آفاق جديدة للسلام والاستقرار: العدالة الانتقاليّة وسيادة القانون

21/05/2012

تهدف العدالة الانتقاليّة، في جوهر قضيتها، إلى "فتح آفاق لمستقبل من السلام والاستقرار." فبالنسبة إلى الدول التي لديها ماضٍ من العنف والقمع – وهو ما ينطبق على معظم البلدان – يشكّل تطبيق إجراءات البحث عن الحقيقة، والعدالة الجنائيّة، وجبر الضرر، وإصلاح المؤسسات أُساسًا لإرساء ثقافة من العدالة والاحترام لسيادة القانون.

تلك كانت الرسالة الأساسيّة في حلقة النقاش غير الرسميّة التي استضافها المركز الدولي للعدالة الانتقاليّة والبعثتان الدائمتان لسويسرا وتونس في 7 أيّار/مايو، حول العلاقة بين العدالة الانتقالية وسيادة القانون.

في مداخلته، حدّد رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية ديفيد تولبرت الدور المركزي الّذي يجب على العدالة الانتقالية الاضطلاع به في الحوارات حول سيادة القانون. في مجتمع اختبر انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الانسان، "يجب التعامل مع الماضي، والاعتراف بالضحايا، وتبيان الحقيقة، وإصلاح المؤسسات"، على حدّ قوله. فإذا لم يحصل ذلك، ما من أساس لسيادة القانون.

تابع تولبرت قائلاً إنّه حيث تفشل المجتمعات في معالجة الماضي، يرتفع احتمال تجدد أعمال العنف والانتهاكات. في مقابل ذلك، نجد أيضًا أمثلة عن بلدان خرجت من النزاعات أو من الأنظمة القمعيّة وأنشأت أنظمة قويّة لسيادة القانون. في هذا الصدد، تُعتبر الأرجنتين على سبيل المثال واحدة من حالات عديدة أسست فيها عملية منسقة للعدالة الانتقاليّة لاستتباب الأمن وأنظمة سيادة القانون.

"لا تُبنى سيادة القانون بسواعد هؤلاء الّذين ارتكبوا الجرائم."
    أمّا تونس حيث لا يزال المسار في بدايته، فقد أظهرت أيضًا التزامًا باتخاذ عدد من الإجراءات الانتقاليّة- من تحقيقات ومحاكمات، ولجان تحقيق في قضايا الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، وإجراءات التعويض للضحايا، وذلك لإعادة الثقة بالحكومة وسيادة القانون.

تشكّل العدالة ركيزة لأيّ عمليّة انتقاليّة، بحسب ما شرح نائب المندوب الدائم لتونس نجم الدين الخال. يعي الشعب التونسي أنّ البحث عن الحقيقة، واتخاذ تدابير لجبر الضرر، والعدالة الجنائيّة، وإجراءات إصلاح المؤسسات، هي استثمار في تأسيس مجتمع مسالم.

وختم تولبرت قائلا: "لا تُبنى سيادة القانون بسواعد هؤلاء الّذين ارتكبوا الجرائم". إذ يجب أن تُنشأ على الحقيقة، والعدالة، ومبادئ المحاسبة.

في أولى مقابلات بابلو دي غريف بعد تعيينه في منصب المقرر الخاص المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة والجبر وضمانات عدم التكرار، يُعطي لمحة عن ولاية هذا المنصب الّذي أُنشئ حديثًا ودوره المساهم في تعزيز حكم سيادة.

أنيطت بهذا المنصب الجديد مهمّة "التعامل مع الأوضاع التي وقعت فيها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وانتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي". ونظرًا لاتساع نطاق هذه الولاية الطموحة، شدّد على أنّ "أيّ نجاح سيتحقق لن يكون نتيجة جهد فرديّ بل جماعي."

وتابع قائلاً إنّ أنواع الآليّات الأربع التي حدّدتها الولاية، أي الحقيقة، والعدالة، والجبر، وضمانات عدم التكرار، يجب ألاّ تؤخذ بالاعتبار كاستراتيجيّات منفصلة لمعالجة الماضي، وإنّما كأجزاء من جسم واحد. يتطلّب تعقيد الأوضاع التي تُطبّق فيها آليّات العدالة الانتقاليّة وحجمها- أي المجتمعات التي اختبرت انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان أو للقانون الإنساني – مزيجًا شاملا من هذه التدابير.    
"إذا كان من الممكن انتهاك الأعراف الأساسيّة والإفلات التام من العقاب، من الصعب أن نتوقّع من المجتمع أخذ سيادة القانون على محمل الجدّ."

تمّ التشديد على هذه النقطة في تعليقات أدلى بها أحد ممثل البعثة الدائمة لرواندا، الّذي أوضح كيف أنّ جسامة الإبادة الجماعيّة المرتكبة في رواندا عام 1994 جعلت من إجراءات العدالة الجنائيّة التقليديّة غير كافية. فمع سقوط أكثر من مليون ضحيّة، واعتقال 250 ألف شخص ونفي عدد أكبر ، أشارت التقديرات الى أنّ محاكمة جميع الضالعين سيستغرق أكثر من 100 عام.

شكلت محاكم غاشاشا، وهي عبارة عن نظام قضائي شعبي طُبِّق بعد الإبادة، منتدىً طُلب فيه من الجميع تشاطر خبراتهم للمساهمة في رسم صورة شاملة للفظائع المرتكبة. عندئذٍ "صارت الحقيقة هي العدالة"، كما شرح ممثل بعثة روندا.

انطلاقًا من هذا التركيز المتزايد على تعزيز سيادة القانون، أصدر الأمين العام للأمم المتّحدة في وقت سابق من هذا العام تقريرًا جديدًا بعنوان "إقامة العدل" يسعى أن يكون برنامج عمل للأمم المتّحدة. وأعطى مدير وحدة سيادة القانون في المكتب التنفيذي للأمين العام للأمم المتّحدة إدريك سيلوس لمحة عن هذا التقرير الجديد.

قال سيلوس في هذا السياق إنّ الغاية الأساسية من هذا التقرير تكمن في تطوير وتعزيز مجال العدالة الانتقاليّة كنظام يمكن من خلاله إرساء قاعدة لمجتمعات عادلة ومسالمة.

"يستند نظام العدالة الجنائيّة الدولية إلى تطبيق العدالة وممارسات سيادة القانون على المستوى الوطني."
    ثم شرح قائلا إنّ نظام العدالة الجنائيّة الدولية يستند إلى تطبيق العدالة وممارسات سيادة القانون على المستوى الوطني. أما البلدان التي تواجه إرثًا من الفظائع الجماعية، فلا يتمّ فيها تحقيق ذلك من خلال العدالة الجنائيّة وحسب. كما يحدد التقرير تدابير أخرى للعدالة الانتقاليّة تشكّل قاعدة لتحقيق المحاسبة، مثل بعثات تقصّي الحقائق ولجان الحقيقة.

ختم سيلوس بالتذكير أن إصدار هذا التقرير سيليه اجتماع رفيع المستوى في أيلول/سبتمبر لمناقشة كيفيّة تنفيذ توصياته. وستُشجّع الدول على القيام بتعهدات فرديّة بالاستناد إلى أولويّات سيادة القانون لديها. وقد ينطوي ذلك على تنفيذ نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائيّة الدوليّة، أو مساعدة دول أخرى على تعزيز القدرة الوطنيّة على معالجة قضايا الجرائم الدوليّة، أو تنفيذ آليّات العدالة الانتقاليّة لضمان المحاسبة على الفظائع المرتكبة في الماضي.

الصورة: إمرأة تشارك في تظاهرة في وسط مدينة تونس العاصمة، 19 كانون الثاني/يناير، 2011، نشرت بإذن من هولي بيكيت.