يوم العدالة الجنائية الدولية يذكرّنا: لا كرامة بدون محاسبة

17/07/2012

بقلم بول سيلز*

بينما نحتفل بيوم العدالة الجنائية الدولية في 17 تموز/يوليو وفق ما أقرّته الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية منذ حوالي العامين، يجب أللا نحصر تركيزنا بعمل المحاكم او بالعدالة الجنائية فقط.

من المهم جداّ أن يكون لدينا مفهوماً أوسعاً لكيفية تحقيق العدالة في أعقاب الفظائع المرتكبة كما علينا أن نعي ضرورة القيام بذلك. يقدّم السعي الى تحقيق العدالة في هذه الظروف فرصة للقيام بثلاثة أمور: إعادة التأكيد على قيم المجتمع المشتركة حول الخطأ والصواب، وإعادة الثقة بمؤسسات الدولة الموكل إليها حماية الحقوق الأساسية والحريات، والاعتراف بالكرامة الانسانية لضحايا الفظائع التي ارتكبت.

تلعب العدالة الجنائية دورأ محورياً في تحقيق هذه الأهداف غير أن السبل لانجازها لا تقتصر على الملاحقات القضائية فقط بل تشمل أيضاً القيام بمجموعة من الاجراءات التي تضمن عدم إمكانية نكران أنماط الاساءات التي حصلت ومعرفة الحقيقة. ويجب أن تشمل الاجراءات محاكمة الذين تقع عليهم المسؤولية الأكبر ]عن الجرائم[، ومنح التعويضات المادية والرمزية الممكنة للضحايا، وإصلاح المؤسسات التي تسودها الشوائب من أجل إقالة المسيئين وضمان عدم تكرار هكذا ممارسات.

"تكمن العدالة في الاعتراف الأساسي بكرامة الذين عاشوا المعاناة."
    خلال السنوات العشرين الماضية، تعلّمنا المزيد عن كيفية تحقيق هذه الأمور بفعالية أكبر، لكننا لا نزال في أسفل الجبل. الحقيقة الواحدة التي ثبتت مرة تلو الأخرى هي أن المفتاح الى العدالة ليس فقط الكلام او المحاكمات الظرفية أو لجنة الحقيقة التي تنشأ لمرة واحدة؛ إنما الاعتراف الأساسي بكرامة الذين عاشوا المعاناة. عندما نأخذ هذه المسائل على محمل الجدّ، تأتي الأمور اللاحقة بسهولة.

قطعت عملية السعي الى تحقيق العدالة شوطاً كبيراً خلال العقود الماضية، وبذلك ازدادت إمكانية حماية الحقوق الأساسية والحريات في مختلف أنحاء العالم مقارنةً بما كانت عليه في السابق. فهؤلاء الضالعين في عمليات القتل الواسعة النطاق والتعذيب والاغتصاب والاخفاء والتجويع المنهجي أصبحوا تحت المجهر لبعض الوقت وعليهم أللا يتوقعوا أن يُفلتوا من العقاب.

يوم العدالة الجنائية الدولية هو بجزء منه إعادة الالتزام بالوعد الذي قطعه المجتمع الدولي للضحايا بأن هكذا جرائم لن تتاق. إنه اليوم الذي نستطيع فيه جميعاً إعادة التأكيد على المفاهيم الأساسية للخطأ والصواب التي تتخطى الايديولوجيات؛ وبأنه من غير المقبول أبداً أن تخفي شخصاً لأنه لا يتّفق معك في رأيك السياسي، أو أن تعمد الى اغتصاب فتاة لأن آمِرك أخبرك أن ذلك نوع المكافئة المالية، أو أن تقوم بتعذيب سجين لأن زملائه هاجموا زملائك. .

هذه قواعد ذات معيار متدن بشكل رهيب، ومع ذلك نرى أنفسنا في مرات عديدة ندافع عنها. الخبر السار هو أن المحاسبة تتحوّل بصورة أكيدة ولو ببطء الى واقع حقيقي. ولا يأخذ هذا الفهم لمسألة المحاسبة شكل المحاكمات الجنائية فقط إذ تم أيضاً إنشاء خمسين لجنة حقيقة ووضعت دول عديدة برامج لجبر الضرر (وإن كانت تسودها الشوائب) وتم العمل على إصلاح الشرطة والقضاء وقطاعات الأمن والمخابرات.    
"الخبر السار هو أن المحاسبة تتحوّل بصورة أكيدة ولو ببطء الى واقع حقيقي."

مما لا شك فيه أنه سيظهر مزاعم بأن العدالة الدولية تحوّلت الى نوع من الاضطهاد السياسي للدول الافريقية. يجب ألا ندع هذه الحجة تحجب واقع أن تقدماً حقيقياً قد أنجز على صعيدي المحاسبة وفهمنا المعقد لما يعنيه ذلك للمجتمعات التي تواجه إرثاً من الانتهاكات الماضية

ليس هذا المقال بالمكان المناسب لمواجهة الحجج القائلة بأن المحكمة الجنائية الدولية "تركّز على افريقيا." ولكن دعونا نفكر للحظة ليس بالقادة الافريقيين الذين يطلقون هذه المزاعم، بل بالضحايا الافريقيين الذين لا يسمح لهم بإسماع صوتهم. بالطبع يجب أن نستنكر ونحارب المعايير المزدوجة التي تسمح لقادة الدول القوية بالإفلات من العدالة، ولكن إن كان ذلك سيعني التخلي عن النضال من أجل حق الضحايا في افريقيا بالعدالة، فسيكون الرابح الوحيد القادة العنيفين للدول القوية والضعيفة على حد سواء. فضحايا الجرائم المرتكبة في افريقيا لهم الحقوق نفسها التي للضحايا في كل مكان. كرامة الطفل المجنّد إجبارياً في جمهورية الكنغو الديمقراطية هي نفسها كرامة الذين اختفوا في الأرجنتين في السبعينيات وسكان المايا الذين ذُبحوا في الثمانينيات والذين قُتلوا وعُذبوا في مخيم أومارسكا في البوسنة والهرسك في التسعينيات.

"العدالة الجنائية لوحدها أداة محدودة التأثير، ولكنّها تبقى جزءً أساسياً من المعادلة."
    ويبقى الردّ على هذه الفظائع المرتكبة معقداَ في مختلف أنحاء العالم. غير أننا نتقدّم في فهمنا لهذه المعضلات بشكل أفضل وفي معرفة الفرص المتاحة أمام المجتمعات لإعادة البناء على قاعدة أخذ كرامة الضحايا على محمل الجدّ. العدالة الجنائية لوحدها أداة محدودة التأثير، ولكنّها تبقى جزءً أساسياً من المعادلة. يساعدنا العمل معاً من أجل الحقيقة وجبر الضرر والإصلاح على ضمان عدم تكرار هكذا فظائع.

نحتفل اليوم بالتقدم المحرز في النضال من أجل العدالة. نتذكر المصاعب التي واجهناها للوصول لما نحن عليه اليوم، والأرواح التي فُقدت والنضال الدائم وغير المنظور الذي يستمر به كثيرون اليوم. نعيد التأكيد على المطالبة بالعدالة والاعتراف الأساسي بالخطأ والصواب وبإدراك أنّه لا كرامة بدون محاسبة.

*بول سيلز هو نائب رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية. تم نشر هذه المقالة باللغة الإنكليزية على موقع الجزيرة في 17 تموز/يوليو 2012.