بناء ديمقراطيات أساسها الحقيقة

26/03/2013

بقلم إدواردو غونزالس

تحتفل الأمم المتحدة في 24 آذار/مارس باليوم العالمي للحق في معرفة الحقيقة، وذلك تكريماً لذكرى الأسقف أوسكار روميرو من السلفادور الذي قتل في يوم 24 آذار/مارس 1980، وذلك لدفاعه الشجاع عن المضطهدين في بلده.

وفقاً للعدد المتنامي من المراجع القانونية والممارسات الدولية، يقرّ الحق في معرفة الحقيقة بحق ضحايا الجرائم الدولية وحق المجتمعات بمعرفة وقائع الفظائع وملابساتها وهوية المسؤولين عنها مثل التعذيب والاختفاء القسري وعمليات الإعدام التعسفي.

وتكشف لنا نظرة سريعة إلى بعض مناطق العالم بأن عدة مجتمعات، منها فقيرة ومنها غنية، شرعت بإقامة لجان للحقيقة كأسلوبٍ للالتزام بحقوق الضحايا والإسهام في المصالحة وسيادة القانون.

"شرعت عدة مجتمعات، منها فقيرة ومنها غنية، بإقامة لجان للحقيقة كأسلوبٍ للالتزام بحقوق الضحايا."
    وفي تونس التي ساهمت ثورتها في عام 2010 بإطلاق شرارة "الربيع العربي"، ثمة حوار جارٍ حول سن قانون شامل لإقامة لجنة للحقيقة والكرامة للبحث في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها الحكومات التونسية المتعاقبة منذ استقلال البلاد في عام 1956، وذلك على الرغم من البيئة السياسية المليئة بالتحديات حالياً.

وفي كولومبيا، تشير التقارير إلى أن المفاوضات الجارية بين الحكومة وبين القوات المسلحة الثورية لكولومبيا (FARC) أخذت تحرز تقدماً للتوصل إلى جدول أعمال يتضمن إقامة لجنة للبحث عن الحقيقة ويضمن حقوق الضحايا كعنصر في اتفاقية سلام لإنهاء النزاع المتواصل منذ ما يقارب 50 عاماً.

وفي البرازيل، تعكف لجنة وطنية تاريخية للحقيقة على الاستماع للناجين والبحث في السجلات الرسمية لتحديد الوقائع بشأن عمليات التعذيب والقتل التي جرت أثناء حقبة الحكم العسكري الدكتاتوري في البلاد.

وحتى في كندا التي يخلو تاريخها الحديث من الأنظمة الدكتاتورية أو الحروب، توشك لجنة الحقيقة والمصالحة أن تنهي عملية ممتدة منذ خمس سنوات بشأن أحد الفصول القاتمة في تاريخ البلاد، وهي معاملة آلاف الأطفال من السكان الأصليين الذين أجبروا على العيش في مدارس داخلية للهنود الحمر تأسست لغرض إدماجهم ثقافياً.

فلماذا تراهن هذه المجتمعات المختلفة عن بعضها اختلافاً كبيراً على قوة الحقيقة من أجل شفاء الآلام التاريخية العميقة وشق مسار نحو عقد اجتماعي أفضل؟ ولماذا تفترض بلدان أخرى أن أفضل سياسة للتعامل مع أحداث الماضي المؤلمة هي إخفائها أو إنكارها؟

وفي واقع الأمر، فإن بعض الانتقالات الديمقراطية، كالذي حدث في إسبانيا، أُقيم على الصمت الإجباري للضحايا. كما أن أقوى أمة في العالم، الولايات المتحدة الأميركية، تتجنب إجراء أي دراسة رسمية لإرث سياساتها في التدخل لصالح حلفائها من الطغاة في جميع أنحاء العالم، أو بشأن التمييز الراسخ ضد الأقليات في البلاد.

فهل يمكننا بناء ديمقراطية شرعية ومتينة على رمال الصمت، أم أن الحقيقة توفر أساساً أقوى؟

إن ما تؤمن به تونس وكولومبيا والبرازيل وكندا هو أن تفحّص الماضي سيكون له أثر تمكيني على الضحايا المعتادين على النبذ والمعاناة من الإساءات، مما سيشجعهم على الثقة من جديد بسائر المواطنين – وبالحكومة؛ وتؤمن أيضاً أن الحقيقة والشجب الأخلاقي للأعمال الظالمة سيجعل المؤسسات أكثر خضوعاً للمحاسبة ويقلل من احتمالية حدوث الإساءات في المستقبل؛ وأن نشر المعرفة حول الوقائع سيوفر للجيل الجديد وسائل لنبذ العنف والتمييز.

وفي بلدانٍ مثل إسبانيا والولايات المتحدة الأميركية، يبدو أن الحكومات تعتقد، وعلى الرغم من المبادئ الديمقراطية السائدة فيهما، أنه يتعين عليها أن تتصرف كأب حازم للمجتمع الذي لا يمكنه تحمّل معرفة الحقيقة، أو ببساطة أن تعمل لحماية مصالح معينة على حساب الكشف الكامل عن الحقيقة.    
"فهل يمكننا بناء ديمقراطية شرعية ومتينة على رمال الصمت، أم أن الحقيقة توفر أساساً أقوى؟"

ولكن هذه الحكومات تتصرف بصفة مرتبكة عندما تطفو جراح الماضي على السطح، مثلما حدث في إسبانيا عندما رفرف علم الجمهوريين في وسط تظاهرات حاشدة ضد السياسيين؛ ومثل ما حدث في الولايات المتحدة الأميركية عندما تم تسريب معلومات سرية تحدّت حجاب الصمت بشأن الإساءات التي جرت أثناء الحرب على الإرهاب.

هذه المسألة هي مسألة رئيسية في عصرنا هذا. فقبل خمسين عاماً، كانت إحاطة تصرفات الحكومة بحجاب من السرية هي العرف المعتاد، وكان يُدفع بالضحايا إلى خارج المجال العام بوصفهم يمثلون تذكيراً غير مريح - ومفتقر للمصداقية عادةً – بشأن إساءات السلطة. والآن، وسواءً في وسط التصرفات الاستبدادية الوحشية أو القمع الهيكلي، فإن المواطنين يطالبون بأن تكون الشفافية والمعرفة جزءاً أصيلاً من المفهوم الراسخ للمواطنة.

إن الحكومات التي تقرر تجاهل هذه النزعة الجديدة تتحدى المد التاريخي.


إدواردو غونزالس هو مديربرنامج الحقيقة والذاكرة لدى المركز الدولي للعدالة الانتقالية . تم نشر هذه المقالة في The Star، Kathmandu Post، Kantipur Online، و Semana. الصورة: تفاصيل لوحة جدارية للفنان السلفادوري خوليو رييس، في عام 2005، وهي تشكل جزءا من النصب التذكاري للجنة الحقيقة والذاكرة.