بالرغم من أن مقاضاة رؤساء الدول مثل حسني مبارك في مصر وزين العابدين بن علي في تونس تتصدر عناوين الصحف اليوم٬ إلا أن هذه الظاهرة تعتبر جديدة نسبياً. فقد شهد التاريخ المعاصر منذ الثمانينات وحتى اليوم حولي 70 محاكمة من هذا النوع.
في هذا البودكاست٬ تعرض كايتلن رايجر٬ مديرة سياسة العلاقات الدولية لدى المركز الدولي لعدالة الانتقالية٬ لظاهرة مقاضاة رؤساء الدول في خضم المحاكمات الجارية لمبارك و بن علي والدعوات الى محاكمة الرؤساء الحاليين والسابقين المتهمين بارتكاب انتهاكات لحقوق الانسان. وقد شاركت رايجر في اعداد كتاب بعنوان "مقاضاة رؤساء الدول" الذي يوثق لظاهرة المحاسبة على أعلى مستويات الحكم.
تشرح رايجر أهمية هذا النوع من المحاكمات في ظل التحولات وتقول: " هذه الملاحقات مهمّة لأنّها تبيّن أنّ الجميع، بدءًا من أعلى الهرم، يتحمّل مسؤوليّةً ما يجري على الارض. حتّى وإن لم يكن كبار القادة متورّطين مباشرةً، أو على اطّلاع مباشر بالأحداث، فغالبًا ما يكونون في موقف يحتّم عليهم أن يكونوا على علم بما يحصل- وفي هذه الحالة لن يحميهم الجهل المتعمّد للأنظمة التي أرسوها بنفسهم."
كذلك تعرض رايجر للتحديات التي تواجه محاكمات رؤساء الدول وتقول إنه إذا لم تَجْرِ هذه العمليات كما يجب، فثمة خطر فعلي بأن يتحوّل الأمر إلى محاكمة مسرحيّة. وتحذر من أن "أحد الأمور المهمّة التي يجب أن نتذكّرها هو أنه إذا لم تَجْرِ هذه العمليات كما يجب، فثمة خطر فعلي بأن يتحوّل الأمر إلى محاكمة مسرحيّة، بأسوأ ما لهذه العبارة من معنى. فهذه القوّة الرمزيّة المتأتية عن اعتقال أحد كبار المسؤولين، بما في ذلك رأس الدولة، واقتياده للعدالة، تحمل في طيّاتها خطرًا كبيرًا بأن تسير الأمور بالشكل الخاطئ وعندئذٍ قد تأخذ أسوأ المناحي."
من ثم تحدد رايجر العناصر الضرورية لنجاح محاكمة رؤساء الدول وهي الاستقلاليّة، والشفافية، والعدل، أي الامتثال للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة وأصول الإجراءات. وتضيف: "إذًا لا بدّ من إيجاد التوازن بين هذين الشقين. فمع ضمان الاحترام الكامل لحقوق الدفاع، يجب عدم السماح له بالاستمرار إلى ما لا نهاية، وهو ما من شأنه أيضًا أن يُعتبر انتهاكًا لمعايير المحاكمة العادلة. إلاّ أنّنا في كلّ ذلك نحتاج للحفاظ على ثقة الجمهور في العمليّة. فإذا فُقدت ثقة الجمهور في العمليّة، بسبب نقص في استقلاليتها أو عدالتها، فهذا يعني أنه مهما كانت النتيجة، فستكون موضع نقض وجدال، وهذا ما سيُضعف تأثيرها في النهاية."
للاستماع الى البودكاست
[تنزيل](/sites/default/files/Masic_ICTJ_Podcast_07312011.mp3) | المدة: 7:27mins | حجم الملف: 4.56MBفي ما يلي النص الكامل للبودكاست
المتحدّثون: ليزا جمهوري، المركز الدولي للعدالة الإنتقاليّة؛ كايتلن رايجر، المركز الدولي للعدالة الانتقالية
ليزا جمهوري: أهلا بكم في التسجيل الخاص (بودكاست) بالمركز الدولي للعدالة الإنتقاليّة. أنا هنا اليوم مع كايتلن رايجر، مديرة سياسة العلاقات الدولية لدى المركز. منذ أكثر من سنة، أصدرت كتابًا بعنوان "مقاضاة رؤساء الدول"، وهو يوثق لظاهرة المحاسبة على أعلى مستويات الحكم. كايتلين معنا هنا اليوم لتحدّثنا عن هذه الفكرة في السياق الحالي لسقوط، أو احتمال سقوط، قادة مثل مبارك في مصر، وبن علي في تونس، والأسد في سوريا. شكرًا لك كايتلن على انضمامك إلينا. لما أنواع الملاحقات القضائيّة هذه – على مثل هذه المستويات العليا – مهمة للعدالة الإنتقاليّة؟
كايتلن رايجر: هذه الملاحقات مهمّة لأنّها تبيّن أنّ الجميع، بدءًا من أعلى الهرم، يتحمّل مسؤوليّةً ما يجري على الارض. حتّى وإن لم يكن كبار القادة متورّطين مباشرةً، أو على اطّلاع مباشر بالأحداث، فغالبًا ما يكونون في موقف يحتّم عليهم أن يكونوا على علم بما يحصل- وفي هذه الحالة لن يحميهم الجهل المتعمّد للأنظمة التي أرسوها بنفسهم. من ناحية أخرى تحمل هذه الملاحقات رسائل رمزية كثيرة، وذلك لأسباب بينها أنّ العديد من الطغاة سيّما في الأنظمة الديكتاتوريّة، وفي حالات أخرى أيضًا، يطوّرون نوعًا من عبادة الشخصيّة للقائد. لذا فإنّ أهمّية محاسبتهم تتخطّى الأفراد بحدّ ذاتهم، إذ أنّها تروّج لفكرة وضع حدّ فاصل مع الماضي، وتظهر أنّ كلّ الأشخاص خاضعون للمحاسبة.
ليزا جمهوري: هلاّ أخبرتنا عن أي أخطار أو تهديدات محتملة في مثل هذه المحاكمات التي يُنظر فيها إلى رأس الدولة كرمز مهمّ للنظام السابق؟
كايتلن رايجر: ثمّة أخطار حتميّة في كلّ من هذه الحالات التي رأيناها في الكتاب. وبشكل عام، فإنّ هذه الإجراءات هي بطبيعتها سياسيّة وموضع جدل، ليس فقط عند انطلاق العمليّة، بل إنّ ذلك يستمرّ عادة خلالها. فمعظم هؤلاء الأشخاص لا زال لديهم قاعدة مهمة تؤيّدهم. لذا يتأتّى الخطر عن احتمال أن تحيّد التعقيدات السياسية العمليّة عن مسارها.
وأعتقد أنّ أحد الأمور المهمّة التي يجب أن نتذكّرها هو أنه إذا لم تَجْرِ هذه العمليات كما يجب، فثمة خطر فعلي بأن يتحوّل الأمر إلى محاكمة مسرحيّة، بأسوأ ما لهذه العبارة من معنى. فهذه القوّة الرمزيّة المتأتية عن اعتقال أحد كبار المسؤولين، بما في ذلك رأس الدولة، واقتياده للعدالة، تحمل في طيّاتها خطرًا كبيرًا بأن تسير الأمور بالشكل الخاطئ وعندئذٍ قد تأخذ أسوأ المناحي.
لقد رأينا ذلك يحدث فعلاً أثناء محاكمة صدّام حسين، حيث كانت النوايا جيّدة جدًّا، لكننا شهدنا من جهة نقصًا في القدرات، ومن جهة أخرى لم تستطع المحاكمات أن تنأى بنفسها عن السياق السياسي- فالتسييس لم ينفكّ يزداد مع تقدّم المحاكمة بسبب التدخلات السياسيّة، هذا فضلاً عن التهديدات الأمنيّة، وحالات ترهيب المحامين، والقضاة، والشهود، وإلى ما هنالك. أمّا النتيجة فواضحة بدلالاتها، إذ كانت هذه المحاكمة أسوأ الأمثلة لعدالة المنتصرين ، فضلاً عن أنّها لم تلبي مطالب المجموعات التي كانت تطالب بإجراءات مماثلة لأحداث اعتبرتها أسوأ ما ارتكب نظام صدّام حسين، عوضًا عن التحقيق في أحداث محددة اقتصرت محاكمة صدّام عليها.
ليزا جمهوري: نظرًا لجدليّة هذه المحاكمات، هل يمكن أن تشرحي لنا بعض العناصر الضرورية لنجاح محاكمة رؤساء الدول؟
كايتلن رايجر: يجب قبل كلّ شيء نزع الطابع السياسي عن العمليّة وسياقها قدر الإمكان. وهذا يحتّم استقلاليّة كبيرة ليس من جانب القضاة وحسب، بل أيضًا جميع أطراف يتعاط هذه العمليّة: من محامين، ومسؤولين عن المحكمة، وتغطية إعلاميّة، ألخ. يجب أن يتمّ التعامل مع هذه العمليات وتغطيتها كممارسة فعليّة للمحاسبة، بدلاً من اعتبارها لعبة سياسية أو فعلاً انتقاميًّا. فما أن تأخذ المحاكمة المنحى الخاطئ يصبح من الصعب تصويبها.
بالحديث عن الاستقلاليّة، فمن المهم مراعاة الشفافية، والعدل، أي الامتثال للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة وأصول الإجراءات، ولكن من دون السماح باستغلال هذا الأمر أو سوء استخدامه. لذا نحن فعلاً بحاجة إلى صلابة في التعامل. ما أقصده هنا هو أنّ هؤلاء الأشخاص الّذي يمثلون للمحاكمة غالبًا ما يكونون من أسياد المنابر. فهم موهوبون في الحديث على المنبر. وقد رأينا أمثلة عديدة استغلّ فيها رؤساء الدول أو الحكومات السابقين ذلك إلى أقصى الحدود، فأحرجوا القضاة غير المعتادين على هذا الأمر.
إذًا لا بدّ من إيجاد التوازن بين هذين الشقين. فمع ضمان الاحترام الكامل لحقوق الدفاع، يجب عدم السماح له بالاستمرار إلى ما لا نهاية، وهو ما من شأنه أيضًا أن يُعتبر انتهاكًا لمعايير المحاكمة العادلة. إلاّ أنّنا في كلّ ذلك نحتاج للحفاظ على ثقة الجمهور في العمليّة. فإذا فُقدت ثقة الجمهور في العمليّة، بسبب نقص في استقلاليتها أو عدالتها، فهذا يعني أنه مهما كانت النتيجة، فستكون موضع نقض وجدال، وهذا ما سيُضعف تأثيرها في النهاية.
ليزا جمهوري: السياق الانتقالي يطرح تحديات عدّة في القضاء وغيره، مثل عدم التحقق من نزاهة القضاة وكون القضاء يتحمل أعباء تفوق قدراته، فضلا عن المسائل الاقتصادية وتلك المتعلّقة بالبنى التحتيّة. فهل من أمور يمكن للدول أو الأنظمة القضائيّة القيام بها لضمان المحاكمة العادلة؟
كايتلن رايجر: ثمّة بعض الأمور وبعض الخطوات التي يمكن اتخاذها قبل هذه المحاكمات. إذ يجب الحديث مسبقًا عن أهميّة هذا النوع من المحاكمات واحترام المعايير التي ذكرناها آنفًا. فالاستقلالية بحاجة إلى إجراءات لفحص نزاهة وشفافية العاملين بالمؤسسات القضائيةأو على الأقل نوعاً من المراجعة الدقيقة، على أن يتمّ إجراء ذلك باستقلاليّة. هناك حاجة أيضًا إلى إصلاحات مؤسساتية أشمل، على صعيد الشرطة، سيّما في الأنظمة القضائية التي يعتمد فيها على تحقيق الشرطة، كما على صعيد القضاة والمدّعين. يجب إذًا النظر أيضًا بجميع عناصر النظام القضائي هذه والتحقق فيما إذا كانت تحظى بثقة الجمهوروتقصّي المشاكل المحتملة في هذا الصدد.
قد تُطرح مشاكل أخرى أيضًا تتطلّب المعالجة، مثل وضع برنامج ملائم لحماية الشهود، فاحيانًا يصعب جدًّا على أشخاص كانوا من أتباع الزعيم الأعلى، الّذي قد يكون أيضًا القائد الأعلى للقوات المسلّحة، أو غيره، أن يقفوا ويشهدوا ضدّ هؤلاء الأشخاص. لذلك فمن الضروري وضع أنظمة الحماية الملائمة في هذا الصدد.
ليزا جمهوري: يمكن لمستمعينا أن يعرفوا أكثر عن كتاب كايتلن رايجر "محاكمة رؤساء الدول" وعن برنامج العدالة الجنائية للمركز الدولي للعدالة الانتقاليّة على العنوان الالكتروني التالي: www.ictj.org. وشكرًا على حسن إصغائكم.
كايتلن رايجر: شكرًا