شغل، حرية، كرامة وطنية: طموح شباب تونس، لا يقف عند المسائلة من أجل الفساد

روبن كارّانزا ومحمد آزر الزواري
Download document

قم بتحميل الدليل الكامل باللغة الإنجليزية هنا.

قم بتحميل الدليل الكامل باللغة العربية هنا.

في مساء يوم ١٧ ماي ٢٠١٧، سمع عامة التونسيون لأول مرة أحد أفراد عائلة بن علي يعترف بكيفية ارتكاب العائلة لجرائم فساد واسعة النطاق خلال ديكتاتورية بن علي التي دامت 24 عامًا - ثم اعتذر عن دوره في ذلك. كان عماد الطرابلسي، الذي قيل أنهّ أخ زوجة الدكتاتور المفضل، أول شاهد قدمته هيئة الحقيقة والكرامة التونسية (IVD) – (المعروفة بالفرنسية باسم et Dignité Instance Vérité) في الجلسة العلنية الخاصة بالفساد. مثلت الجلسة التي بثت مباشرة على شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، لحظة محورية في تاريخ تونس والعدالة الانتقالية. فقد برهنت على الكيفية التي يمكن بواسطتها لهيئة حقيقة أن تساعد مجتمع خرج من مرحلة استبداد على فهم الكيفية التي مكنت الحكم الدكتاتوري الفاسد وعديم الرحمة من أن يحكم لمدة طويلة – ومن يجب أن يتحمل مسؤولية انتهاكاته.

في التقرير النهائي لهيئة الحقيقة والكرامة، بين الجزء المؤلف من ٢٠٦ صفحات خصّصت لدراسة الفساد، كيف استفاد بن علي وعائلته من سيطرتهم على القطاعات الاقتصادية الرئيسية، وخاصة قطاعات السياحة والبنوك والمالية واستخراج الموارد الطبيعية في البلاد. اكتشفت هيئة الحقيقة والكرامة أن بن علي "استولى" على السلطة التنظيمية للدولة في مجالات مثل انفاذ قوانين الجمارك (وهو ما ذكره عماد الطرابلسي بشكل مستفيض في الجلسة العلنية) وخصخصة مؤسسات الدولة. وفقاً للبنك الدولي - الذي أثير دوره في تمكين الفساد خلال الديكتاتورية، من قبل النشطاء، وناقشه بعضهم في هذه الورقة - "استخدم بن علي القوانين القائمة وسن قوانين جديدة لخدمة مصالح أفراد الأسرة والمقربين من النظام ... إلى درجة أن هذه المجموعة من أصحاب الحظوة في الداخل كانت تستحوذ على أكثر من ٢١ في المائة من جميع أرباح القطاع الخاص في البلاد".

كيف أمكن للدكتاتورية الانخراط بحرية في مثل هذا الفساد الواسع؟ يكمن التفسير فيما وصفه أحد مؤلفي هذه الورقة بأن “كل منهما يعزز الإفلات من العقاب”. يمكن للزعماء المستبدين ارتكاب الفساد دون عقاب لأنه يمكنهم إرتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان دون عقاب - والعكس بالعكس. فقد قتلت دكتاتورية بن علي النقاد والناشطين؛ وحرضت على الاعتقال والاحتجاز المطول والتعذيب والاعتداء الجنسي على المعارضين العلمانيين والإسلاميين؛ وانتهكت الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والمدنية والسياسية للآلاف التونسيين بشكل أقل عنفا ولكن بنفس القدر من القسوة. ومع ذلك، فقد أثنت مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على بن علي كقائد حداثي لأنه نفذ وصفاتهم الاقتصادية، ودعمته الحكومات الغربية لأنه كان حليفا لها في مكافحة الإرهاب.

بناءً على مشاركة المركز الدولي للعدالة الانتقالية منذ عام ٢٠١٢ في مسار العدالة الانتقالية في تونس التي نظمتها كل من الدولة والمجتمع المدني، حدد المركز الدولي للعدالة الانتقالية منظمات المجتمع المدني التي يقودها الشباب، والحركات الاجتماعية، ومؤسسات الدولة، وصناع القرار المشاركين في متابعة المساءلة عن فساد عهد بن علي، الذين يمكن للمركز أن يجتمع بهم أو يجري مقابلات معهم. ضبط المركز الدولي للعدالة الانتقالية مجموعة من الأسئلة التي ستطرح أثناء المقابلات، وهي تغطي دوافع الناشطين الشباب في مكافحة الفساد، والتحديات التي تواجهها مؤسسات مكافحة الفساد في التعامل مع الفساد المرتكب في عهد بن علي، وتتعلق أيضا بالكيفية التي يرى بها أعضاء هذه المجموعات المختلفة العلاقة بين العدالة الانتقالية ونشاط مكافحة الفساد الذي يقومون به. اختار المركز الدولي للعدالة الانتقالية أيضا قضايا أو مسائل ذات صلة بالف المرتكب إبان كل من الحقبة الديكتاتورية والفترة التي عقبتها كسياق لتلك المناقشات، وصمم سلسلة من ورش العمل التي يمكن للمشاركين والأشخاص المرجعيين أن يقدموا خلالها أو يسألوا أو يشرحوا الاستراتيجيات التي استخدموها والتحديات التي يوجهونها. 

تلخص هذه الورقة تلك المناقشات والمقابلات، وليس المقصود منها أن تكون تقريراً شاملاً عن الصلة بين المسؤولية عن الفساد والعدالة الانتقالية في تونس. بل ينصب تركيزها على استراتيجيات ورؤى منظمات المجتمع المدني التونسية التي يقودها الشباب والحركات الاجتماعية التي تسعى إلى تحقيق المساءلة عن الفساد المرتكب إبان الحقبة الديكتاتورية. وتسعى إلى لفت الانتباه إلى الأهداف الثورية الأكبر للعديد من هذه الحركات التي يقودها الشباب، وإلى توجيه وإنارة عمل واضعي السياسات والمدافعين والمانحين التونسيين والدوليين بطرق قد تدعم احتياجات الناشطين التونسيين الشباب عبر الطيف الأيديولوجي للبلاد.