النشطاء التونسيون يعارضون قانونا يمنح العفو للفاسدين

25/07/2016

أخذ النشطاء التونسيون طريقهم إلى الشوارع هذا الشهر احتجاجا على قانون المصالحة الاقتصادية المقترح الذي حُرك ثانية مؤخرا في البرلمان. إن تم تمريره، فإن القانون سوف يقدم معبراً للمسؤولين ورجال الأعمال الفاسدين في عهد بن علي لإضفاء الشرعية على أصولهم المسروقة وتأمين شكل من أشكال العفو.

تبنت الحكومة التونسية القانون العام الماضي وأحالته إلى البرلمان للموافقة عليه، وهي الخطوة التي أثارت احتجاجات واسعة في ذلك الوقت. وأدت هذه الاحتجاجات لوضع مشروع القانون على الرف - حيث لم يتم الموافقة عليه من قبل البرلمان في ذلك الوقت.

ومع ذلك، ففي 29 حزيران من هذا العام، بدأت لجنة التشريع العام مناقشة مشروع القانون، وطلب الرئيس الباجي قائد السبسي أن يُعتمد القانون قبل العطلة الصيفية للبرلمان. هذه الخطوة جددت المعارضة الشعبية حيث عقدت منظمات المجتمع المدني مؤتمراً صحفيا في الخامس عشر من الشهر الجاري تستنكر فيه القانون، كما شاركت في سلسلة من المظاهرات العامة الأسبوع الماضي. وفي الخامس والعشرين قدمت ٢٤ منظمة، بما في ذلك المركز الدولي للعدالة الانتقالية، رسالة للبرلمان التونسي تدعو لوقف مناقشة القانون.

يقول وسام الصغير، وهو عضو بارز في حركة "مانيش مسامح" (أنا لن أغفر) التي تساعد في تنظيم المعارضة ضد القانون، أن القانون يفسد أهداف الدستور وُيشرع الفساد.

"يهدف مشروع قانون المصالحة لتبييض النظام. الحديث عن مصالحة خارج نطاق العدالة الانتقالية هو خرق دستوري ومحاولة لتشجيع ثقافة الفساد، والتي سيكون لها انعكاسات جذرية على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأخلاقي [في تونس]".

وكان الفساد منتشراً على نطاق واسع في تونس قبل الثورة. فقد استخدم زين العابدين بن علي والمقربين منه السلطة لسرقة الأموال العامة وتقول تقارير أنه استغل مؤسسات الدولة لمعاقبة أولئك الذين قاوموا مبادرات أعماله.

سوف يخلق القانون سبيلا للمتورطين في مثل هذه الأنشطة لتجنب المساءلة، وإنشاء آلية يمكن من خلالها أن يُصرح المسؤولون الفاسدون عن جزء ضئيل من المكاسب غير المشروعة وإعادة جزء منها إلى الدولة في مقابل الحصول على نوع من الحصانة.

لكن، وكما أوضح ديفيد تولبرت رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية عندما اُقتِرح القانون مَبْدَئِيّاً في العام الماضي، فإن مشروع القانون لا يوفر آلية قوية للتحقق من تلك التصريحات. كما أنه لا يجبر أولئك الذين يعترفون بتقديم أدلة ضد أولئك الذين يتحملون المسؤولية الكبرى عن الفساد - مثل بن علي وعائلته - ولا يحمي ضد الاحتيال. وعلاوة على ذلك، فإنه يفتقر إلى الشفافية، ولا يوفر السبل لمدخلات العامة.

"إنَّه لَحرِيٌّ بالنواب البرلمانيين التونسيين ولِزام عليهم، إبَّان النظر في مشروع القانون هذا، أن يسألوا أنفسهم، أوَّلاً وقبل كل شيء: لماذا قامت تونس بثورتها قبل أقلِّ من خمسِ سنوات مضت؟ ا فإنَّه من الصعوبة بمكان أن نتصوَّر خطوةً تكون أشدَّ إحباطًا لنفوس التونسيين والتونسيات وأكثَر تثبيطًا لعزائمهم من أن نقول لهم فجأة بأنهم في حاجة إلى المصالحة مع طغمة حاكمة كان قوامُها لصوص."

العديد من النشطاء التونسيين الذين كان لهم دورا فعالا خلال ثورة 2011 يعارضون بثبات مشروع القانون. لينا بن مهني، المُدونة التي برزت على الساحة خلال الثورة ورُشحت لجائزة نوبل للسلام لدورها، تقول أن القانون يتعارض مع القيم التي حارب المجتمع التونسي لأجلها قبل خمس سنوات.

"أعتقد أن كل شخص يحترم الثورة التونسية ويؤمن أهدافها يجب أن يعارض قانون المصالحة الاقتصادية هذا" مكلمة: "التونسيون يستحقون معرفة الحقيقة. إنهم يستحقون التمتع بحقهم في المساءلة بشأن انتهاكات الفساد وحقوق الإنسان. "

ويضيف محمد عبو رئيس حزب التيار الديمقراطي: "إن القانون ... تم تصميمه لتعزيز مفهوم منتشر بالفعل، وهو الإفلات من العقاب."

ومع اعتراضات النشطاء، تزعم الحكومة أن القانون سوف ينقل المجتمع التونسي إلى الأمام. وتقع حجتها الرَئِيسِية في الإمكانات الاقتصادية المزعومة القانون. فقد قال الرئيس السبسي أنه إذا تم الموافقة عليه، فإن القانون من شأنه أن يوفر دفعة من شقين للاقتصاد من خلال توفير الأموال المصادرة لمشاريع التنمية في حين جعل تونس أيضاً أكثر جاذبية للمستثمرين.

يصر الخبراء الاقتصاديين أن أن هذه الحجة لا تصمد. عبد الجليل البدوي أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية وعضو مؤسس للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يقول أن جمعَ الأصول بموجب القانون المقترح سيكون محدودا لأن من المرحج أن أولئك الذين يحملون الأصول الفاسدة لن يعلنوا إلا عن جزء من مكاسبهم الغير المشروعة تجنباً لخسارة كل شيء. كما أنه لن يكون هناك أي عملية لإثبات الحقيقة حول تصريحاتهم، ومن ثم فإن القانون من شأنه أن يؤدي إلى عوائد مالية مخيبة للآمال.

يقول البدوي أيضا أنه إذا لم تكافح تونس الفساد مباشرة سيظل المستثمرون حذرين من البلاد ولن ينمو الاقتصاد.

"بالتالي، هناك حاجة ماسة لمعالجة [الفساد] عن طريق ضمان حد أدنى من الشفافية، واستقلال القضاء، والالتزام بحقوق الملكية، للتأكد من أن المصالحة يمكن أن يكون لها بعدا إصلاحيا وتنمويا. هذا لا يمكن أن يتحقق من خلال تمكين الناس الفاسدين البدء من جديد وكأن شيئا لم يحدث. نهج المصالحة الذي يقدمه هذا القانون المقترح مضلل وتناقض مع المكاسب الدستورية الجديدة التي تتطلب بديلا تنمويا حقيقيا على المستوى الاقتصادي و السياسي و المؤسساتي. إذا خذلنا هذه التطورات الدستورية، فإن النموذج الإنمائي الجديد لن ينجح بل سيكون مجرد حبر على ورق."

بدلا من ذلك، يقول البدوي وآخرون أن المطلوب هو نتائج وتوصيات هيئة الحقيقة والكرامة، والتي اختتمت مرحلة جمع الشهادات في ربيع هذا العام. عمل الهيئة أمر أساسي لمعالجة إرث البلاد من انتهاكات حقوق الإنسان والفساد. العفو الذي يقدمه قانون المصالحة الاقتصادية المقترح يهدد الهيئة على الوفاء بولايتها.

يقول البدوي: "علينا أن نعمل مع الهيئة لكشف وتفكيك هذه الشبكة من الفساد من أجل بناء نظام جديد يرسي كيانات مؤسسية محترمة ويبني الثقة لدى المواطن بصفة عامة و للمستثمر بالخصوص."


الصورة: نشطاء تونسيون يحتجون على مشروع قانون المصالحة الاقتصادية المطروح حاليا أمام البرلمان يوم الجمعة 15 يوليو. (لينا بن مهني)