بعد عشر سنوات، لا يزال المركز الدولي للعدالة الإنتقالية يعمل على تطوير مجال العدالة الإنتقالية

06/10/2011

فيما يحتفل المركز الدولي للعدالة الإنتقالية بعيده العاشر ومساهمته المستمرة في تطوير مجال العدالة الإنتقالية، ها نحن نتطلّع إلى التزام مستمر في المستقبل مع الشركاء والمجتمعات التي تسعى إلى تخطي إرث الإنتهاكات الجماعية والقمع. بعد مرور عشر سنوات، بتنا نعمل في عالم يُدرك أكثر فأكثر كلفة الفشل في الإنتقال من النزاع وانتهاك حقوق الإنسان إلى سيادة القانون والمساواة في الحقوق لكافة المواطنين، فضلاً عن إدراك التعقيد المتزايد الكامن في تحقيق ذلك.

ويتعلّم صانعو السياسات والممارسون ومجموعات المجتمع المدني وغيرهم من اللاعبين الأساسيين في عمليات الإنتقال عبر العالم أن المحاسبة على الجرائم الخطيرة، والحقيقة بشأن الماضي المشحون، وإصلاح المؤسسات، وجبر الضرر الملائم للضحايا، جميعها مسائل متصلة إلى حدّ كبير بعناصر أساسية كامنة في عملية الإنتقال الناجحة: الأمن والتنمية والحكم الرشيد. فالعدالة الإنتقالية لا تقدّم الحلول السريعة والعلاج العجائبي للمجتمعات المتأثّرة بسنوات من العنف والإنتهاكات، ولكنّها أساسية في ضمان الإستقرار الطويل الأمد ومنع تكرار النزاعات. هي تكمن في بناء الثقة بين المواطن والدولة كمزوّد لحقوق الإنسان وضامن لها، كما تشهد جميع أنشطة ومشاريع المركز الدولي للعدالة الإنتقالية.

فالفكرة القائلة بأن الإنتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان التي لم تتم معالجتها تشكّل إهانة للعدالة – ولكن أيضاً تهديداً للأمن والتنمية والحكم الرشيد – هي الأساس الذي يبدأ بموجبه المركز الفصل المقبل في تاريخه. وتشكّل التغيّرات الحاصلة في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مثالاً واضحاً على أهمية العدالة الإنتقالية في عالم اليوم. فالمحتجّين في "الربيع العربي" يبحثون عن الفرص والأمن، لكن أيضاً العدالة والكرامة.

في مصر، حيث أطاحت الثورة الشعبية التي شنّها مئات الآلاف من المطالبين بالعدالة بنظام حسني مبارك الدكتاتوري، تَشارَك المركز مع مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان لتنظيم، في شهر أكتوبر، لقاء كبير للمختصين في مجال العدالة الإنتقالية من شتّى أنحاء العالم مع نظرائهم المصريين. والهدف من هذا الحدث هو تقديم نهج كلي للعدالة في المجتمعات الإنتقالية ومناقشة الدروس المستخلصة من سياقات مختلفة وكيفية إفادتها للمصريين في تطوير السياسات والآليات لمعالجة إرث حكم مبارك.

وستكون الأحداث التاريخية الأخيرة في مصر أساسية في محاضرة إميليو مينيوني السنوية حول العدالة الإنتقالية التي ينظّمها المركز الدولي للعدالة الانتقالية بالتعاون مع مركز حقوق الإنسان والعدالة في كلية الحقوق لدى جامعة نيويورك. وهذا الحدث الريادي سيشارك فيه هيلين كلارك، مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وحسام بهجت، المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أحد قادة الثورة الشعبية في مصر. وسوف يتم النظر في العلاقة بين العدالة والتنمية، مع تركيز خاص على التغيّرات في المنطقة.

وستكون الروابط بين العدالة والأمن والتنمية في صلب مناقشة رفيعة المستوى ستدور في اليوم التالي للمحاضرة، يشارك في استضافتها المركز والوزارة الفدرالية للشؤون الخارجية في سويسرا. وسوف تتناول المناقشة كيفية تنفيذ توصيات تقرير التنمية في العالم الذي يربط للمرة الأولى العدالة الإنتقالية بالأمن والتنمية ويضع انتهاكات حقوق الإنسان في صلب تحليل النزاعات وينظر في ما يمكن للدول القيام به من أجل تفادي دورات العنف التي تسبّب المعاناة وتعرقل التنمية.

وشارك المركز الدولي للعدالة الانتقالية في عملية إعداد تقرير التنمية العالمي عبر ورقة تتناول الخلفية، كما شارك في المشاروات وزوّد بالتعليقات خلال عملية صياغة التقرير. وقاد جهود المركز وحدة الأبحاث فيه وهي ستشرع في مشروع بحثي ذات أهمية بالغة – العدالة في سياق: العدالة الإنتقالية ونماذج الدولة والنزاع. وإن الهدف الرئيسي للمشروع – الذي سوف ينطلق في نهاية العام خلال حدث كبير يجمع خبراء رياديين ليس في مجال العدالة الإنتقالية وحسب، ولكن أيضاً الأمن والتنمية – هو التفكير في الشروط المؤسسية المسبقة ونتائج العدالة الإنتقالية في سياقات جديدة ولا مثيل لها. وقدّ سلّطت الأبحاث السابقة للمركز الضوء على الحاجة إلى تعزيز الروابط بين العدالة الإنتقالية وأشكال أخرى من تدخّلات السياسات: فالعدالة الإنتقالية هي عنصر مهم ضمن عمليات التحوّل السياسي ولكنّها لا تستنفذ أجندة الدول الخارجة من القمع أو النزاع.

وترتكز خبرات المركز على الدروس المستخلصة من تدابير العدالة الإنتقالية المنفّذة في مختلف السياقات وكيفية تأثيرها على العمليات الجارية أو المستقبلية. وسيتم النظر في مجموعة من هذه الدروس في جلسة بعنوان "وقع محكمتي يوغوسلافيا ورواندا، دروس للمحكمة الجنائية الدولية"، يشارك في تنظيمها المركز الدولي للعدالة الانتقالية وبرنامج الشؤون العالمية في جامعة نويورك في نهاية شهر نوفمبر. وستتناول الجلسة التي يحاضر فيها رئيس المركز، ديفيد تورلبرت، وريشارد غولدستون، قاضٍ ومدّعي سابق في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا وفي المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة، وديان أورنتليشر، وهي عالمة تعمل حالياً لدى مكتب شؤون جرائم الحرب في وزارة الخارجية الأميركية، وقع المحكمتين المختصتين في المجتمعين المعنيين، والدروس الممكن استخلاصها من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

وبعد مؤتمر استعراض المحكمة الجنائية الدولية في كامبالا في 2010 تبوأ مبدأ التكامل الصدارة. ونظّم المركز اجتماعاً رفيع المستوى في غرينتري في نيويورك في أكتوبر 2010 لتعزيز المناقشة السياسية والدعم لمفهوم التحقيق والإدّعاء المحلي في الجرائم الخطيرة، تحت عنوان التكامل. وقد جمع الإجتماع للاعبين في مجال العدالة الدولية سوياً مع اللاعبين في مجال التنمية وسيادة القانون للمرة الأولى.

ويشارك اليوم المركز مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تعميق الحوار حول التكامل بين اللاعبين الرئيسيين في مجالات العدالة الدولية وسيادة القانون والتنمية. وسينعقد اجتماع ثاني في غرينتري في ديسمبر/كانون الأول بمشاركة حكومات مانحة ومتلقية أساسية، وهيئات الأمم المتحدة، ووكالات التنمية الثنائية، ومؤسسات مالية دولية ومنظمات غير حكومية. وسيركّز الإجتماع في مزيد من التفاصيل حول كيفية تعزيز عمليات التحقيق والملاحقة القضائية المحلية في حالات خاصة، كما هي الحال في مبادرات في بلدان مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا، ولكن أيضاً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

بعد مرور عشر سنوات، وفيما يخطو المركز خطوات جديدة في تعزيز المعرفة بشأن العدالة الإنتقالية، لا زلنا نتعلّم من عَمَلنا ومن الدروس المستخلصة في أكثر من ثلاين دولة حول العالم. ومن أجل جعل خبراتنا متاحة لكن من يجدها مفيدة، سوف نُشارك مضمون فعاليات الاحتفال بعيدنا العاشر مع الأصدقاء والجماهير في كلّ مكان، بشتّى الأشكال ومختلف اللغات.

الصور، من اليسار إلى اليمين: مقيم في وسط تونس يلوّح خلال مظاهرة أمام القصر الحكومي يناير 2011 (FETHI BELAID GETTY IMAGES)-صورة جدارية لطفل جندي في غرب أفريقيا (Fiach Molloy)- شيم ماث، 49 سنة، كمبودية ناجية من سجن الخمير الحمر s-21 تبحث عن صورتها بين صور ضحايا الخمير الحمر المعروضة في متحف توول سلينغ للإبادة الجماعية (Mak Remissa/ Corbis)- الرئيس الليبيري السابق شارلز تايلور جالس في قاعة المحكمة الجنائية الدولية (EPA, UNITED PHOTOS / ROBIN VAN LONKHUIJSEN/POOL)-بوينوس أيرس، نورا كورتينياس، عضو مؤسس في جمعية أمهات ساحة مايو، تحمل صورة لابنها، غوستافو، المفقود عام 1976(Marcos Brindicci- Reuters).