في عالم من وحشية النزاع المسلح أو طغيان النظام القمعي، يتوارى كثيرون ممن دخلوا عداد المفقودين فلا يُعثر لهم على أثر بعدها أبداً: إذ لا يزال مكان وجود الآلاف من الأشخاص سواء من الذين "اختفوا قسراً" على يد عملاء الدولة أو الذين اختُطفوا من قبل فصيل مسلح مجهولاً حتى يومنا هذا.
وعلى الرغم من أن غالبية هؤلاء المختفين هي من الرجال إلا أن الأثر الواقع على النساء بصورة مباشرة أو غير مباشرة يكون شديداً. فبسبب أوجه عدم المساواة بين الجنسين التي تتشبع بها التقاليد والعرق والثقافة والدين والطبقة تتخذ معاناة النساء من النتائج الاجتماعية والاقتصادية والسيكولوجية المدمرة للاختفاء القسري أشكالاً مختلفة عن معاناة الرجال. ولكن على الرغم من هذه التحديات خرج كثير من النساء اللواتي كن ضحايا للاختفاء القسري من هذه التجربة ليصبحن ناجيات وناشطات.
وبمناسبة اليوم العالمي للمختفين الذي يصادف اليوم، يقر المركز الدولي للعدالة الانتقالية بأن الاختفاء القسري يشكل جريمة ضد الإنسانية وأنه يؤثر على النساء بطرق فريدة تختلف عن تأثيره على الرجال.
تسعى آليات العدالة الانتقالية إلى التعامل مع تركات حالات الاختفاء حيث يجب أن تطلع عائلات المختفين على الحقائق المتعلقة بالمكان الذي أُخذ إليه أحبتهم وما الذي حدث ولماذا. ويجب على الدول أن تحترم حقوق الضحايا في التعويض ويجب محاسبة كل من يتحمل المسؤولية عن عمليات الاختفاء.
وسوف يتطرق المركز الدولي للعدالة الانتقالية هذا الأسبوع للأبعاد العديدة لتأثير الاختفاء القسري على النساء وغيرهن ممن تُركوا لمواجهة مصيرهم، وذلك من خلال إصدارات عدة جديدة كما هو موضح أدناه.
تأثير الاختفاء على النساء
عندما يختفي الرجال فقد تنقلب حياة أزواجهم وأسرهم وأحبتهم رأساً على عقب. فعلى إثر فقدان الأب أو الزوج – الذي كثيراً ما يكون كاسب قوت الأسرة وقائدها- تجد كثير من النساء أنفسهن وقد تركن وحيدات لمسؤولية العناية بأطفالهن ومجبرات على شق طريقهن عبر عقبات قانونية واقتصادية وأخرى بيروقراطية في بيئات تتسم أحياناً بالعدائية إلى جانب أنهن قد يواجهن إشعار مجتمعاتهن المحلية لهن بالخزي أو الوصم.
في بلدان مثل كولومبيا ونيبال ولبنان، تنخرط عائلات المختفين – بقيادة نساء في كثير من الأحيان- في كفاح متواصل في سبيل الحصول على تعويض مناسب والاعتراف بقضيتها وكي تأخذ العدالة مجراها.
وعلى الرغم من أن زوجات المختفين وأمهاتهم وجداتهم هن من قاد تقليدياً النضال من أجل الحقيقة والعدالة فيما يتعلق بأعزاء لهم اختفوا، إلا أن قدراً قليلاً فقط من البحث أُجري في مجال فهم تجارب هؤلاء النساء أو تجربة النساء اللواتي اختفين أنفسهن.
يعكف المركز الدولي للعدالة الانتقالية وبقيادة برنامج العدل بين الجنسين على دراسة الكيفية التي تتأثر بها النساء بالاختفاء القسري وذلك من أجل فهم الطريقة التي يمكن بها لآليات العدالة الانتقالية التعامل على نحو أفضل مع تجاربهن.
في هذه المقابلة التي تبث عبر البودكاست، تتحدث مديرة برنامج المركز الدولي للعدالة الانتقالية المعني بالعدل بين الجنسين، كيلي مودل، عن ملاحظاتها حول تأثير الاختفاء القسري على النساء حول العالم وعن عملها في سياقات العدالة الانتقالية كتونس ونيبال.
تقول مودل "في الغالب تكون الزوجات أو الأمهات أو الأخوات هن من يواصل هذا الكفاح من أجل العدالة على المدى الطويل. وبالتالي فإنهن غالباً ما يُتركن وحيدات أما محاولة الضغط على السلطات من أجل الاعتراف بالاختفاء، ومحاولة العثور على جثث، ومحاولة إثبات الحقائق في هذه القضية. إن المسؤولية تقع على عاتق الدولة في تزويدهن بتلك الحقيقة والعثور على جثث ذويهن المفقودين وإعلامهن بمصير أولئك الذين اختفوا قسراً".
وتوضح مودل أن النساء أنفسهن يتم استهدافهن أيضاً بالاختفاء القسري ولكن غالباً ما لا يتم الإبلاغ عن جريمة اختطاف النساء بالصورة الكافية.
وتتابع مودل حديثها قائلة إنه "لا يتم التعامل مع اختفاء النساء بنفس الجدية التي يتم التعامل بها مع الجريمة عند ارتكابها بحق نظرائهن الرجال. وفضلاً عن نواحي عدم المساواة الثقافية والهيكلية، يكون الرجال عادة مترددين في الإبلاغ عن الجريمة نظراً لشعورهم بالخزي بشأن عدم قدرتهم على حماية زوجاتهم أو بناتهم".
وتشير مودل إلى أن النساء المختفيات يكن عرضة بدرجة عالية لخطر العنف الجنسي وأشكال التعذيب التي تستهدف النساء خصيصاً، حيث ذكرت أن عمليات الاختطاف كما في مدينة خواريز سويداد في المكسيك التي تم فيها اختطاف المئات من الشابات وتعذيبهن جنسياً ومن ثم قتلهن.
وتقول مودل إن "هناك أنظمة كارهة للنساء ولا تقيم لحياة النساء نفس الوزن الذي تقيمه لحياة الرجال".
زوجات المختفين في نيبال
كانت نيبال خلال السنوات العشر الماضية واحدة من الدول التي شهدت أعلى معدلات حالات الاختفاء القسري في العالم.
ويقدّر عدد الأشخاص الذين ذهبوا ضحية الاختفاء القسري خلال النزاع الوحشي المسلح في نيبال، والذي دمر البلد من عام 1996 إلى عام 2006، بأكثر من 1000 شخص. وكانت الغالبية العظمى من الضحايا من الرجال اليافعين حيث لا تزال زوجاتهم وأسرهم، وبعد سنوات من اختفائهم، تبحث عن الحقيقة بشأن من فقدوهن فيما تحاول إعادة بناء حياتها المحطمة.
ويوثق المركز الدولي للعدالة الانتقالية في ورقة إعلامية جديدة التجارب التي مرت بها زوجات المختفين في نيبال ويطالب باتخاذ تدابير لمساعدتهن على التخلص من الفقر والوصم الاجتماعي والإهمال القانوني الذي يواجهنه في حياتهن اليومية.
وتركز ورقة المركز الدولي للعدالة الانتقالية، وعنوانها ’هموم تعصى على التخفيف: التعامل مع حقوق واحتياجات زوجات ضحايا الاختفاء القسري‘، اهتمامها على النساء في نيبال اللواتي تضررن من الاختفاء القسري لأزواجهن والآثار المستمرة لهذه الجريمة المفزعة.
من جانبها، تقول مديرة مكتب المركز الدولي للعدالة الانتقالية في نيبال، لوسيا وذرز، إن "للاختفاء القسري تأثير لا حدود له على زوجات الضحايا. فهو يضعهن في أوضاع شديدة الهشاشة حتى وهن يعشن حالة عدم اليقين والألم المعلّق من فقدانهن لأزواجهن".
تسلط الورقة التي تستند إلى مقابلات أُجريت مع 450 سيدة اختفى أزواجهن قسراً من مختلف أنحاء نيبال الضوء على الوضع الاقتصادي غير المستقر الذي ينجم في الغالب عن فقدان الزوج الذي يكون في غالبية الأحوال كاسب الرزق الوحيد لمن يعيلهم.
تصوير خيالات المختفين
إن اختفاء شخص واحد يتسبب في وجود كثير من الضحايا: فبقاء أسئلة معلقة بلا إجابات بشأن مصير شخص واحد من شأنه أن يخلق واقعاً مؤلماً تعيشه الأسر والمجتمعات المحلية برمتها بسبب جهل مصير الأحباء المختفين.
قام مصورون فوتوغرافيون على مر السنين بالتحقيق في قضية المفقودين وحاولوا بعدساتهم التقاط مشاعر الحزن والفقد والغياب التي يسببها الاختفاء.
وبهدف عرض مساهمة التصوير الفوتوغرافي في زيادة الوعي بتأثير الاختفاء القسري قمنا بدعوة مصورين فوتوغرافيين حائزين على جوائز عالمية كي يعرضوا أعمالهم ويرووا لنا حكايات المختفين التي أثرت فيهم.
وفي معرض الصور الذي نقيمه، شارك المصورون الفوتوغرافيون: سوزان ميسيلاس، وغريفاسيو سانشيز، ورودريغو ابد، ومارسيلو برودسكي، وداليا خميسي، وزياه غافيك، وماري باستاشيفسكي في عرض صور من بلدان كالأرجنتين والبوسنة والهرسك وكولومبيا. إن للصور التي لا تُنسى دور قوي في التذكير بالتأثير المدمر للاختفاء القسري، وهي تصور بطريقة ما خيالات المفقودين التي ما تنفك تعشش في حياة أولئك الذين حُرموا منهم.