إشراك الأطفال والشباب في العدالة الانتقالية

26/11/2012


"لديّ ما أقوله... أرجوكم ألّا تنسوني."

-تصريح شاهد في التاسعة عشرة من عمره للجنة الحقيقة والمصالحة الخاصة بالسيراليون

يعدّ الأطفال والشباب من بين أكثر الفئات المستضعفة التي طالها العنف من جرّاء النزاعات المسلحة أو الانتهاكات الجسيمة المرتكبة من الأنظمة القمعية. إذا أصبحت انتهاكات حقوق الإنسان الأساسية هي القاعدة السارية في المجتمع، قد تتفكك خبرة الطفل اليومية في مجال التعلم والأسرة واللعب، مما يجعله عرضة بشكل بالغ للإيذاء البدني والصدمات النفسية والتشرّد والتجنيد من قبل الفصائل المسلحة أو غيرها من أشكال الاستغلال.

وفي المرحلة التي تلي الاضطرابات الاجتماعية، غالباً ما تغيب أصوات الأطفال والشباب عن مفاوضات السلام والعمليات الانتقالية اللاحقة. وعلى الرغم من أنّه يجب أن يتلقى الأطفال والشباب الرعاية الملائمة والتأهيل اللازم، إلا أنّه ينبغي ألّا يتم النظر إليهم كمجرّد ضحايا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان: فهم أعضاء حاملو حقوق في مجتمع يحاول أن يواجه الماضي ومشاركون فاعلون أيضاً في عملية التغيير الاجتماعي التي تهدف إلى بناء مستقبل جديد. ويصبّ في مصلحة الأطفال والشباب وكذلك في مصلحة المجتمعات التي يعيشون فيها، أن يتمّ إشراكهم في عمليات العدالة الانتقالية الهادفة إلى إعادة سيادة القانون والثقة المدنية في المجتمعات التي ينتمون إليها.

ويشدد المركز الدولي للعدالة الانتقالية بمناسبة يوم الطفل العالمي الأسبوع الماضي على أهمية الدور الفعّال الذي يؤديه الأطفال والشباب في عمليات العدالة الانتقالية، مثل البحث عن الحقيقة والمحاسبة الجنائية وبرامج جبر الضرر.

ينبغي ألّا يتم النظر الى الأطفال كمجرّد ضحايا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان: فهم أعضاء حاملو حقوق في مجتمع يحاول أن يواجه الماضي.
    ويذكّر المركز الدولي للعدالة الانتقالية بالمبدأ التوجيهي لاتفاقية حقوق الطفل حول المشاركة التي تنص عليها المادة 12 كما يلي "تكفل الدول الأطراف للطفل القادر على تكوين آرائه الخاصة حق التعبير عن تلك الآراء بحرية في جميع المسائل التي تمس الطفل، وتولى آراء الطفل الاعتبار الواجب وفقاً لسن الطفل ونضجه.”

تعتبر مشاركة الشباب في العدالة الانتقالية أساساً للتحول المجتمعي المستدام والدائم. ومن أجل إشراك الأطفال، ينبغي إعلامهم بالشكل الصحيح. إنّ تشكيل برامج تواصل لإجراءات العدالة الانتقالية تراعي احتياجات الأطفال، تعد أمراً بالغ الأهمية بهدف ضمان سماع أصواتهم في مثل هذه العمليات.

في ما يلي النتائج الرئيسية التي خلص إليها الإصدار الجديد للمركز الدولي للعدالة الانتقالية بعنوان "إشراك الأطفال والشباب في عمليّات العدالة الانتقالية". إنّ هذا التقرير الذي هو ثمرة جهود مشتركة ما بين وحدة الأبحاث في المركز الدولي للعدالة الانتقالية وبرنامج الأطفال والشباب، يستند إلى استعراض مقارن للجهود الحالية والسابقة الرامية إلى الوصول إلى الأطفال والشباب كجزء من برمجة التواصل الخاصة بإجراءات العدالة الانتقالية. وبالاستفادة من تجارب بلدان متنوعة مثل كندا وكمبوديا وكولومبيا وكينيا وليبيريا والبيرو والنيبال والسيراليون وتونس، يقدم هذا التقرير استراتيجيات هادفة إلى تطوير برامج التواصل المصممة للأطفال والشباب والخاصة بإجراءات العدالة الانتقالية.

وتعتمد المبادئ التوجيهية على أمثلة مستقاة من المساعدة التقنية التابعة لبرنامج الأطفال والشباب في بلدان مختلفة.

إنّ استراتيجيات التواصل المبتكرة والفعّالة التي تمّ تصميمها للأطفال والشباب تعزز من إمكانية إشراكهم الفعّال، تماماً مثل عمليّة تشكيل محافل حيث يمكن للأطفال والشباب فيها المشاركة بطريقة آمنة وذات معنى.

وبمناسبة اليوم العالمي للطفل في 20 تشرين الثاني/نوفمبر، نقدم في ما يلي لمحة عن عملنا في ثلاثة بلدان منها: كندا والنيبال وتونس.

كندا

تأسست لجنة الحقيقة والمصالحة الخاصة بكندا في حزيران/ يونيو 2008 وتمّ توكيلها بالتحقيق في حقيقة ما حدث في المدارس الداخلية الهندية التي تديرها الكنيسة وترعاها الحكومة. فعلى مدى أكثر من مئة سنة، تمّ إبعاد الأطفال من الشعوب الأصلية عن بيوتهم ومجتمعاتهم المحلية ووضعم في المدارس الداخلية حيث تمّ حظر تقاليدهم الثقافية ولغاتهم الأصلية وحيث كان الإيذاء البدني والإساءة العاطفية والاعتداء الجنسي أمراً شائعاً. وتولّت لجنة الحقيقة والمصالحة الخاصة بكندا مهمّة جمع الشهادات والوثائق المتعلّقة بالأحداث التي جرت في نظام المدارس الداخلية الهندية وبالآثار الشخصية والثقافية والاجتماعية لهذه الأحداث.
Image removed.    

وغالباً ما تؤثر الانتهاكات التي حدثت في المدارس الداخلية على الأجيال اللاحقة- ويعود ذلك جزئياً إلى صغر سنّ ضحايا المدارس الداخلية عندما تعرضوا للاعتداء- بحيث أنّ أبناء وأحفاد الضحايا قد يعانون من اعتداءات مماثلة لتلك التي تعرّض لها أقربائهم، بغض النظر عمّا إذا كانوا قد عاشوا في مدرسة داخلية.

إنّ آثار نظام المدارس الداخلية الهندية المتوارثة بين الأجيال تجعل من إدماج الشباب في عمليات الحقيقة والمصالحة أمراً في غاية الأهمية. ويعمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية منذ عام 2010 عن كثب مع لجنة الحقيقة والمصالحة الخاصة بكندا من أجل صياغة استراتيجية إشراك للشباب وإجراء عدد من الأنشطة الهادفة إلى تشجيع مشاركة الشباب في لجنة الحقيقة والمصالحة.

وعقد المركز الدولي للعدالة الانتقالية في خريف عام 2010 معتكفاً شبابياً في مدينة (جيبسون) في مقاطعة كولومبيا البريطانية. وقام شابان من بين المشاركين بابتكار فيلم وثائقي عن تصوّرات أقرانهم حول إرث المدارس الداخلية الهندية والذي بدأ في الحدث الوطني الخاص بلجنة الحقيقة والمصالحة في بلدة (إينوفيك) في حزيران/ يونيو 2011. إنّ هذا الفيلم الذي يحمل عنوان "حقيقتنا: موقف الشباب من المدارس الداخلية" سيصبح جزءاً إلزامياً من المناهج الدراسية لطلاب المدارس الثانوية في الشمال الغربي وفي إقليم (نونافوت) في بداية العام الدراسي 2013-2014. وعندما سئل منتج فيلم "حقيقتنا "مولي تيلدن" Molly Tilden عن أفضل السبل لإشراك الشباب في عمل لجنة الحقيقة والمصالحة، أجاب "إنني أعتقد أنّه ينبغي على الشباب إخبار الشباب الآخرين... برأيي، إنّها الطريقة الأكثر فعالية." وعندما يتمكّن الشباب من تاريخ المدارس الداخلية الهندية، عندها فقط سيمتلكون القدرة على مواجهة إرثها. وتمّ عرض "إرثنا أملنا" في خلال منتدى الأمم المتحدة الدائم المعني بقضايا الشعوب الأصلية.

النيبال

انتهى النزاع المسلّح ما بين حكومة النيبال والحزب الشيوعي النيبالي آنذاك (الماويون) بعد التوقيع على اتفاق سلام شامل في عام 2006. وفي خلال هذا النزاع المسلح الذي امتدّ على فترة عشر سنوات، لاقى أكثر من 16,000 شخص حتفهم في النيبال، كما تمّ إخفاء الآلاف وتشريدهم وتعذيبهم. وتمّ كذلك قتل الأطفال وخطفهم وتجنيدهم من قبل القوات المسلحة واستخدامهم من قبل الحكومة كجواسيس في بعض الحالات. وأصبح الكثير من الأطفال يعاني من إعاقات دائمة من جرّاء العبوات الناسفة في مناطق متفرقة من البلاد. ولم يولِ مشروع القانون حول لجنة الحقيقة والمصالحة الاهتمام الكافي بمسألة إيذاء الأطفال أو دورهم في إجراءات العدالة الانتقالية.

    Image removed.

ويواجه الأطفال المتأثرون بالصراع مشاكل في الوصول إلى الإغاثة التي تقدمها الحكومة. فقد قدّمت حكومة النيبال منحاً دراسية إلى الأطفال المتأثرين بالصراع ضمن برنامج المساعدة النقدية والتعويض والإغاثة الخاص بالمواطنين. إلا أنّ قلّة المعرفة بالبرنامج وعدم القدرة على الحصول على الوثائق اللازمة وغيرها من الصعوبات الإجرائية الأخرى قد حالت دون حصول هؤلاء الأطفال على المساعدة.

وفي محاولة لمعالجة بعض هذه التحديات، قام برنامج الأطفال والشباب ومكتب المركز الدولي للعدالة الانتقالية في النيبال في ربيع عام 2012، بتنظيم سلسلة من الدورات التدريبية والبرامج الإذاعية حول العدالة الانتقالية للشباب. وعبّر المشاركون في الدورات التدريبية عن خيبة أملهم بالحكومة والأحزاب السياسية الأخرى. وصرّحت إحدى المشاركات في الدورة التدريبية التي جرت في مقاطعة "دهانكوتا "لم يأخذونا يوماً وقضايانا على محمل الجد، إنّهم لا يسعون سوى للسلطة." ومن خلال المعلومات الصحيحة، يمكن للشباب استعادة بعض من تلك السلطة والمطالبة بكيفية تناول إرث الانتهاكات الماضية في النيبال.

تونس

Image removed.     أدت الحركة الثورية التي نشأت في كانون الثاني/يناير من عام 2011 إلى انهيار الحكم القمعي للرئيس زين العابدين بن علي والذي دام ما يقارب الـ25 عاماً. ولعب الشباب دوراً رئيسياً في الاحتجاجات الشعبية التي انتشرت بسرعة في جميع أنحاء البلاد تعبيراً عن خيبة أملهم من ارتفاع معدلات البطالة والفساد الحكومي.

ومنذ تأسيس حكومة ديمقراطية بعد أولّ انتخابات في خريف عام 2011، انطلقت الحكومة الجديدة في تونس نحو العملية الانتقالية. فأنشأت مجلساً دستورياً من أجل صياغة دستور جديد وإقرار قانون شامل خاص بالعدالة الانتقالية. إلا أنّ المشاورات مع المجتمع المدني الرامية إلى الإبلاغ عن القانون لم تنشئ بشكل خاص محافل للأطفال والشباب لتبادل الخبرات والتعبير عن مخاوفهم.

وعمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية عن كثب منذ أوائل عام2011 مع المسؤولين الحكوميين والمجتمع المدني في تونس بهدف دعم تطوير مقاربات العدالة الانتقالية حيال التعامل مع إرث الماضي للبلاد. ويتواصل برنامج الأطفال والشباب التابع للمركز الدولي للعدالة الانتقالية مع مختلف أصحاب المصلحة المعنيين في هذه العملية، بمن فيهم وزارة شؤون المرأة والأسرة التونسية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف والمرصد التونسي للشباب والجهات الفاعلة في العدالة الانتقالية وأنصار حماية الأطفال من أجل مناقشة سبل ضمان إشراك الأطفال والشباب في برامج العدالة الانتقالية الوطنية.

وبالتعاون مع المكاتب القطرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي واليونيسف، نظم المركز الدولي للعدالة الانتقالية في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012 طاولة مستديرة حول الطفولة والشباب في عمليّة العدالة الانتقالية في تونس. وجمعت ورشة العمل جهات فاعلة من مجالات حماية الطفل والعدالة الانتقالية ودعوة الشباب بهدف إطلاق المناقشة الأولى في البلاد حول مشاركة الأطفال والشباب في عمليات العدالة الانتقالية. إنّ هذا الحدث الذي عقد في لحظة حاسمة ما قبل الموافقة على قانون العدالة الانتقالية، سعى إلى نشر الوعي بين واضعي السياسات حول ضرورة أخذ الأطفال والشباب على وجه التحديد بعين الاعتبار في عمليّات العدالة الانتقالية منذ البداية.

والآن فيما تقوم الوزارة بوضع اللمسات الأخيرة على مشروع القانون الخاص بلجنة الحقيقة، إنّ تونس هي في لحظة تخوّلها ابتكار إطار للمشاركة الفعالة. ويشكّل ذكر إيذاء الأطفال والشباب والإشارة إلى حقهم في المشاركة في ولاية لجنة الحقيقة خطوة أولى بالغة الأهمية.

لقراءة المزيد حول برنامج الأطفال والشباب.

الصورة: نشطاء حقوقيين من النيبال وأقارب الأشخاص الذين زعم اختفائهم أثناء احتجازهم من قبل قوات الأمن أو أسرهم على يد المتمردين الماويين يحملون صور الأشخاص المفقودين خلال تظاهرة في كاتماندو، 18 كانون الأول/ديسمبر 2003، ديفندرا / سينغ/أ ف ب/ غيتي إيمجز