استئناف جلسات الاستماع العلنية: التونسيون يدلون بشهادتهم على العنف والفساد والتهميش

21/12/2016

شاهدوا جلسات الاستماع العلنية هنا .

في 17 من ديسمبر، ست سنوات على اليوم الذي أضرم فيه محمد البوعزيزي النار في نفسه وأشعل "ثورة الياسمين"، عقدت هيئة الحقيقة والكرامة التونسية جلسات استماع علنية حول الأحداث التي وقعت خلال الثورة وانتهاكات النظام الذي أطاحته.

اجتمعت الهيئة ليومين من الشهادات العلنية، التي تلت الجلسات الأولى التي عقدت في نوفمبر تشرين الثاني. شهد الضحايا على انتهاكات قوات الأمن في ظل دكتاتوريات بن علي والحبيب بورقيبة، ورُوُوا بالتفصيل تفشي التحرش بالمعارضين وتعذيبهم في ظل الأنظمة السابقة . كما كشفوا أيضاً عن الفساد المنهجي والتهميش الذي قامت به الأنظمة الديكتاتورية.

"لقد كان عقابا جماعيا:" التعذيب عبر الأنظمة

افتتحت محرزية بن العابد الجلسة بشهادة عن التعذيب الذي تعرضت له عقب القبض عليها في عام 1991 في حملة منسقة من قبل قوات الأمن ضد معارضين زين العابدين بن علي في تونس. كانت السيدة محرزية حاملا عندما أُلقي القبض عليها، ولكن لم يقدم لها الضباط أي رحمة: تم إخضاعها لأنواع من الضرب الوحشي، كالذي تم روايته في الجلسات السابقة، كما عُذبت أيضا بالصدمات الكهربائية والتهديد بالعنف الجنسي. أفضت هذه المعاملة في الحجز إلى الإجهاض، وواصلت قوات الأمن مضايقتها لسنوات بعد إطلاق سراحها.

وبينما بقيت السيدة محرزية صلبة أثناء روايتها تفاصيل الأهوال التي عاشتها، فقد بكت عندما تحدثت عن التعذيب الذي شاهدته. أجبرها الضباط على مشاهدة تعذيب زملائها المعتقلين -من بينهم زوجها - واخضاعهم لآلام مبرحة.

تقول محرزية: "لقد كان عقابا جماعيا. كان الرجال يصرخون مثل النساء في الوضع"

وصف الضحايا الآخرون المعاملة الغير محتملة التي عانوها واضطروا لمشاهدتها. كانت نجوى الرزقي طالبة جامعية في عام 1994 عندما اعتقلتها القوات الحكومية. تحملت نجوى الضرب والتهديد بالاغتصاب، ولكن ما كدرها أكثر كان سجن الأطفال الذين وُلد بعضهم في عهدة السجن. روت نجوى قصة عن رحمة، وهي فتاة كانت تبلغ من العمر 5 سنوات، وكانت تحدق بشوق من نافذة السجن ممسكة بالقضبان هاتفة : "يا إلهي، لقد سئمت السجن!"

وبينما تواصلت الشهادات، وصف الضحايا الإصابات طويلة الأمد التي لحقت بهم في غرف تعذيب الدولة. قالها السيد سالم كردون بصراحة: "ليس لدي شبر واحد في جسدي لا يحمل علامات التعذيب."

اعتقل السيد سالم في عام 1991 وأُجبر على الاعتراف زوراً في تورطه في مؤامرة براكة الساحل ضد بن علي. أثناء احتجازه لدى الشرطة أصيب بثقوب في بطنه وأذنيه، وفشل بالكليتين، واستهدف الضباط خصيتيه حتى تم تشخيصه بالعقم.

شهد الضحايا الذكور الآخرين أيضا على التعرض للعنف الجنسي على أيدي قوات زين العابدين بن علي. السيد عبد الله بن صالح، الذي ألقي القبض عليه في عام 1976 لانخراطه في الحركة القومية العربية، وصف تعليقه من قضيب عار، بينما يدخن الضباط السجائر و يتجاذبون أطراف الحديث حول مباراة لكرة القدم. بعد أن انتهوا من سجائرهم، تم إطفائها على أعضاء صالح التناسلية وفتحة الشرج. كرروا هذا سبع مرات.

"ما هو السبب؟ ما هو الداع؟ "طالب صالح أن يعرف.

"كان هناك الكثير من الفقر:" التهميش والفساد

إضافة لأساليب التعذيب الوحشية للدكتاتورية، تحدث الشهود أيضا عن الاستغلال الاقتصادي والتهميش الذي عانى منه التونسيون في عهد بن علي وبورقيبة. اليوم الثاني من جلسات الاستماع أبرز آثار هذا القمع والفقر، واضعا إياهم في سياق ثورة الياسمين في ذكرى احتجاج البوعزيزي.

تحدث أهالي شهداء الثورة لهيئة الحقيقة والكرامة، وكان من بينهم والدة ووالد يقين قرمازي ذات الثماني أشهر والتي لقت حتفها من الغاز المسيل للدموع الذي أطلقته قوات الدولة. قُتلت يقين في القصرين، واحدة من أكثر المناطق المهمشة اقتصاديا من تونس، ولعب الفقر في المنطقة دورا كبيرا في وفاتها. كان على والديها اقتراض المال للوصول إلى المستشفى، وعندما وصلوا كانت معدات المستشفى خارج العمل.

طالبوا إخوتهم التونسيين بالسعي معهم لأجل تحقيق العدالة معهم. قالت والدة يقين: "نريد المساءلة للجناة. يقين ابنتي، لكنها ابنة كل التونسيين."

وتحدث شهود آخرون أيضا عن الظلم الاقتصادي في عهد كلا الديكتاتوريين. قُتل فاضل شقيق السيد جمال ساسي في عام 1984 عقب شغب أحداث الخبز، وتحدث السيد جمال عن إحباط أخيه من الظلم والذي أدى إلى مشاركته في المظاهرات. قال جمال: "لم يكن الخبز هو القضية. كان هناك الكثير من الفقر. كان هناك الكثير من القمع."

كان للقمع الاقتصادي أيضا آثارا استثنائية على النساء المحجبات. روت حميدة العجنقي للهيئة التمييز الذي عايشته لارتدائها الحجاب: فقد اضطرت، مثل العديد من النساء الأخريات، إلى ترك المدرسة، ومُنعت من العمل بسبب خيارها الديني. ألقي القبض عليها في نهاية المطاف، وعُذبت وواجهت التوصيم حتى من داخل أسرتها.

ربما جاءت الشهادة الأكثر تفردا من السيد أحمد بن مصطفى، السفير السابق في عهد بن علي، الذي روى للهيئة عن الاختلاس على نطاق واسع الذي شهده كونه كان مسؤولا رفيع المستوى. وتحدث السفير عن تهريب أعضاء عائلة بن علي لحقائب مليئة بالنقود إلى خارج البلاد. وعندما رفض السفر مساعدة الفساد، تم تلفيق قضية اختلاس له وحكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات في السجن. ركزت شهادته بشكل كبير على العلاقة بين انتهاكات الفساد وحقوق الإنسان.

"رجاءا لا تنسونا"

وبينما خلصت شهاداتهم، أكد العديد من الضحايا على أهمية الاعتراف على التعويض المادي.

قال والد شهيد الثورة محمد جابلي: "نحن لا نريد المال. نحن نريد نصب تذكاري ورد الإعتبار"، مقترحا على الدولة تسمية الشوارع بأسماء الشهداء، ومتوسلا البلاد: "رجاءا لا تنسونا."

وتحدث آخرون حول ما يريدون أنفسهم من الجناة . بشكل حاسم، أوضحت نجوى الرزقي أنها قررت عدم تسمية معذبيها في شهادتها من أجل حماية أطفالهم. "أنا لا أريد للأطفال أن يكبروا بخزي ما فعله آباؤهم"، قالت. "من أعماق قلبي، آمل يحكي والديهم لهم قصصا جميلة وألا يصبحوا الجناة أنفسهم."

وقالت سلوى القنطري، مديرة مكتب المركز الدولي للعدالة الانتقالية في تونس، أن قرار السيدة نجوى الرزقي يشير لأسس المصالحة : " كانت جلسات استماع هيئة الحقيقة والكرامة العلنية دليلا على هذه العملية ليست حول الانتقام". مضيفة: "من المفارقات، فكر الضحايا بأطفال معذبيهم - سمعتهم ومستقبلهم داخل هذا المجتمع - أكثر من آبائهم . كان من الرائع أن نرى كيف يمكن للألم أن يمهد الطريق إلى المصالحة ومطالبات التعايش. هل يستجيب الجناة لهذه الدعوة الإنسانية ويطلبوا العفو؟ "

رد الفعل العام

كانت هذه المجموعة الثانية من جلسات الاستماع العامة في تونس، وكما سابقتها، تابعها الآلاف داخل وخارج تونس. و واصلت الشهادات تشكيل النقاش العام للماضي المؤلم للبلاد، مع العديد من التأمل حول هذه الإجراءات التاريخية على وسائل الإعلام الاجتماعي:

يجدر الذكر أن هيئة الحقيقة والكرامة سوف تستأنف الجلسات مرة أخرى يوم 14 يناير، ذكرى فرار بن علي للبلاد. ومن المقرر عقد 20 جلسةالاستماع في الأشهر القادمة.