عشر سنوات بعد السلام، هل نيبال جادة أخيراً في البحث عن المخفيين؟

01/09/2016

منذ بدء الحرب الأهلية في نيبال إلى نهايتها قبل عقد من الزمن، لا تزال أسر 1300 من المخفيين ثابتة في مطلبها بالحقيقة وجبر الضرر والمحاسبة. في عام 2006، قدمت الحكومة التزامات رسمية لتوفير ذلك على وجه التحديد. ولكن ما بدأ كتأكيد لحقوق الضحايا انتهى إلى عدم يقين، مسفراً عن القليل من النتائج. عشر سنوات من النسيان القانوني من "في وقت لاحق"، ومطالب الضحايا ما انفكت قائمة في الخطاب السياسي دون إجابة.

بدأت هيئة حكومية جديدة التحقيق في حالات الإخفاء في ربيع هذا العام، متلقية ولاية واسعة لإثبات الحقيقة حول المفقودين. علاوة على ذلك، تقدم الهيئة فرصة هامة لبناء الثقة بين الضحايا الذين عانوا ليس فقط هذه الجرائم البشعة، ولكن أيضاً من عقد من التسييس حول حقوقهم.

ومع ذلك، مع استمرار الضحايا الطلب المتواصل من أجل العدالة - "العثور عليهم" - فهم يتساءلون: هل ستلتزم الهيئة بشكل كامل بتلبية احتياجاتهم؟

عقد من النقاش

تقول ريم القنطري مديرة مكتب المركز الدولي للعدالة الانتقالية في نيبال: "معظم العائلات تريد أن تعرف ما حدث بالضبط وكيف حدث ذلك. البعض يريد حتى قطعة واحدة من عظام المفقود".

تم بِنْيَة اتفاق السلام في نيبال مع الأخذ بالاعتبار هذه المطالب. أنهى اتفاق السلام الشامل، الذي وُقّع في عام 2006، حرباً أهلية دامية بين القوات الحكومية والماويين أودت بحياة 13000، تاركة المئات في عداد المفقودين. اعترافا بانتشار استخدام الإخفاء القسري من قبل الجانبين خلال الصراع، وضع اتفاق السلام الشامل خطوات لإثبات الحقيقة وعودة رفات الضحايا إلى ذويهم. أنشأ الاتفاق هيئة حكومية للتعامل مع هذه الاحتياجات.

الخطة التي نص عليها اتفاق السلام الشامل خرجت عن مسارها بسرعة بسبب المشهد السياسي المشحون في نيبال. قفي عام 2007 اقترحت الحكومة مشروع قانون من شأنه خلق هيئة للتحقيق في حالات الإخفاء، ولكنه تضمن بنودا تعطي المفوضين سلطة العفو عن الجناة. تلى ذلك سنوات من الجمود السياسي بينما كانت حقوق الضحايا في قلب لعبة شد الحبل السياسية.

ووصل الصراع السياسي لذروته في عام 2014 عندما اعتمد البرلمان قانون "تقصي الحقائق والمصالحة". بالتشابة إلى حد كبير مع مشروع قانون 2007، أنشأ القانون الجديد أخيراً هيئة التحقيق المعنية بحالات الأشخاص المخفيين من جديد، ولكن أيضا وفر لشريكتها "لجنة الحقيقة والمصالحة" القدرة على العفو عن الجناة. ولم تكن هذه الأحكام مقبولة إلى العديد من الضحايا الذين كانوا مرتابين في هيئة ذات صلاحيات العفو.

يبدو كما لو أن مخاوف الضحايا قد هدأت في أوائل عام 2015 عندما قضت المحكمة العليا في نيبال بأن أحكام العفو في قانون "تقصي الحقائق والمصالحة" غير دستوري. ومع ذلك، دفعت الحكومة إلى الأمام بهيئة التحقيق المعنية بحالات الأشخاص المخفيين دون تعديل القانون رداً على حكم المحكمةـ ببساطة أبقت على نص العفو في مكانه.

وعلى الرغم من بعض المحاولات لتعديل هذا القانون، بقيت أحكام العفو في مكانها إلى اليوم. ومع بقاء قرار المحكمة العليا دون معالجة، وافق البرلمان على لوائح هيئة التحقيق المعنية بحالات الأشخاص المخفيين في مارس 2016 وتعيينها للعمل.

لجنة التحقيق المعنية بحالات الأشخاص المخفيين على الأرض

ومن ثم ففي هذا السياق الغامض بدأت هيئة التحقيق المعنية بحالات الأشخاص المخفيين أخيرا العمل في ربيع هذا العام، مستهلة المرحلة التجريبية من لتحقيقات قبل الوفاة في شهر مايو.

التحقيقات حول الظروف السابقة للوفاة، أو تجميع المعلومات عن المفقودين في محاولة للعثور عليهم، غالبا ما تنطوي على مقابلات مع أفراد الأسرة أو الشهود من أجل تجميع الحقيقة. وهذا يعني أن هيئة التحقيق المعنية بحالات الأشخاص المخفيين تعتمد بشكل كبير على العلاقات في مجتمع الضحية. ومع ذلك، فالضحايا لديهم مشاعر مختلطة حول اللجنة حيثما يستشهدون بالمواقف السياسية حول العفو كأحد أسباب عدم يقينهم. هم غير مقتنعين بأن هيئة التحقيق المعنية بحالات الأشخاص المخفيين سوف تكون قادرة على تحديد ما حدث لذويهم، ناهيك عن تقديمهم العدالة.

تقول لاكشمي خادكا، الذي أُخفى زوجها من قبل الماويين: " لدي شك في أن الهيئة سوف تجد الحقيقة. لقد سمعت أن الحكومة والهيئة لا تتبعان قرار المحكمة العليا، كيف يمكن إذا أن تعطي صوتاً لضحايا النزاع؟"

وعلى الرغم من شكوكها شاركت خادكا في البرنامج التجريبي لهيئة التحقيق المعنية بحالات الأشخاص المخفيين في هذا الربيع. هي والكثيرون مثلها عملوا مع المفوضين في عملية التحقيق ويرى العديد أنها فرصة، ولكن معيبة، لقول الحقيقة. ومن الواضح أن كثيرا من الضحايا يريد دعم عمل هيئة التحقيق المعنية بحالات الأشخاص المخفيين - ولكن فقط إذا تم استيفاء شروط معينة.

تقول شوفا بهاتا التي أُخفى زوجها أيضا من قبل الماويين : "آمل أن تفعل الهيئة شيئا لمعرفة الحقيقة. أنا على استعداد لدعم الهيئة . ولكن يجب أن تتشاور الهيئة مع الضحايا".

يشاركها راتنا غيمير، الذي أُخفى ابنه من قبل قوات أمن الدولة ، هذه المخاوف. فقد عمل الضحايا عبر الخطوط الأيديولوجية للدفاع عن ذويهم المفقودين، والحث على تنفيذ قرار المحكمة العليا.

يقول غيمير: "أنا لست مقتنعا بأن النظام الحالي للهيئة سوف يساعد عملية السلام في نيبال."

المحاسبة وبيئة صديقة للضحية

هذا الشهر، أغلقت هيئة التحقيق المعنية بحالات الأشخاص المخفيين فترة تقديم الشكاوى بعد فترة التماس 4 أشهر جمعت فيها ما يقرب من 3000 قضية تتعلق بحالات الإخفاء القسري. من خلال فرز الشكاوى، وإجراء مزيد من التحقيقات حول الظروف السابقة للوفاة، والتعرف على المفقودين تحتاج الهيئة ثقة الضحايا. لبناء هذه الثقة يقول الضحايا أن على االدولة استيفاء توقعاتهم عندما يتعلق الأمر بالمحاسبة والأمن وجبر الضرر.

وتقول دارما تشودري: "لن تعمل الهيئة في بيئة صديقة للضحية بسبب الأحكام القانونية لهيئة الحقيقة والمصالحة". وكان شقيق تشودري أُخفي من قبل قوات أمن الدولة أثناء الحرب الأهلية، وشجعت تشودري الخطة التي وضعت اتفاق سلام في عام 2006 . وكانت في البداية فرحة بإنشاء هيئة التحقيق المعنية بحالات الأشخاص المخفيين. لكنها الآن تعتقد أن المصالح السياسية حلت محل مصلحة الضحايا.

تقول تشودري: "نحن لا نعتقد أن الهيئة لنا. لقد كانت أحكام اتفاق السلام الشامل جيدة، ولكن الحزب السياسي ما برح يحدد العملية لصالحه، ولن تعمل الهيئة بشكل مستقل."

الضحايا يريدون من الحكومة أن تعمل مع أخذ مصالحهم بعين الاعتبار. هذا يعني إمكانية أن الذين يقفون وراء إخفاء أحبائهم سيواجهون العدالة.

بذلت هيئة التحقيق المعنية بحالات الأشخاص المخفيين نفسها الجهود لضمان إمكانية ذلك . وقد تم القول بصراحة أن بعض انتهاكات حقوق الإنسان التي تدخل في نطاق ولايتها - بما في ذلك حالات الإخفاء القسري - يجب أن تُجرم في القانون النيبالي. لكن هذه التوصيات لم تتحرك بشكل كبير إلى الأمام في الهيئة التشريعية في نيبال.

توقعات الضحايا الأخرى: جبر ضرر والأمن

بينما يقول الضحايا أن إمكانية العفو يضر بشدة بمصداقية هيئة التحقيق المعنية بحالات الأشخاص المخفيين، فإنهم يضيفون أن الهيئة يمكنها استعادة الكثير من الثقة من خلال الالتزام التام بجبر ضررعائلات المخفيين. في كثير من الحالات، كان المخفي المعيل الوحيد، ومن ترك وراءه عانى ليس فقط عاطفيا ولكن أيضا الأثر الاقتصادي للجريمة.

وتوضح خادكا: "على الهيئة تقديم جبر ضرر للناجين خلال فترة التحقيق. بعد ذلك، يمكن للضحايا الثقة في الهيئة."

وفي حين قامت الحكومة بوضع برنامج إغاثة مؤقت صمم لتوفير 5000 $ للضحايا في ثلاث دفعات، لم يتلق جميع الضحايا تلك الاموال. من خلال الالتزام بجبر ضرر أكثر شمولا، يرى الضحايا أن بإمكان هيئة التحقيق المعنية بحالات الأشخاص المخفيين كسب ثقتهم.

لدى الضحايا والشهود أيضا مخاوف بشأن سلامتهم عند مشاركتهم في تحقيقات الهيئة. لا تملك هيئة التحقيق المعنية بحالات الأشخاص المخفيين آلية لحماية الشهود خاصة بها، واللجان التي تدير شكاوى الضحايا ليست مستقلة. فقد سبق للجيش - الذي لا يزال يوظف مرتكبي جرائم خلال الحرب الأهلية- وأن طلب الوصول إلى سجلات الشكاوى . وقد منع هذا بعض راغبي تقديم الشكاوي من المضي قدما.

تنحدر خادكا من منطقة بارديا، الموطن لأكبر عدد من حالات الإخفاء. وتقول أن الشهود في قضية زوجها يترددون في الإدلاء بشهاداتهم لأنهم يخشون على سلامتهم.

تقول خادكا: "سألت الشهود وقالوا لي أنهم لا يريدون المثول أمام الهيئة بسبب المشاكل الأمنية. لا يمكن للهيئة ضمان حماية الشهود. "

المضي قدما

عشر سنوات منذ انتهاء اتفاق السلام الذي أنهى الحرب، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة النيبالية لديها الإرادة السياسية لكشف الحقيقة حول من أُخفوا في الصراع. الموقف المستمر حول أحكام العفو العام هو أحد مظاهر القناعة المحدودة لمعالجة الماضي.

أعراض أخرى: محدودية موارد هيئة التحقيق المعنية بحالات الأشخاص المخفيين . ببساطة لا تملك الهيئة ما يكفي من الأموال أو الوقت لتنفيذ ولايتها. أحد أعضاء الهيئة أعرب أسفه مؤخرا لقلة الموارد المخصصة للهيئة، وقال إن نطاق عملهم يتطلب المزيد من الوقت. وتنتهي ولاية الهيئة في فبراير، ولا توجد لديها خطط للعمل بعد ذلك التاريخ.

تؤكد القنطري: " لا نرى أن هناك إرادة سياسية حقيقية للتعامل مع الماضي."

وعلى الرغم من التحديات التي تواجه هيئة التحقيق المعنية بحالات الأشخاص المخفيين والإرادة السياسية المترددة في البلاد، فالهيئة لديها القدرة على تقديم إجابات - وعدالة- طالب بها الضحايا لسنوات. إن قامت بذلك، فعلى الحكومة إعادة التأكيد على الالتزامات التي تعهدت بها في عام 2006 عندما وقعت اتفاق السلام. هذا يعني الالتزام بقرار المحكمة العليا، والبناء على توصيات هيئة التحقيق المعنية بحالات الأشخاص المخفيين لتجريم الإخفاء القسري والاستماع إلى توقعات عائلات المخفيين.


صورة: نشطاء حقوق إنسان نشطاء وأقارب المخفيين يطالبون بالحقيقة حول أحبائهم في احتجاج عام 2003. (Devendra M. Singh/Getty Images)