بوجود زخم ثورة عام 2011 التي اطاحت بنظام زين العابدين بن علي، لا يزال المجتمع المدني التونسي يكوّن جزءاً لا يتجزأ في انتقال البلاد إلى الديمقراطية وسيادة القانون .
الحوار عن الماضي هو أمر أساسي للتحول نحو الاعتراف بمعاناة ضحايا النظام وإنشاء سجل لوقت التغيير الهام هذا في البلاد. وتطلعاً إلى المستقبل، تستعد تونس للجنة الحقيقة الخاصة بها- هيئة الحقيقة والكرامة المقترحة- والتي سوف تتطلب وجود مجتمع مدني ناشط ومتطلع لضمان دعم الهيئة لحقوق الضحايا .
وبهدف تقديم المساعدة والخبرة الدولية للمجتمع المدني التونسي، اشترك المركز الدولي للعدالة الانتقالية ومكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في تدريب حول المشاركة العامة في عمليات البحث عن الحقيقة. وتحت عنوان "دور المجتمع المدني في لجان الحقيقة: المشاركة والمناصرة للضحايا في تونس"، انطلق التدريب في 22 أكتوبر/تشرين الأول في تونس وامتد منها إلى صفاقس وسوسة، مقدماً لحوالي 65 مشترك ومشتركة الفرصة لدراسة دور لجان الحقيقة في سياقات العدالة الانتقالية، وتقييم المشاركة المستقبلية لمنظماتهم في لجنة الحقيقة المقترحة في تونس.
وكان المشاركين، ومنهم المحامين والباحثين والناشطين وغيرهم من أفراد المجتمع المدني، قد جاؤوا ولديهم هدف مشترك واحد، وهو دراسة أفضل السبل لدعم الضحايا في تونس. وخلال الجلسات التفاعلية، توجّه التدريب نحو الدروس المستقاة من سياقات أخرى للعدالة الانتقالية، ونحو وضع خطوات المشاركة والدعوة الفعالة للمجتمع المدني التونسي .
|
ناقش هؤلاء الفاعلين دورهم، على وجه الخصوص، في الدفاع عن حقوق الضحايا واحتياجاتهم، والتأثير على نطاق لجنة الحقيقة. فقالت هند كشين، إحدى المشاركات في الدورة في تونس: "أتطلع بشدة إلى إنشاء لجنة الحقيقة والكرامة. فلجنة الحقيقة ستسمح لي بالمضي قدماً في كل ما تقوم به منظمتي من أعمال لضحايا التعذيب". |
وقد قاد السيد هاوارد فارني هذا التدريب، وهو مستشار برنامج المركز الدولي للعدالة الانتقالية، والذي تقاسم والمشاركين خبرته الواسعة في تمثيل الضحايا والتحقيق في لجان تقصي الحقائق في جنوب أفريقيا وسيراليون وتيمور الشرقية، وقامت بمساعدته في التدريب السيدة كورا أندريو، مسؤولة حقوق الإنسان في مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في تونس .
وخُصصت جلسة من هذا التدريب للنظر في تدابير العدالة الانتقالية المنشأة في تونس، حيث قام المشاركون بمراجعة العمليات، ومواد مشروع القانون الأساسي المتعلق بضبط أسس العدالة الانتقالية ومجال اختصاصها، وحالة الضحايا. وجاءت هذه المراجعات كخلفية معرفية أساسية لدورهم في الحفاظ على الحقيقة وجبر الضرر .
كان منظور النوع الاجتماعي عنصراً حاسماً في المناقشات، حيث اعرب المشاركون عن أهمية إنشاء ودعم هذا المنظور لتجنّب التغاضي عن تلك الانتهاكات في ظل غيرها من الجرائم .
وأكد عبد الدايم النومي، أحد المشاركين من سوسة، أنه لا ينبغي أن ننسى الانتهاكات التي تُرتكب ضد النساء والأطفال. فقال: "لدينا صعوبة حقيقية في إقناع الآخرين بأن منظور النوع الاجتماعي، وأيضا معاناة الأطفال، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. ويجب علينا أن نعمل بنشاط لضمان تعامل لجنة تقصي الحقائق التونسية المقبلة مع هذه الجوانب بجدية واحتراف ".
وردد هاوارد فارني من المركز الدولي للعدالة الانتقالية صدى هذا القلق، مؤكداً أنه بدون صوت فاعل يناصر معاناة النساء حتى يتم تضمينها في لجنة تقصي الحقائق، فإنهن تحت خطر الاستبعاد. عرض فارني الدروس المستفادة من تجربة لجنة الحقيقة في سيراليون، قائلاً: "بينما معظم النساء شهدن في جلسات مغلقة، فهناك من أصرّ منهن على التحدث علناً من أجل ضمان الكشف عن معاناة النساء للأمة. هؤلاء نساء شجاعات بشكل لا يصدق."
لاختتام التدريب، قدم مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان والمركز الدولي للعدالة الانتقالية مجموعة من التوصيات الخاصة بمنظمات المجتمع المدني في تونس، والمبنية على خبرات كل من المنظمتين ومساهمة المشاركين الذين عرضوا النجاحات والتحديات في الإطار التونسي. في التوصيات الختامية، حثّ هوارد فارني الجهات الفاعلة في المجتمع المدني في تونس على "مراقبة عملية اختيار المفوضين عن كثب" وعلى دراسة "السياقات والظروف المحددة قبل اعتماد استراتيجيات العدالة الانتقالية."
الصورة: مشاركون في التدريب "دور المجتمع المدني في لجان الحقيقة: المشاركة والمناصرة للضحايا في تونس"، والذي أقيم في تونس وصفاقس وسوسة في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2013.