عندما لا يدعوه أحد اغتصاباً: أهمية مُناقشة العنف الجنسيّ ضدّ الرجال

27/03/2017

كتب كيلي موديل وسيبلي هوكينز

حدث شيء استثنائي في اليومِ الأول من جلساتِ الاستماع العلنيّة التي عقدتها هَيئة الحقيقة والكرامة الوطنيّة في تونس. تقّدم سامي براهم إلى المنصّة للإدلاء بشهادةٍ شخصية عن تعرّضه للعُنف الجنسيّ في السجن خلال نظام بن علي.

سَرد السيد براهم على مئات التونسيين المستمعين في القاعة، وآلاف من متابعي البث المباشر على شاشات التلفاز وشبكة الإنترنت، أحداث اعتقاله عندما كان طالباً في التسعينات من القرن الفائت وتجربته عن سوء المعاملة والتعذيب أثناء وُجوده في السجن: "تم تجريد جميع المساجين، شباباً وكباراً، من ملابسهم. لمدة أسبوع كامل ترُك الجميع عراة. لماذا؟ ماذا كانت الجريمة؟ ما كان عقابنا؟"

ساعدت شهادُته في تسليط الضوء على قضيةٍ يُنظر إلى الحديث عنها كأمر حساس جداً في معظم الثقافات، تاركة عدداً لا يحُصى من الضحايا في الظل. تُبين الشهادة أن العنف الجنسي ليس مجرد قضية تخصّ المرأة يُمكن تركها للمدافعين عن حقوق النساء. بل هي قضية تتطلب اهتماماً وعملاً على نطاق أوسع، لا سيما بالنظر إلى نطاقها العالمي.


**للمشاهدة: شهادة سامي براهم**

مجرد أمثلة قليلة: نعلمُ من عملنا أن مثل هذه الانتهاكات قد حدثت في شيلي في الثمانينات، وفي جنوب أفريقيا خلال نظام الفصل العنصري، وكذلك في البوسنة خلال الحرب اليوغوسلافية، وتحدثُ الآن في سوريا تحت نظام الأسد.

وريثما تتنامى الجهود في جميع أنحاء العالم لكشفِ تفاصيل الماضي المُؤلم كوسيلة للتأّكد من الاعتراف بالضحايا ومعاقبة الجناة وعزلهم من مواقع السلطة ومنع تكرارِ مثل هذه الانتهاكات، يأتي المزيد والمزيد من قصص مثل شهادة السيد براهم إلى النور. وبينما يتواجد إجماع واسع على أن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان يستحقون كلاً من العدالة والاعتراف بالأضرار التي عاشوها، وحفظ الحقيقة في الذاكرة الوطنية للمجتمع المنكوب، فمُعظم مثل هذه الجهود تُغفل ضحايا العُنف الجنسيّ من الذكور.

في كثير من الحالات، يَشعرُ الضحايا الذكور وكأنّ الإبلاغ عن انتهاكات العنف الجنسيّ غير مُجدٍ أو غير آمن حَتّى لَوْ للجان الحقيقة أو محاكم جرائم الحرب. ظلّت الجهود السابقة غير مفيدة أو مُهينة في أحسن الأحوال، مع إحالة بعض الأطباء في أوغندا الضحايا الذكور لأطباء أمراض النساء، أو الّلوم والتعيير في أسوأ الأحوال واتهام الضحايا ب"الرغبة في ذلك" أو نعتهم بمثليّ الجنس في سياقاتٍ المثلية الجنسية غير مقبولة اجتماعياً أو مُجرّمة قانونياً.

وفقاً لنتائج دراستنا، التي نُشرت في تقريرٍ صدر مؤخراً، يَكمنُ جزء من المشكلة في أنّ تدابير المساءلة والإقرار، مثل لجان الحقيقة وبرامج جبر الضرر والمحاكمات وإصلاح مؤسسة الشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى، لا تتضمن تدابير خاصة لتشجيع الذكور الضحايا على الإدلاء بشهادتهم وتيسير ذلك كما تفعل على نحو متزايد مع النساء.

تحدٍ آخر يقعُ في الميل إلى تجاهل الطبيعة الجنسية لهذه الانتهاكات حتى عندما يُدلي الضحايا الذكور بشهاداتهم. غالباً ما يتم التعامل وتسجيل انتهاكات مثل الضرب على الأعضاء التناسلية أو التعري القسري أو الإخصاء كأشكالٍ مادية بحتة من العُنف، بينما يُعترف بالانتهاكات المماثلة ضد المرأة كانتهاكاتٍ جنسية.

مثل هذا التفكير يُقلل من تجارب الضحايا مثل السيد براهم الذي شرح معاناته طويلة الأجل التي لازمته: "تهزم، تشعر بالذل، لا تحترم نفسك بعد الآن. كان هذا هو الهدف."

دون الاعتراف الفاعل بالانتهاكات الجنسية ضدّ الرجال والفتيان، فإن الجهود المبذولة لمعالجة مظالمِ الماضي - بما في ذلك جهود الهيئات الحكومية وسلطات العدالة الجنائية والعاملين في المنظمات غير الحكومية ومقدمي الرعاية الصحية والمنظمات الدولية - ستواجه صعوبة تجاه تطوير استجابات شاملة وفعالة.

وهذا يجعلُ من الصعب أو المستحيل على هؤلاء الضحايا الوُصول إلى أشكالٍ متخصصة من الانتصاف من الدولة. حدث هذا في سيراليون حيثما تم تسجيل الرجال الذين شهدوا بتعرضهم لأشكال من العنف الجنسي إلى لجنة تقصي الحقائق في البلاد كضحايا "عنف جسدي"، مما جعلهم غير مؤهلين للحصول على دعم مخصصٍ للناجين من العنف الجنسيّ.

كما يجعلُ هذا المجتمع الذي يتعامل مع تاريخٍ من العنف والقمع عصياً على فهم الأبعادِ الكاملة للأضرار التي اُرتكبت. شهادة مثل شهادة السيد براهم في جلسات الاستماع العلنية الجارية لهيئة الحقيقة والكرامة في تونس تُغَيّر كيفية فهم التونسيين للماضي. بشَكْل مِثَالِيّ، سيؤدي هذا إلى مناقشات أوسع حول العنف الجنسيّ في تونس وسبل معالجته. كل شخص منّا يعملُ على الإقرار والمساءلة عن الجرائم التي اُرتكبت خلال الديكتاتورية أو الحرب يجب أن يواجه التحدي المتمثل في إيجاد وسائل مُجدية للكشف والاستجابة ومنع العنف الجنسيّ ضد جميع الضحايا، بما في ذلك الرجال والفتيان. يبدأ هذا مع التعلّم من أوجه القصور الماضية والشروع في انتباه نَاجِعٍ لخبرات ووجهات نظر الضحايا الذكور للعنف الجنسيّ. خلافاً لذلك؛ فنحن نخاطر بخذلانِ عدة آلاف من الضحايا وتركهم بكرامة مشوهةٍ واحتياجات حرجة طويلة الأجل غير ملبّاة.


الصورة: سامي براهم يدلي بشهادته. (TDC)