الأمل لأجل عدالة في سوريا من مصدر غير متوقع

12/03/2017

سبعُ سنوات من المذابح في سوريا، من تفشي الجرائم البشعة، ومن انتهاكات وحشية تُرتكب ضد كل الجماعات في بلدٍ مُدّمر، ونظام قاتل مُشجّعٍ من حلفاء أقوياء لا يزال في السلطة. يظلّ مجلس الأمن الدوليّ يواجه طريقاً مسدوداً وغير قادرٍ على اتخاذ أي خطوات نحو ضمان المساءلة عن الجرائم واسعة النطاق، مع ترك المحكمة الجنائية الدولية على الهامش. ومع ذلك، في ظلّ الخسارة الفادحة في الأرواح، نأمل أن عجلات العدالة البطيئة قد بدأت في التحرّك أخيراً من مصدر غير متوقع - الجمعية العامة للأمم المتحدة (GA).

في ديسمبر من عام 2016، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة- بقيادة دولتي ليختنشتاين وقطر- "آلية مُستقلة للمساعدة في التحقيق في الجرائم الخطيرة التي اُرتكبت في سوريا منذ مارس 2011". مع هذه الخطوة رَسَّخَت الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي عادة ما تُقترن بالمسائل الإدارية والمالية، نفسها بشكلٍ مُرحب به بالرغم من استثنائيته، مما ُيشير إلى الإحباط العميق من فشل أجهزة الأمم المتحدة الأخرى والقوى العُظمى لوقف القتال في سوريا. تُبرهنُ هذه الخطوة كذلك أن بمقدرة الدول الصغيرة تحفيزُ المجتمع الدوليّ حول القضايا ذات الأهمية العالمية والحضُّ على استجابة جماعية.

استخدام مُصطلح " آلية" يشيرُ إلى أن صلاحيات هذه الهيئة المُنشأة حديثاً ليست هيئة قضائية أو لجنة تحقيق. بدلاً من ذلك، مَركزُ مهمتها يتمثلّ في جمع وتحليل الأدلة، والتي يُمكن أن تُستخدم من قبل المحاكم أو الهيئات القضائية في المستقبل لملاحقة هذه الجرائم الجماعية. يمكنُ أيضاً أن تُستعمل المواد التي سيتم جمعها بشكل نافع في عمليات العدالة الانتقالية الأخرى، بما في ذلك لجان الحقيقة وبرامج جبر الضرر وعمليات العزل. في حال نجاحها، هذا الجهد قد يكون حقاً اختراقاً ضد سَيْطَرة الإفلات من العقاب على الجرائم البشعة التي تُرتكب في سوريا. غَيْرَ أَنَّه لتنجح تلك "الآلية"، يجبُ أن يخطط عملها بعناية بدلًا من تكرار عمل الآخرين.

فهم وتحليل الأدلة

تجربتي لمدة عشر سنوات من العمل في أربع محاكم دولية تُخبرني أن "الآلية" لا ينبغي لها أن تتمركز في المقام الأول على جمع الأدلة في المرحلة البدائية من عملها. فقد تمّ بالفعل تغطية الكثير من نفس العمل من قِبل مجموعات شجاعة ونشطة جداً من منظمات المجتمع المدني السورية العاملة تحت ظروف مخاطر عظيمة، وكذلك شركائها الدوليين ولجنة التحقيق التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، الذي أجرى مقابلات مع 1400 شاهداً. عوضاً عن ذلك، يجبُ أن تكون الخطوة الأولى فهم وتحليلُ الأدلة التي تمّ جمعها.

بالتأكيد، ينبغي أن تُركز التحقيقات على مرتكبي أخطر وأفظع الجرائم. تعلمنا هذا النهج بالتجربة في يوغوسلافيا السابقة وغيرها من أماكن الفظائع الجماعية: مع آلاف من الجناة، فالملاحقات هي أكثر فعاليةٍ عندما تُركز على القادة السياسيين والعسكريين، بدلاً من جنود المشاة. التجربة، بما في ذلك في القضايا المرفوعة ضد سلوبودان ميلوسيفيتش ورادوفان كراديتش، أظهرت أنّ التحليل الصحيح للأدلة والقيام بربط العلاقة بين كبار القادة وصغار الجناة أمر بالغ الأهمية لإثبات المسؤولية الجنائية للأشخاص الذين يتحملون المسؤولية عن التخطيط والتَنْظِيم للجرائم المُرتكبة. هذه المنهجية، التي اُستخدمت في إثبات مسؤولية كراديتش عن الإبادة الجماعية في سربرنيتشا، كانت بالمثل عاملاً حاسماً في بُرْهان مسؤولية كانغ كيك إيوي، قائد السجن S-21 سيئ السمعة في كمبوديا (حيث نجا سبعة فقط من 14000 سجيناً) عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية .

حماية الشهود

قضية هامة أخرى هي قضية حماية الشهود. لقد تحملتُ المسؤولية الكبيرة لضمان حماية الشهود في العديد من المحاكم الدولية، وأرى أن ذلك ليس ضرورياً لنجاح التحقيقات والمحاكمات الجنائية فحسب، ولكن أيضاً كواجب أخلاقي عميق نحو أولئك الذين وضعوا أنفسهم في موضع خطر من أجل قضية العدالة. لأن كل اتصال مع شاهد/ة يضعه أو يضعها في خطر أعظم، ففهم الأدلة التي في اليد تمنع الاتصال الغير ضروري مع الشهود والذي قد يعرضهم للخطر - كما يضمن استخدام الموارد بحكمة.

لهذا السبب ولأسباب أخرى، تحتاج "الآلية" لإشراك - في أيامها الأولى من العملية - المجموعات الملتزمة بشكل غيرعادي من المجتمع المدني في سوريا والشتات السوري، وكثير منهم يشعر بالاستبعاد من العملية حتى الآن. يُمكن تدارك هذا من قبل قيادة الهيئة الجديدة بالانخراط في مُشاورات مع هذه المجموعات من المجتمع المدني، والتي من شأنها تجاوز جهود التوعية الروتينية. بأشكال هامة جداً، هذه المجموعات هي جمهورُ هذا الجهد لتحقيق العدالة عن الفظائع الجماعية في سوريا، وقيادة "الآلية" تحتاج إلى فهم هذا من البداية.

الطريق نحو المساءلة

وأخيرا، اختيار قيادة "الآلية" أمر بالغ الأهمية، ويعتمد عليه نجاح أو إخفاق مسعاها. هناك عدد من التجارب ذات الصلة التي يتَسنَّى الاستفادة منها في هذا الصدد، وتُشير جميعها إلى الحاجة الماسة لاختيار نساء ورجال للمناصب القيادية لديهم فطنة سياسية ودبلوماسية، ومعرفةٍ بكيفية إدارة مكتب يركز على التحقيقات في ظروف عصيبة بشدة. الأهم من ذلك، حاجتهم إلى الحكم الرشيد والأعصاب القوية حيثما سيواجهون تحديات هائلة تتجاوز تلك التي اختبرتُها في يوغوسلافيا السابقة وكمبوديا ولبنان.

إن "الآلية" التي أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة هي ابتكار هام في مكافحة الإفلات من العقاب ويُحتمل أن تكون تَقَدّماً مَصِيرِيّاً بالنسبة للضحايا في سوريا. كما أن لديها القدرة على خلق مسار جديد نحو المساءلة في الوقت الذي تبدو فيه العدالة على هامش أجندات القوى العظمى. سيتوقف نجاحها على مدى تَبَنَّيها للدروس المستفادة من التجارب الأخرى، ولكن أيضاً على دعم قوي من كل شخص منّا ملتزمٍ بالعدالة عن الفظائع التي اُرتكبت في سوريا، أيا كان الجناة.


نشرت هذه المقالة في Al Jazeera.

الصورة: عمل فني للفنان السوري أكرم أبو فوز في ذكرى ضحايا هجوم كيماوي. (Mohammed Badra/Epa/Shutterstock)