضفاضة ومبهمة بدرجة تشكل انتهاكاً لحقهم في الإحاطة الوافية بالتهم الموجهة إليهم. وفضلاً عن ذلك، فإن رفض محكمة الجنايات تيسير السبل للاستماع إلى شهادات شهود النفي عبر وسائل الاتصال المرئي أو غيرها من الترتيبات المماثلة قد يشكل انتهاكاً لحق المتهمين في الدفاع الكافي.

وقد صدرت أحكام اليوم في جلسة استغرقت 75 دقيقة، وخلت من أي إشارة تُذكر إلى حيثيات هذه الأحكام. ووفقاً لمندوبة المركز الدولي للعدالة الانتقالية التي رصدت وقائع الجلسة، فقد اتخذت المحكمة القرارات التالية:

أسقطت التهم الموجهة إلى طاهر توفيق لعدم كفاية الأدلة بناء على طلب سابق من الادعاء.

وحُكم على فرحان مطلق الجبوري بالسجن المؤبد بتهمة الإبادة الجماعية، وبالسجن المؤبد، والسجن عشر سنوات بتهمة القتل العمد والترحيل أو الإبعاد القسري باعتبارها جرائم ضد الإنسانية.

وفُرضت على صابر الدوري ثلاث عقوبات بالسجن المؤبد بتهمة الإبادة الجماعية والقتل العمد، باعتبارهما من الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وإصدار الأوامر بشن الهجمات على السكان المدنيين باعتبارها جريمة حرب. كما حُكم عليه بالسجن عشر سنوات بتهمة تدمير أو مصادرة ممتلكات الطرف المعادي باعتبار ذلك جريمة حرب.

أما سلطان هاشم فقد فرضت عليه أربع عقوبات بالإعدام شنقاً بتهمة الإبادة الجماعية، والقتل العمد، والإبادة باعتبارها جرائم ضد الإنسانية، وإصدار الأوامر عمداً بشن هجمات على المدنيين باعتبار ذلك جريمة حرب. كما فرضت على هاشم عقوبتان بالسجن المؤبد بتهمة الإخفاء القسري وغيرها من الأفعال غير الإنسانية باعتبارها جرائم ضد الإنسانية، فضلاً عن أربع عقوبات أخرى بالسجن بتهمة الترحيل باعتباره جريمة ضد الإنسانية، إلى جانب ثلاث تهم أخرى بارتكاب جرائم حرب.

وحكمت المحكمة على حسين رشيد بالإعدام شنقاً بتهمة الإبادة الجماعية، والقتل العمد باعتباره جريمة ضد الإنسانية، وشن هجمات متعمدة على السكان المدنيين باعتبارها جريمة حرب. كما حُكم على رشيد بالسجن سبع سنوات بتهمة شن هجمات على مبانٍ مخصصة لأغراض دينية.

أما علي حسن المجيد فقد صدرت بحقه خمسة أحكام بالإعدام شنقاً بتهمة الإبادة الجماعية والقتل العمد والإخفاء القسري والإبادة، باعتبارها جرائم ضد الإنسانية، وشن هجمات متعمدة على السكان المدنيين، باعتبار ذلك جريمة حرب. كما فرضت عليه عدة عقوبات بالسجن تتراوح مددها بين سبع سنوات والسجن المؤبد لارتكاب أفعال أخرى غير إنسانية تعد جريمة ضد الإنسانية، وجرائم أخرى.

وجدير بالذكر أن المركز الدولي للعدالة الانتقالية يعارض تطبيق عقوبة الإعدام في أي حالة من الحالات، باعتبارها شكلاً من أشكال العقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة.

أما المتهمون الذين صدرت بحقهم أكثر من عقوبة فسوف يقضون أشد هذه العقوبات فقط؛ وقد أسقطت المحكمة عدداً من التهم الموجهة لكل من هؤلاء الأفراد لعدم كفاية الأدلة، كما صادرت الممتلكات المنقولة وغير المنقولة لكل من هؤلاء المتهمين.

وبعد تلاوة هذه القرارات والأحكام الصادرة على جميع المتهمين، أشارت محكمة الجنايات إلى حق الشاكين في رفع دعاوى تعويض أمام المحاكم المدنية. كما أحالت المحكمة قائمة بأسماء 223 فرد إلى هيئة التحقيق بالمحكمة الجنائية العراقية العليا للتحقيق معهم بشأن حملة الأنفال.

وقد انخفض حجم التغطية الإعلامية وغيرها لمحاكمة الأنفال إلى الصفر تقريباً في أعقاب إعدام صدام حسين، ولو أن مستوى الاهتمام بها ظل مرتفعاً في صفوف الأكراد العراقيين. وقالت سيسونز "بعد إعدام حسين، جرت محاكمة الأنفال خارج دائرة الأضواء الدولية تماماً؛ وكان عدم اهتمام المراقبين الخارجيين بقضية الأنفال ينطوي على رسالة مؤداها أن محور اهتمامهم كان منحصراً في إعدام صدام، لا في تحقيق المساءلة عما وقع من جرائم مروعة؛ وضاعت فرصة مهمة للضغط على المحاكمة كي ترفع معاييرها".

وقد دأب المركز الدولي للعدالة الانتقالية على رصد وقائع محاكمة الأنفال بصفة منتظمة من بغداد، ويعتزم تحليل الأحكام الصادرة بمزيد من التفصيل بعد نشرها، ثم إصدار تقرير موضوعي يتضمن نتائج هذا التحليل.

خلفية عن المحاكمة

أُنشئت المحكمة الجنائية العراقية العليا، التي سُميت في بادئ الأمر بالمحكمة العراقية المختصة، بأمر من سلطة التحالف المؤقتة عام 2003. وأدرجت في صلب القانون العراقي في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2005. وللمحكمة ولاية على العراقيين والمقيمين بالعراق ممن يُزعم أنهم ارتكبوا جرائم الإبادة الجماعية أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب خلال الفترة من 17 يوليو/تموز 1968 إلى 1 مايو/أيار 2003؛ كما يشمل اختصاص المحكمة انتهاكات بعض القوانين العراقية مثل التدخل في شؤون القضاء أو تبديد الثروات الوطنية.

وجميع العاملين بالمحكمة عراقيون، ولكن قانون تأسيسها يجيز تعيين مستشارين دوليين. ويتولى "مكتب الاتصال المعني بجرائم النظام"، الذي يوجد مقره في السفارة الأمريكية ببغداد، تقديم المساعدة للمحكمة في شؤون التحقيقات وفي تلبية احتياجاتها اللوجيستية.

وقد تولت محكمة الجنايات الثانية نظر قضية الأنفال، وتتألف هيئتها القضائية من خمسة قضاة؛ ووجهت تهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وجرائم الإبادة الجماعية إلى سبعة متهمين، هم:

· صابر عبد العزيز الدوري، مدير عام المخابرات العسكرية العراقية سابقا ً .

· سلطان هاشم أحمد الطائي، القائد السابق للجيش الأول الذي كان مقره يقع في شمالي العراق، وكان مسؤولاً عن القطاع الشمالي إبان حملة الأنفال، وتولى لاحقاً منصب وزير الدفاع.

· علي حسن المجيد التكريتي، الذي ي ُ زعم أنه مهندس حملة الأنفال؛ وهو ابن عم صدام حسين، و شغل منصب أمين عام المكتب الشمالي لحزب البعث العربي الاشتراكي في الفترة من مارس/آذار 1987 حتى إبريل/نيسان 1989، وكانت سلطته تشمل كل أجهزة الدولة في المنطقة الكردية خلال هذه الفترة.

· حسين رشيد التكريتي، نائب رئيس أركان الجيش لشؤون العمليات سابقاً خلال حملة الأنفال.

· طاهر توفيق العاني، وهو محافظ الموصل سابقاً أثناء حملة الأنفال، ومسؤول بحزب البعث؛ وكان مساعداً لعلي حسن المجيد (وقد طلب الادعاء إسقاط التهم الموجهة للعاني لعدم كفاية الأدلة)؛

· صدام حسين المجيد التكريتي، رئيس جمهورية العراق خلال الفترة من 1979 حتى 2003؛ أسقطت جميع التهم الموجهة لصدام بعد إعدامه في 30 ديسمبر/كانون الأول 2006.

وليس الحكم الصادر في 24 يونيو/حزيران هو الخطوة النهائية في محاكمة الأنفال؛ بل من المزمع إحالة القضية إلى هيئة التمييز، وهو شكل من أشكال الطعن. ويجوز الطعن في الحكم لأسباب تتعلق بوقوع أخطاء قانونية أو إجرائية أو جوهرية في الوقائع. وفي الحالات التي تصدر فيها أحكام بالإعدام أو السجن المؤبد، بموجب قانون الإجراءات الجزائية العراقي، تبدأ إجراءات الطعن تلقائياً، ويحال ملف القضية إلى الهيئة التمييزية في غضون 10 أيام من صدور الحكم. وفيما عدا ذلك، يحق للمتهم الطعن في الحكم الصادر ضده في غضون 30 يوماً؛ و للهيئة التمييزية تصديق حكم محكمة الجنايات او نقضه او تعديله، ويكون حكمها نهائياً. وينص قانون تأسيس المحكمة الجنائية العراقية العليا على تنفيذ العقوبات في غضون 30 يوماً منذ صدور الحكم النهائي، بعد تصديق رئيس الجمهورية عليه.

عن المركز الدولي للعدالة الانتقالية

يسعى المركز الدولي للعدالة الانتقالية لمعالجة أخطر انتهاكات حقوق الإنسان ومنعها من خلال التصدي لإرث الماضي من الانتهاكات واسعة النطاق. ويتوخى المركز حلولاً كلية شاملة ترمي لتعزيز المساءلة وخلق مجتمعات يسودها العدل والسلم. للمزيد من المعلومات. لمزيد من المعلومات زوروا: www.ictj.org/ar

للاتصال

حبيب نصار (نيويورك) مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا المركز الدولي للعدالة الانتقالية Phone +1 917 637 3839 hnassar@ictj.org

رفيك هودزيك (نيويورك) مدير قسم الإعلام المركز الدولي للعدالة الانتقالية Phone +1 917 975 2305 rhodzic@ictj.org