التومي: الليبيون يريدون تحقيق العدالة أمام القضاء الليبي

06/01/2012

سعياً منه لتعزيز الحوار حول ضمان محاسبة المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية، أطلق المركز الدولي للعدالة الانتقالية سلسلة خاصة من التسجيلات "البودكاست" تتناول مبدأ التكامل – وهو المبدأ الذي يرسي المسؤولية عن مقاضاة مرتكبي الجرائم الخطيرة على المستوى الوطني. وفي اجتماع رفيع المستوى، عُقد في غرينتري في نيويورك، تحدث المركز الدولي مع باقة من الشخصيات العالمية المرموقة في مجال العدالة.

أما أول بودكاست فقد تضمن أسئلة تتناول سبل المضي قدماً في تحقيق مبدأ التكامل، والدور المنوط بالمحكمة الجنائية الدولية ووكالات التنمية في تحقيق المحاسبة عن الفظائع الجماعية على المستوى الوطني.

وفي ثاني بودكاست تحدثنا مع طارق التومي، مدير برنامج المنظمة غير الحكومية "محامون من أجل العدالة في ليبيا"، حول قدرة القضاء الليبي على معالجة الإرث الذي خلفه الحكم الديكتاتوري للقذافي، والدور الذي يمكن للمحكمة الجنائية الدولية النهوض به لتيسير هذه العملية.

وقال التومي إن الأسلوب الذي استُخدم به القضاء إبان الحكم الديكتاتوري قد أفقد المواطنين الليبيين الثقة فيه؛ كما أن نقص التدريب المهني في ظل هذا النظام أدى إلى افتقار جانب كبير من قطاع القضاء إلى المهارات الأساسية، مثل إجراء المقابلات مع ضحايا التعذيب أو مع أشخاص زُعم أنهم ارتكبوا فظائع.

غير أنه استدرك قائلاً "إذا توفرت المساعدة الفنية الملائمة، واتخذت المبادرات الصحيحة لبناء القدرات من جانب المجتمع الدولي – أي من جانب المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة والمجتمع الإنمائي الدولي – بالإضافة إلى المحامين الليبيين في الشتات، فمبقدورنا مساعدتهم في تنمية قدراتهم على النحو الذي يمكنهم من التصدي للتحديات التي تواجهها ليبيا فيما بعد الثورة".

وفي معرض حديثه عن دور المحكمة الجنائية الدولية في ليبيا في حقبة ما بعد الديكتاتورية، أكد التومي بشكل مباشر على أهمية استخدام مبدأ التكامل:

وقال التومي "إن دور المحكمة الجنائية الدولية هو تقييم مدى استعداد القضاء الليبي وقدرته على محاكمة سيف [الإسلام القذافي] وعبد الله السنوسي*، ولا شك في توفر استعداد القضاء. أما في حالة غياب القدرة، فبالإمكان أن يكون دور المحكمة الجنائية الدولية هو حشد إمكانياتها على أرض الواقع لدعم قدرة القضاء الليبي على إجراء المحاكمة".

وفي البودكاست القادم، سوف نتحدث مع بينتا مانساراي، رئيس قلم المحكمة الخاصة بسيراليون، حول التحديات والفرص المرتبطة بتطبيق مبدأ التكامل في سيراليون.

للاستماع الى البودكاست:

[تنزيل](/sites/default/files/El_Tumi_ICTJ_Podcast_01022012.mp3) | المدة: 8:00دقيقة | حجم الملف: 4.6MB

وفي البودكاست القادم، سوف نتحدث مع بينتا مانساراي، رئيس قلم المحكمة الخاصة بسيراليون، حول التحديات والفرص المرتبطة بتطبيق مبدأ التكامل في سيراليون.

*في 27 يونيو/حزيران 2011، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمراً بالقبض على كل من سيف الإسلام القذافي وعبد الله السنوسي، رئيس جهاز المخابرات الليبي السابق، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية زُعم أنها وقعت أثناء الحراك من أجل الديمقراطية الذين شهدته البلاد.

الصورة: ابتهاج في وسط بنغازي 3 نيسان/ ابريل 2011. المصدر Eivind H. Natvig/MOMENT.

في ما يلي النص الكامل للبودكاست

المتحدّثون: رفيك هودزيك، المركز الدولي للعدالة الانتقالية؛ وطارق التومي، منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا".

رفيك هودزيك: أهلاً بكم في هذه السلسلة من تسجيلات البودكاست التي أعدها المركز الدولي للعدالة الانتقالية. اليوم يسرنا أن نتحدث إلى طارق التومي، مدير برنامج بمنظمة "محامون من أجل العدالة"، وهي منظمة غير حكومية في ليبيا؛ وسوف نتناول قضايا تتعلق باجتماع غرينتري الذي شارك فيه لفيف من الشخصيات رفيعة المستوى لبحث تنفيذ مبدأ التكامل. السيد طارق التومي، مرحباً بك في هذا البودكاست للمركز الدولي للعدالة الانتقالية.

طارق التومي: شكراً لك؛ بكل سرور.

رفيك هودزيك: إن المجتمع الليبي، كما نعلم، يواجه الآن مهمة جسيمة تتمثل في معالجة الإرث الثقيل الذي خلفته عقود من الحكم الديكتاتوري لمعمر القذافي، فضلاً عن الصراع الذي أدي إلى الإطاحة به. كيف تقيم قدرة القضاء الليبي على قيادة هذه العملية؟

طارق التومي: لقد أثرت ممارسات نظام القذافي على وضع القضاء الليبي إلى حد أفقده ثقة الكثير من المواطنين الليبيين؛ ومن ثم فإن التحديات الماثلة أمامه جسيمة. ولكن هذا لا يعني أنها تستعصي على الحل. فإذا نظرنا إلى البنية الأساسية للقضاء الليبي حالياً، لوجدنا أنها طُمست تقريباً من حيث مقوماتها الفعلية، ولو أنها لم تكن جيدة أصلاً قبل الثورة. ومما لا شك فيه أن ليبيا غنية بألمع المفكرين القانونيين في مجال المحاماة وفي سلك القضاء؛ وهناك ممارسات بحاجة لإعادة النظر فيها، وذلك بسبب نقص التدريب المهني في ظل نظام القذافي. ولكني أعتقد أنه إذا توفرت المساعدة القانونية الملائمة، واتخذت المبادرات الصحيحة لبناء القدرات من جانب المجتمع الدولي – أي من جانب المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة والمجتمع الإنمائي الدولي، بالإضافة إلى أشخاص مثلي وزملائي في منظمتنا، والمحامين الليبيين في الشتات - فمبقدورنا مساعدتهم في تنمية قدراتهم على النحو الذي يمكنهم من التصدي للتحديات التي تواجهها ليبيا فيما بعد الثورة.

رفيك هودزيك: ما هو النوع من الخبرة الفنية التي أشرت إليها مما تعتقد أنها ضرورية لتمكين القضاء الليبي من التعامل مع الجرائم الخطيرة؟

طارق التومي: أعتقد أننا بحاجة للبدء في إمعان النظر في الملف الجنائي برمته، على سبيل المثال؛ فلا بد أن يمتد ليشمل أجهزة الأمن حتى يتبين لهم كيف ينبغي تطبيق الإجراءات الجنائية الصحيحة. ويجب تدريب وكلاء النيابة الليبيين على أساليب التحقيق، وأساليب جمع الأدلة، واستجواب الشهود. ومن ثم ينبغي إجراء تدريبات تكميلية للقضاة الليبيين على كيفية تحليل وتقييم ذلك النوع من الأدلة، وتلك الأنواع من التحقيقات. وكثير من هذا يعتمد على المهارات الأساسية العامة، وقد عقدت منظمة "المحامون من أجل العدالة في ليبيا" حلقة تدريبية في تونس في نهاية سبتمبر/أيلول، حيث قمنا بتدريب 30 من المحامين والقضاة ووكلاء النيابة الليبيين على قانون حقوق الانسان الدولي ولكننا أجرينا أيضاً عدداً من التدريبات العملية، ولمسنا غياب مهارات أساسية من قبيل استجواب ضحايا التعذيب، أو استجواب أشخاص متهمين بارتكاب الفظائع. كما أن التدريب الأكاديمي سوف يكون هو الآخر مفيداً في توعيتهم بمبادئ قانون حقوق الإنسان الدولي، وكيفية تطبيقه إلى جانب القانون الليبي.

رفيك هودزيك: نحن ندرك أن هناك قضية قائمة أمام المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بليبيا؛ وأن كلاً من سيف الإسلام القذافي ورئيس المخابرات السابق السنوسي قابعان رهن الاعتقال حالياً؛ فما هو في رأيك دور المحكمة الجنائية الدولية في السياق الليبي؟

طارق التومي: لقد أشاد الشعب الليبي بالمحكمة الجنائية الدولية باعتبارها منقذة له، في اعتقادي، عندما أحيلت القضية إلى المحكمة في وقت قياسي، وعندما أصدرت المحكمة قراري الاتهام لاحقاً. ولكني أعتقد أنه ثمة شعوراً واسع النطاق بخيبة الأمل إزاء عمل المحكمة الجنائية الدولية في ليبيا، بسبب فشلها في حشد جهودها لجمع أدلة قيمة، ربما تكون قد ضاعت وتبددت الآن، كما اهتزت مكانتها بسبب إخفاقها في العمل على نحو وثيق مع المحامين والحقوقيين الليبيين والحكومة الليبية. وبالتالي فإنني أعتقد أن دور المحكمة الجنائية الدولية هو بالطبع تقييم مدى استعداد القضاء الليبي وقدرته على محاكمة سيف الإسلام القذافي وعبد الله السنوسي. الاستعداد متوفر بلا شك أما القدرة فقد تكون أو لا تكون اختباراً ذاتياً، ولكن بقدر ما تكون هذه القدرة ناقصة، فبالإمكان أن يكون دور المحكمة الجنائية الدولية هو دعم أو تعزيز قدرة القضاء الليبي على محاكمة هذين الشخصين. والشعور السائد لدى الأغلبية الساحقة من المواطنين الليبيين هو أنه ينبغي إخضاع هذين المتهمين لعدالة ليبية وعقاب ليبي، ولاسيما عقوبة الإعدام، وهو الأمر الذي يبعث على القلق لأنهما لا يزالان رهن الاعتقال منذ عدة أسابيع، ولا نعرف بعد ما هي التهم الموجهة إليهما. ولكن ينبغي أن يكون واضحاً أيضاً أن هناك رأياً يقول إنه قد يكون من المعقول تقديمهما للمحاكمة في لاهاي تجنباً لأي عواقب يمكن أن تنشأ عن محاكمتهما في ليبيا. قد تكون [هذه العواقب] زعزعة الاستقرار في البلادأو سياسية أو أأمنية، أو خطر السخرية من المحكمة وتقويض شرعية القضاء الليبي في أذهان المواطنين الليبيين.

رفيك هودزيك: هل تعتقد أن هناك دوراً للمحكمة الجنائية الدولية في دعم القدرة الوطنية من حيث تقديم المساعدة والخبرة، كما قلت، لتعزيز هذا الجهد بهدف تنفيذ مبدأ التكامل؟

طارق التومي: نعم؛ أنا أعتقد ذلك، كما أرى أنه ينسجم مع مبدأ التكامل. وفقاً لهذا المبدأ، تُعدُّ المحكمة الجنائية الدولية بمثابة الملاذ القضائي الأخير؛ وبقدر ما تكون لهذه المحكمة قناعة بتوفر القدرة في ليبيا على تقديم سيف الإسلام والسنوسي لمحاكمة عادلة ومنصفة، فإذا ما انتهت إلى هذا القرار، فلا ينبغي أن تكون ثمة عقبات تحول دون تقديم المساعدة الفنية ، مما يعزز الجهود الرامية لتحقيق ذلك الهدف.

رفيك هودزيك: وأخيراً، ها نحن قد اجتمعنا هنا في غرينتري لبحث دور الوكالات الإنمائية في تطبيق مفهوم التكامل. كيف ترى هذا الدور، وما الذي تتوقعه من هذا الاجتماع؟

طارق التومي: إنني أرى دور الوكالات الإنمائية فيما يتعلق بمبدأ التكامل باعتباره دوراً يقرِّبها من المجتمع القضائي، والمجتمع الدولي، والمجتمع الذي ينصبُّ اهتمامه إلى تطبيق سيادة القانون. وأعتقد أن هذا العمل يكمل بعضه بعضاً على خير وجه. أود أن أرى ذلك [يتحقق] في ليبيا من خلال تزويد الزكالات الإنمائية المساعدة المباشرة الى المهن القانونية وأعضاء القضاء الليبي. وبهذه الطريقة يتم تعزيز سيادة القانون بطريقة فعالة ومباشرة.

رفيك هودزيك: طارق التومي، لقد سعدنا كثيراً باستضافتك في هذه الحلقة من تسجيلات البودكاست للمركز الدولي للعدالة الانتقالية؛ ولك منا جزيل الشكر.

طارق التومي: هذا شرف لي. شكراً لكم.

رفيك هودزيك: شكراً.