حرب رودريغو دوتيرتي على المخدرات تعيد أساليب الدكتاتورية إلى الفلبين

18/09/2016

بقلم ديفيد تولبرت، رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية

في أقل من شهرين منذ تنصيب رودريغو دوتيرتي رئيساً للفلبين تم قتل حوالي 1900 شخصاً على أيدي قوات الشرطة وفرق الموت بسبب الاشتباه بتورطهم في تجارة المخدرات أو إدمانها. عمليات القتل الغير قانونية هذه، والتي يتم الترويج لها "كحرب على المخدرات"، تحمل كل بصمات الفوضى الرسمية واحتمالية ارتكاب جرائم ضد الإنسانية،و تم إقرارها من أعلى المناصب في الحكومة.

ليست هذه هي المرة الأولى التي تشهد الفلبين عمليات قتل خارج نطاق القضاء على نطاق واسع وممنهج. فقد تم توثيق أكثر من 3000 عملية قتل خلال ديكتاتورية فرديناند ماركوس. يبدو أن نمط القتل خارج نطاق القضاء بشكل واسع النطاق ومنهجي والذي عانته البلاد تحت ماركوس يعيد نفسه.

مع عبارات مثل "أطلق النار عليه وسأعطيك ميدالية" و "إن كانوا في منطقتك، لا تتردد في الاتصال بنا نحن الشرطة، أو قم بذلك بنفسك إن كان لديك بندقية،" يشجع الرئيس دوتيرتي بشكل صريح وعلني عمليات القتل هذه. كما وعد أيضا بمنح العفو أو تمرير مرسوم للعفو عن رجال الشرطة الذين قد يدانون بعمليات القتل بينما أعلن الحصانة لنفسه كرئيس للبلاد.

أيا كانت سلطات دوتيرتي الرئاسية فهي لا تمتد إلى العفو عن الجرائم الدولية، مثل جرائم ضد الإنسانية المحددة في معاهدة روما التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية. على عكس تايلاند وإندونيسيا، جيرانهم في جنوب شرق آسيا ، والذين أيضا شنوا حروبا على المخدرات انطوت على العديد من حالات القتل خارج نطاق القضاء وداخله، فقد صدقت الفلبين على نظام روما الأساسي في عام 2011.

الفلبين ملزمة، بموجب معاهدات حقوق الإنسان التي وقعت عليها، باحترام الحق في الحياة واحترام الإجراءات القانونية الواجبة. وقد تم التأكيد على هذ مجددا في الآونة الأخيرة من قبل المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالات الإعدام التي تتم خارج نطاق القانون أغنيس كالامارد: "دعاوي مكافحة تجارة المخدرات الغير المشروعة لا يُعفي الحكومة من التزاماتها القانونية الدولية، ولا يحمي الجهات الحكومية أو غيرها من المسؤولية عن أعمال القتل غير المشروعة."

الصور الأخيرة من مانيلا تظهر جانبا آخرا مثيراً للقلق للحرب على المخدرات : استهدافها للفقراء بشكل غير متناسب. ففي صورة تم تداولها على نطاق واسع لأرملة تحتضن زوجها القتيل، نرى كلا من الخسائر البشرية في الحرب على المخدرات وندرك الفقر المدقع لغالبية ضحاياها. عاش الزوجان في كوخ صفيح على رأس قناة لمقلب القمامة في مانيلا. بينما في صور أخرى نرى رجل أعمال بارز ورئيس بلدية كلاهما مشتبه بتجارة المخدرات يلتقيان الرئيس في أمان وعلانية .

ومع ذلك، صوّت جزء لا بأس به من سكان الفلبين لدوتيرتي. وحوّل كثير من الساسة المنتخبين والمسؤولين المحليين ولائهم له، ويرجع ذلك إلى نظام راسخ من المحسوبية في البلاد. وقد شجع هذا دوتيرتي ومسؤولي الشرطة وبعض أنصاره للتشكيك ليس فقط في مدافعي حقوق الإنسان ولكن حتى في وجود هيئة حقوق الإنسان، والتي هي هيئة دستورية أنشئت بعد دكتاتورية ماركوس للحد من الانتهاكات. حذر دوتيرتي المدافعين عن حقوق الإنسان قائلا: "لا تختار معركة معي أو سوف تخسر." كما رفض وزيرعدله تحذيرات من محامين حقوق الإنسان ومشرعين بأن عمليات القتل هذه قد تكون جرائم ضد الإنسانية، مدعياً أن "المجرمين ليسوا الإنسانية."

خلال فترة أرويو، وجد فيليب ألستون، الذي كان مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفاً، أن عمليات القتل خارج نطاق القضاء للنشطاء اليساريين وتجار المخدرات المشتبه بهم ومتعاطي المخدرات قد تصاعد بشكل ملحوظ في السنوات الخمس منذ انتخاب أرويو. وفي تقرير عام 2009، سمى ألستون الرئيس دوتيرتي تحديدا والذي كان عمدة مدينة دافاو آنذاك، كشخص"لم يفعل شيئا لمنع عمليات القتل هذه، وتدل تعليقاته العلنية على أنه ذاته، في الواقع، يدعمها".

حقيقة أن هذه الجرائم لن تتوقف وأنها أيضا تنفذ وتشجع على المستوى الوطني تُرجح أن الأفراد والجماعات الذين نفذوا ودعموا وشجعوا عمليات القتل سيفلتون من العقاب. ونرى اليوم أن إرث الإفلات من العقاب يلعب دورا في سياسة حملة منظمة من العنف قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. لسوء الحظ، هناك العديد من الأمثلة، عبر كل القارات تقريبا، حيث التسامح مع عمليات القتل خارج نطاق القضاء وثقافة الإفلات من العقاب لا يؤدي إلى تآكل فقط

احترام الحياة والقانون، ولكن أيضاً إلى أشكال أخرى من الانتهاكات، بما في ذلك التعذيب والعنف الجنسي والإخفاء القسري.

ومع ذلك، لا يزال يُنظر إلى الفلبين كبلد يمكنه الرقى إلى مستوى التزاماته في مجال حقوق الإنسان على الرغم من التحديات. وكان اتفاق السلام مع جبهة تحرير مورو الإسلامية خطوة إيجابية في هذا الاتجاه، وكذا اعتماد الحكومة قانونا لتقديم جبر الضرر وتخليد ذكرى ضحايا دكتاتورية ماركوس، والذي يبقى مَعلماً من الاعتراف بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان وآلية لإنصاف الضحايا في جنوب شرق آسيا.

لقد حان الوقت أن تتقيد الحكومة الفلبينية بتعهداتها بحقوق الإنسان التي ألزمت نفسها بها واحترام هذه الحقوق ليس فقط عندما يكون الأمر مريحاً للقيام بذلك، ولكن أيضا بل وخصوصا عندما، كما يدعي قادتها السياسيين، يكون هناك ”حرب“ ضد أولئك الذين لا يرون أنفسهم مُلزمين بموجب القانون أو أي التزام باحترام الحياة.

بينما تقوم الحكومة الفلبينية بهذه الحملة ظاهريا ضد أباطرة المخدرات، ينبغي أن تضع في اعتبارها أنها كدولة طرف في نظام روما الأساسي، مُلزمة بالتحقيق في عمليات القتل واسعة النطاق خارج نطاق القضاء المنهجية التي تستهدف المدنيين والتي قد تشكل جرائم ضد الإنسانية. ومع أن مدعي المحكمة الجنائية الدولية لم يحقق حتى الآن إلا في الحالات التي تجري فيها الجرائم ضد الإنسانية المزعومة بدافع العنف السياسي أوعلى أساس القتل على الهوية، فمن وجهة نظري، لدى المحكمة أيضا ولاية قضائية في بعض الحالات التي تحمل ضرورة ملحة للتحقيق ومحاكمة جرائم ضد الإنسانية، تلك الجرائم ضد أولئك الذين قتلوا ونسيوا في الحروب الجامحة ضد الجريمة.


نشرت هذه المقالة في ساوث تشاينا مورنينج بوست صورة: أقارب مشتبه به في تجارة المخدات يبكون بعد أن قُتل بالرصاص في عملية للشرطة في مانيلا، الفلبين، 3 أغسطس، 2016. (Zeke Jacobs/Sipa via AP Images)