تجاهُل المطالبات بتحقيق العدالة: جنوب أفريقيا تخذل ضحايا جرائم حقبة الفصل العنصري

17/01/2013

بعد مرور سنوات منذ أصدرت لجنة الحقيقة والمصالحة توصياتها النهائية، ما زال ضحايا جرائم حقبة الفصل العنصري يكافحون من أجل الحصول على تعويضات ملائمة وإعادة تأهيل. فهل ستستمع حكومة جنوب أفريقيا لمطالبهم؟


لقد إرث الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والذي امتد لأكثر من 40 عاماً، ظلاً قاتماً من انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك ارتكاب مذابح والتعذيب وسجن النشطاء لفترات طويلة والتمييز العرقي الشامل.

وعلى الرغم من العمل الريادي الذي أنجزته لجنة الحقيقة والمصالحة في عقد التسعينيات من القرن الماضي، إلا أن التقدم ظل بطيئاً. وقد أخفقت معظم الجهود الرامية إلى تحقيق المحاسبة بشأن الجرائم التي ارتُكبت خلال حقبة الفصل العنصري، ولغاية الآن ظلت حكومة جنوب أفريقيا تتجاهل توصيات لجنة الحقيقة والمصالحة بشأن جبر الضرر للضحايا وإعادة تأهيلهم.

ونتيجة لذلك، يفتقر العديد من الناجين إلى الوسائل اللازمة للتعامل مع التبعات المادية والنفسية للعنف الذي جرى خلال حقبة الفصل العنصري، ويتعين عليهم مواجهة عقبات كبيرة لإيصال مطالبهم.

في أحدث حلقة من سلسلة الحوارات الخاصة - بودكاست - للمركز الدولي للعدالة الانتقالية، نتحدث مع مستشار البرامج المتقدم لدى المركز هاورد فارني، وهو محامي ممارس وعضو في نقابة المحامين في جوهانسبرغ، وقد عمل مع لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا ويواصل تمثيل ضحايا النزاعات السابقة في محاكم جنوب أفريقيا لصيانة حقوقهم.

للاستماع الى البودكاست باللغة الإنكليزية

[تنزيل](/sites/default/files/Howard_Varney_ICTJ_Podcast_12212012.mp3) | المدة: 24:29 دقيقة | حجم الملف: 14,351 KB

لقراءة النص الكامل للحوار باللغة العربية أنقر هنا

في هذه المقابلة، يوضّح فارني لماذا ما يزال غالبية الضحايا ينتظرون تحقيق العدالة، وينبّه إلى أن الكفاح الجاري من أجل الحصول على تعويضات ملائمة ومحاسبة حقيقية يمثل دليلاً على أن عملية العدالة الانتقالية في جنوب أفريقيا لم تنجح حتى الآن.

إرثٌ من نكث الوعود

عملت لجنة الحقيقة والمصالحة على تيسير المرحلة الانتقالية في جنوب أفريقيا من خلال إطلاق تحقيقات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان المدفوعة بدوافع سياسية وعرقية والتي ارتكبت ما بين عامي 1960 إلى 1994.

وقد أصبحت لجنة الحقيقة والمصالحة مثالاً تحتذي به البلدان الأخرى التي تهدف إلى الانتقال من حُقب الأزمات السياسية أو القمع الشديد. وقد حققت اللجنة نجاحاً في إشراك مواطني جنوب أفريقيا والجمهور العالمي في مجرياتها من خلال الأفلام ووسائل الإعلام، مما دفع العديد من الجهات في مختلف أنحاء العالم للاحتفاء بإنجازات اللجنة، وشجع العديد من الدول على نقل هذا النموذج.

"قد كانت المسيرة ذاتها هي ما نجحت فيه جنوب أفريقيا، وليس نتائجها."
    وعلى الرغم من أن حكومة جنوب أفريقيا تقوم بصفة منتظمة بإرسال بعثات إلى جميع أنحاء العالم لترويج عمل لجنة الحقيقة والمصالحة، فإن فارني يقول إن حكومة جنوب أفريقيا ذاتها لم تُطبق الدروس التي خرجت بها لجنة الحقيقة والمصالحة: "لقد أصدرت لجنة الحقيقة والمصالحة توصيات شاملة بشأن إعادة التأهيل وجبر الضرر، إلا أنه تم لاحقاً تجاهلها بأجمعها".

ويوضّح فارني بأن المجتمع الدولي غير مدرك للمدى الذي تم فيه نكث الوعود التي قطعتها الحكومة للضحايا.

وقال فارني، "أنا عادة ما أقول بأن المسيرة ذاتها هي ما نجحت فيه جنوب أفريقيا، وليس نتائجها".

وعندما تم التفاوض على العملية الانتقالية في جنوب أفريقيا، تم منح "عفو مقابل الحقيقة" للذين اعترفوا بجرائمهم. وكان يتعين على الضحايا إجراء تسويات والقبول بأنه في الحالات التي يصدر فيها عفو فسيفقدون ليس فقط احتمالات الملاحقة القضائية وإنما أيضاً المطالبة بأضرار وتعويضات من خلال القضايا المدنية.

وقد تقرر أن الضحايا سيحصلون على جبر الضرر من الحكومة، ولكن لغاية الآن لم يحصلوا سوى على دفعة واحدة تم توزيعها على جميع الأشخاص الذين قامت لجنة الحقيقة والمصالحة بتسجيلهم رسمياً بوصفهم ضحايا.

ولم تنل هذه التعويضات رضا الضحايا لأنها لم تعكس تنوع درجات الضرر الذي عانوا منه أثناء حقبة الفصل العنصري ومقدار الصعوبات الحالية التي يواجهونها جراء تلك الانتهاكات. ولم تُبذل أية جهود لإجراء تقييم شامل لاحتياجات الضحايا.

علاوة على ذلك، ظل العديد من الضحايا مستثنيين تماماً من الإجراءات المتكررة لتحقيق العدالة، فالقائمة الرسمية للضحايا التي سجلتهم لجنة الحقيقة والمصالحة مغلقة حالياً، وتجاهلت آلاف الضحايا الآخرين الذين لم يتمكنوا من التسجيل. وفي غياب إقرار الدولة بهؤلاء الضحايا فقد حُرموا من أي إجراءات محتملة لإنصافهم.

وظلت منظمات الضحايا، وخصوصاً مجموعة كولوماني لدعم الضحايا، تكافح من أجل توفير تعويضات كافية ومعقولة للضحايا وإعادة فتح عملية التسجيل. ويقول فارني، "لغاية الآن ظلت جهود هذه الجماعات دون طائل".

ونتيجة لهذه الجهود، شكل المركز الدولي للعدالة الانتقالية بالتعاون مع منظمات أخرى في جنوب أفريقيا ’تحالف جنوب أفريقيا للعدالة الانتقالية‘..

وقد عقد التحالف مؤخراً حواراً وطنياً حول موضوع جبر الضرر، حيث جرى إطلاق مطالبة جديدة للحكومة لأن تستمع لمطالبات الضحايا. وقد عقدت الفعالية الرئيسية في كانون الأول/ديسمبر في بريتوريا تحت عنوان "الحوار الوطني حول جبر الضرر: وسيلة أساسية للتعامل مع ماضينا وبناء مستقبلنا".    
"في غياب إقرار الدولة بهؤلاء الضحايا فقد حُرموا من أي إجراءات محتملة لإنصافهم."

وشارك في هذه الفعالية مئات الضحايا والناجين من العنف خلال حقبة الفصل العنصري، إضافة إلى مسؤولين رسميين وقادة دينيين وممثلين عن منظمات المجتمع المدني.

وقد كان من أهداف هذا النشاط تطوير استراتيجية لتوفير تعويضات كافية في المستقبل، ويقول فارني إن هذا الهدف يتطلب اهتمام ودعم الجمهور الدولي المتحمس كي يرى إرث إيجابي للجنة الحقيقة والمصالحة.

ويأمل التحالُف بأن الحكومة ستقوم بخطوات جدية لجبر الضرر الذي عانى منه العديد من الضحايا، والانهماك في عملية تسجيل مفتوحة، وإجراء تقييم ملائم لاحتياجات الضحايا، وتخصيص أموال كافية لتوزيع تعويضات كافية.

الصورة: : ماموسادي كاثرين ملانجيني، من ضحايا حقبة الفصل العنصري، تحمل صورة ابنها القتيل، 14 نيسان/أبريل 2010، سويتيو، جنوب أفريقيا. (التقط الصورة بير-آندريسا بيترسون/Getty Images

لقراءة المزيد حول جبر الضرر برنامج عملنا في جنوب أفريقيا.