منطقة البحيرات الكبرى: إشراكُ الضحايا لمنع الصراعات الجديدة

28/03/2017

كامبالا، 28 مارس / آذار 2017 - بينما تتأرجحا بوروندي وجنوب السودان على شفا تَجددِ الصراع، مع تحذيراتٍ من احتمال حدوث إبادة جماعية، يُؤكد تقرير جديد من المركز الدولي للعدالة الانتقالية عن منطقة البحيرات الكبرى الأفريقية أن هناك دروساً يجَبُ تَعلمها من البلدان المجاورة ذات صلة بمنع نشوب نزاعات جديدة. يدعو التقرير إلى فهمٍ واضح لاحتياجات الضحايا ومطالبهم، وإجراء تحليل سياسي شامل، وتحديد فرص واقعية للإقرار والمساءلة، ودعم الملكية المحلية للعملية، وتيسير التفاعل بين الدولة والضحايا والمجتمع المدني.

يستندُ التقرير المُعَنون "الضحايا يكافحون الإفلات من العقاب: العدالة الانتقالية في منطقة البحيرات الكبرى الأفريقية" إلى الدروس المستفادة من أكثر من 11 عاماً من عَملِ المركز على قضايا العدالة في أوغندا وكينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، حيثما لا تزال التدابير جارية للتعامل مع فتراتٍ مُؤلمة من انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع - والتهديد بالعنف المتجدد، ولا سيما حول الانتخابات.

تقول كاساند سارة كيهيكا، المؤلفة المشاركة للتقرير ومديرة مكتب المركز الدولي للعدالة الانتقالية في أوغندا: "بالنظر إلى بترابط العنف في المنطقة، فإن محاولة كل بلد لتوفير العدالة للانتهاكات السابقة توُفر دروساً لعمليات مماثلة في بلدان أخرى. ينَبغي على المجتمع المدني والحكومة العمل معاً داخل البلدان وعبرها لإنهاء دورات العنف التي تُزعزع استقرار المنطقة وكذلك العمل على تجسيد حقوق الضحايا في العدالة والحقيقة وجبر الضرر".

يُشدد التقرير على ضرورةِ الاعتراف بحقوق الضحايا كعنصرٍ ضروري لبناء سلام مستدام. ويؤكد كذلك على أهمية إشراك المجتمع المدنيّ وجماعات الضحايا منذ البداية في وَضعِ استراتيجياتٍ فعالة وعَملية للتعامل مع الماضي، بما في ذلك في اتفاقات السلام والقوانين والسياسات الوطنية.

تقول كاساند: "الواقع أنّ الاتفاقات والسياسات التي ساعدت في إنهاء الصراعات في هذه البلدان غالباً ما تتَضمن التزامات مُعقدة جداً وطموحة فيما يتعلق بالعدالة والتي غالباً ألا تُنفذ بالكامل - إما لأنّ البلد يفتقرُ إلى القدرة أو لأن الإرادة السياسية ليست هناك".

کما یُوضح التقریر، فإن العدید من التزامات العدالة التي تم الاتفاق علیھا في أوغندا وکینیا وجمھوریة الکونغو الدیمقراطیة لإنھاء نزاعاتھا علی مَدى العقد الماضي لم تُنفذ إلا جزئیاً - أو حتی تم نسيانھا.

ففي أوغندا، على سبيل المثال، لم يُحرَز سِوى تقدم ضئيل في الوفاء بالالتزامات المُتعلقة بحقوق الضحايا المنصُوصِ عليها في اتفاق جوبا بشأن المساءلة والمصالحة المُوقّع بين الحكومة وجيش الرب للمقاومة في عام 2007، لإنهاء الحرب الوحشية التي دامت 20 عاماً . ولكِن بعد ما يَقرب من عشر سنوات، لا يزال البلد يفتقر لى برنامج التعويضات أو لجنة الحقيقة للكشف عن الماضي، ولا تزال مسودة مشروع العدالة الانتقالية لا يزال ينتظرُ موافقة مجلس الوزراء.

تشرحُ كاساند: "كما تعثّرت العمليات الرسمية لأن الاتفاقات والسياسات كثيراً ما لا تُعبر عن فهمٍ كامل للوضع السياسي والاجتماعي الهَش في البلد ولا تِدمج آراء الضحايا قد تختلف اختلافا كبيرا من الضحية إلى الضحية تبعا لعوامل مثل الاجتماعية والاقتصادية والحالة والعرق والجنس وتتغير بمرور الوقت".

دَفع ذلك مجموعات الضحايا والمُجتمع المدنيّ إلى محاولة سد الثغرات في الاستجابة لحقوق الضحايا واحتياجاتهم، في الوقت الذي تدعو فيه الحكومة إلى الوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاقات.

في بعض الحالات، دعمت المجموعات عمليات أكثر محدودية وأحياناً غير رسمية قد تكون لها فرص أكثر واقعية للنجاح وحصولٍ على دعم سياسي. على سبيل المثال، في شمال أوغندا، تدخلت منظمات المجتمع المدني في الاستجابة لاحتياجات الضحايا النفسية والاجتماعية والطبية والتعليمية في غيابِ سياسةٍ وطنية للتعويضات.

نظّمت عدة نساء في غولو في شمال أوغندا، اللاتي عُدن من الأسر مع أطفالٍ ليجدن أنفسهن في مواجهة الوصم والرفض الاجتماعي في مجتمعاتهن المحلية، أنفسهن لتقديم الدعم المتبادل للضحايا والضغط على الحكومة للعمل. قامت أحد المنظمات، Watye Ki Gen، شريك المركز الدولي للعدالة الانتقالية، بتوثيقِ محنة الأطفال المولودين في الأََسر الذين رفضتهم مجتمعاتهم. تقومُ المنظمة بعقد بمجموعاتِ دعمٍ تتيح للأطفال والشباب التعبير عن شواغلهم وتحركهم من أجل التغيير. منظمة أخرى وشريك للمركز الدولي للعدالة الانتقالية، تعملُ على دعم الاستقلال الاقتصادي للنساء اللاتي اُختطفن سابقاً، في الوقت الذي توفر لهنّ أيضًا الأدوات التي يحتجنها في الدفاع عن حقوقهن.

تقول إيلين طومسون، المُؤلفة المشاركة في التقرير: "إنّ النجاحات جيدةُ التركيز على نطاق صغير ممكنة". مضيفة: "يُمكن أن تُدفع الاستراتيجية إلى الأمام على جبهة واحدة مثل جبر الضرر، بطريقة لا تقود مباشرة إلى العدالة والاعتراف فحسب بل تخلقُ أيضاً مساحة لتحقيق اهداف اخرى في المستقبل".

يبرز التقرير كذلك التبادلات المتزايدة عبر الحدود بين جماعات الضحايا المحلية ومُنظمات حقوق الإنسان العاملة في المنطقة. من خلال المشاركة والتعلّم من بعضهما البعض، تشتغلُ بعضُ المجموعات معاً، بدعم من المركز الدولي للعدالة الانتقالية وغيرهم، لتحديد الاستراتيجيات المشتركة ودفع جدول أعمال حقوق الإنسان يعملُ على تضخيم الجهود الإقليمية المخصصة لدعم حقوق الضحايا.

يتمثّلُ التحدي الحقيقي، وفقاً للتقرير، في إيلاء اهتمام يُوثّق لخصائص كل سياق لأجل أن يستمع صانعو السياسات والممارسون إلى الضحايا بشأن الأشكال المناسبة للانتصاف وللمجتمع المدني لتحديد الاستراتيجيات التي على صُغرها يُمكنها أن تستجيب لحقوق الضحايا، وتبني قوة دفعٍ لمزيد من العمل.

خلفية

تقريباً، شهدت جميع البلدن التي تُشكل منطقة البحيرات الكبرى في السنوات الأخيرة صراعات سياسية ونزاعات مسلحة أدّت إلى عواقب إنسانية حادة، منها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتشريد جماعي للسكان، ومستويات لم يسبق لها مثيل من العنف الجنسي وجرائم قائمة على النوع الاجتماعي. لا تزالُ التحديات في المنطقة مُعقّدة ومترابطة. شرعت كل من البلدان المتأثرة بالنزاعات، بما فيها أوغندا وكينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، في سلسلةٍ من الاستجابات المؤسسية لمعالجة إرث الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ووضع حدٍ للإفلات من العقاب على الجرائم الجماعية.

بيد أنه، ولأسباب متعددة، فإن اعتماد كل دولة لأطر شاملة وتعهدات أخرى بوضع حد للإفلات من العقاب لم يقابله عملٌ فعليّ من جانب الدولة لتحقيق أهداف الاعتراف والمساءلة والإصلاح. وبدلاً من ذلك، اجتمع الضحايا والمجتمع المدني وبعض حلفاء الدول في كل بلد من البلدان الثلاثة للتصدي للتحديات التي تواجه تنفيذ الأطر المُتكاملة وفقاً للعملية الأصلية المتوخاة على الصعيد الوطني. وقد نجحت هذه الجهات الفاعلة، من خلال تشكيل علاقات معقّدة وصعبة في كثير من الأحيان، في المُضيّ قدماً ببعضِ التدابير المحدودة للعدالة الانتقالية، مع فتح الباب أمام المزيد من التدابير في المستقبل.

للتواصل

كاساند سارة كيهيكا، مديرة مكتب المركز الدولي للعدالة الانتقالية في أوغندا بريد الكتروني: skasande@ictj.org هاتف: +256 393516523


*الصورة: ناشطة محلية من واليكالي، كيفو الشمالية، جمهورية الكونغو الديمقراطية، في حدث حول الإفلات من العقاب في كينشاسا، يوليو 2016 (ICTJ).*