لا أمل لنا في تحقيق المساواة دون ضمان أمن النساء

08/03/2016

بقلم أمريتا كابور

شَرِعتُ منذ العام الماضي في العمل مع ماري والمنظمة التي أنشأتْها في كينيا، لأجل مساعدة النساء ضحايا العنف الجنسي على رفع شكاوى عن سوء سلوك الشرطة المحلية في تعاملها مع قضاياهن. وكان قد تم طرد ماري نفسها عندما ذهبت إلى مركز للشرطة، في محاولة للإبلاغ عن تعرضها للاغتصاب أثناء الأزمة التي أعقبت الانتخابات الكينية خلال سنتي 2007-2008، عندما قال لها ضابط الشرطة المناوب أن الاغتصاب ليس جريمة خطيرة. بعد تسعة أشهر، أصبحت ماري أماً.

بينت دراسة أجراها المركز الدولي للعدالة الانتقالية أن العديد من النساء قد عشن تجارب مماثلة مع الشرطة الكينية خلال أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات. وفي حين تم اغتصاب بعض النساء من قبل ضباط الشرطة، لم يقع إجراء أية تحقيقات في هذه الجرائم أو القيام بملاحقات قضائية في حق مرتكبيها، حتى في الحالات التي استطاعت النساء أن تتعرف على هوية مغتصبيهن.

تقول ماري: "توجد الكثير من الأمثلة التي فشلت فيها الشرطة في الاستجابة لنجدتنا أو حماية حقوقنا، وتركتنا في حالة استضعاف وفي حالة من انعدام الأمن." وأضافت: "لقد تم تدريبهم على استخدام القوة والبطش لإنفاذ القانون أو فرض السلم. لكن الأدهى من ذلك، أنهم يستخدمون الاغتصاب كسلاح للتخويف."

ويبقى الأمل معقود في أن تبادر لجنة مصلحة الشرطة الوطنية إلى "عزل هذه العناصر الفاسدة" كجزء من عملية التحقيق المجراة على المستوى القومي، وذلك بناءا في جزء منها على الشكاوى المقدمة من قبل الضحايا من النساء اللواتي يمكنهن التعرف على ضباط الشرطة المذنبين أو القادة المهملين.

من الناحية النظرية، غربلة ضباط الشرطة يمكنها أن تقلل من خطر ارتكاب الشرطة المزيد من الانتهاكات، بما في ذلك تلك الممارسة ضد النساء ضحايا العنف، وأن يسهم في استعادة الثقة في السلطة المدنية. إلا أنه لم يتم، حتى الآن، فصل أي ضابط من الشرطة الكينية لسوء السلوك تجاه النساء على الرغم من التقارير الكثيرة والأدلة العديدة المقدمة.

في أوقات النزاع أو حملات القمع التي تشنها أجهزة الدولة، كثيراً ما تتورط الشرطة ومؤسسات أمنية أخرى في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وبالرغم من صعوبة عملية إصلاح هذه الأجهزة، فهي مكونا ضروريا لضمان عدم حدوث هذه الانتهاكات مرة أخرى. وبدون القيام بهذا الإصلاح، سيستمر خوف الضحايا والمجتمع من عناصر إنفاذ القانون وسيعيشون في حالة دائمة من انعدام الأمن.

وسيكون لهذا تداعيات خاصة على النساء. فمن دون ضمان حقوق النساء الأساسية في الأمن –أي أن يَكُنَّ في مأمن من الجريمة والعنف و(إذا وقعن ضحايا جرائم معينة) فيجب أن يَتمَكَّنَّ من الحصول على الحماية القانونية الكافية و على العلاج - ستظل جميع الأشكال الأخرى لتمكين المرأة بعيدة المنال.

وهذا ما أظهرته الإحصاءات الحالية التي تسلط الضوء على استمرار وجود فوارق كبيرة بين المرأة والرجل في مسألة الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم والاستفادة من الفرص الاقتصادية والسياسية، وتُعرف هذه الفوارق باسم "الفجوة بين الجنسين." سوف لن يكون بإمكان النساء التمتع بحقوق مساوية لحقوق الرجال إلا عندما يتم فقط سد هذه الفجوة.

ووفقاً لحسابات الأمم المتحدة، على الرغم من أن "الفجوة بين الجنسين" لا تفتأ تضيق على نطاق عالمي، لا تزال النساء لأكثر من 100 عاما بعيدا عن تحقيق المساواة بين الجنسين. إنه من غير المستغرب أن تكون الفجوة بين الجنسين هي الأكبر في كثير من البلدان التي تعاني من الصراعات، حيثما تكون النساء عرضة بشكل خاص لأشكال مختلفة من العنف وانتهاكات للحقوق.

ولكن لماذا لا يزال وضع المرأة على حاله في بعض البلدان الخارجة من الصراع حيث اعتمدت حكوماتها سياسات، مثل جبر الأضرار، للنهوض بصحة النساء وتعليمهن وتوفير فرص العمل لهن؟ يشكل انعدام الأمن سببا مهما لهذا الوضع، ولكن غالبا ما يتم تجاهله.

تخبرني النساء اللواتي أعمل معهن في كولومبيا وأوغندا وكينيا أنه بالرغم من حرص الحكومات على تقديم الخدمات الصحية للنساء وعلى ضمان حصولهن على التعليم والتدريب على المهارات، فإنهن غير قادرات على الاستفادة الكاملة من هذه الخدمات عندما يَكُنَّ باستمرار عرضة لخطر التعرض للعنف ولانتهاكات حقوقهن ويتركن دون حماية من قبل الشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى.

ففي كولومبيا، حيث تبذل الآن جهود لإنهاء الصراع المسلح المستمر منذ خمسين عاما، نلاحظ وجود مخاطر مماثلة على النساء اللواتي يواجهن انعداما للأمن وإهمالا من لدن الشرطة. وشُردت أكثر من ثلاثة ملايين إمراة من منازلهن خلال الصراع، وقد أعرب أكثر من نصفهن أن انعدام الأمن يؤثر على قدرتهن على الحصول إلى الخدمات الصحية وفرص عمل مستقرة. وقوض هذا حتى أفضل الجهود التي تبذلها الحكومة الكولومبية لضمان التمثيل السياسي للنسا ومشاركتهن في تصميم طرق جبر الضرر لضحايا الحرب. كشف تقرير للمركز الدولي للعدالة الانتقالية مؤخرا أنه يجري ترهيب النساء في بعض المناطق وتهديدهن لحرمانهن من الاستفادة من آلية جبر الضرر.

ومن الجدير بالذكر أن الإهمال التاريخي والمستمر للنساء من ضحايا العنف الذي تمارسه الشرطة والنظام القضائي في كولومبيا موثق بشكل جيد وراسخ ثقافيا. ومن المؤكد كذلك أنه من دون إحداث تحسينات ممنهجة على استجابات الشرطة للأشكال المختلفة من العنف التي تتعرض لها النساء- بدءا من العنف المنزلي، مرورا بالتحرش والعنف الجنسيين ووصولا إلى التهديد والوعيد بسبب نشاطهن السياسي- سيستمر تثبيط مشاركتهن في المجتمع. هذه المسألة ضارة خاصة في الوقت الراهن، حيث شرعت كولومبيا في عملية تاريخية لإرساء السلام حيث مشاركة النساء بشكل فاعل تشكل عنصرأ أساسياً لبناء سلام مستدام.

تنبأ هذه الأمثلة بوضوح عن ضرورة إصلاح قطاع الأمن إذا كانت المجتمعات التي تتعامل مع إرث الماضي المثقل بالانتهاكات تروم تجاوز النزعات التاريخية نحو تجاهل أو إلغاء ٍ إيلاء قضية النساء ضحايا العنف الأولوية. تحدد ماري القضية الأساسية: "عندما يتم استهداف النساء بانتهاكات حقوق الإنسان بسبب هشاشة وضعهن ورفض الشرطة تطبيق القانون، كيف يمكن أن تأمل النساء في تحقق المساواة بين الجنسين؟"

يمثل فهم سبب وكيفية تأثير انعدام الأمن على النساء المفتاح للتغلب على مشكلة عدم المساواة السائدة في جميع أبعاد مسار تمكين المرأة. ومن دون إدراج الإصلاح المؤسسي الذي يحقق أمن المرأة، فسنظل نفتقد القطعة الكبيرة اللازمة لحل هذا اللغز. فبدون هذه القطعة، سنحكم على النساء بأن يعانين من عدم المساواة لقرن آخر.


الصورة: امرأة تلقي موعظة أمام قوات مكافحة الشغب خلال أعمال العنف التي تلت الانتخابات في ضاحية ماثاري في نيروبي، كينيا، في يناير 2008. (Julius Mwelu/IRIN)