سوريا

أسفرَت الحربُ في سوريا عن انتهاكاتٍ لا تُحصَى لحقوق الإنسان. إلّا أنَّ الإفلات من العقاب عن غالبيّة هذه الجرائم هو سيّدُ الموقف. لذا، يعملُ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة عن كثبٍ مع المجتمع المدني السّوري وواضعي السّياسات الدّوليين من أجلِ التوعيةِ على عواقب الحرب الوخيمة على الضّحايا، ومُساعدتهم في الحصول على الاعترافِ بالأذية الّتي تكبّدوها، وكذلك من أجلِ مُعالجة هذه الانتهاكات والمُحاسبة عليها وإرساء أسس السلام المُستدام في آنٍ معًا.

الصورة
صورة سبورة مكسورة ومكسورة ، لا تزال تظهر دروسًا من حصة رياضيات أقيمت في مدرسة ثانوية في الأتارب. الطيران الروسي يقصف المدرسة في 13 تشرين الثاني 2016 (المعهد السوري للعدالة)

لوحٌ مكسورٌ سقطَ أرضًا ولا يزالُ مكتوبًا عليه شرحُ درسِ الرّياضيات المُعطَى في إحدَى ثانويات أتاريب. قصفت القوات الجويّة الرّوسيّة المدرسة في 13 تشرين الثّاني/ نوفمبر من العام 2016 (المعهد السّوري للعدالة)

Current

الخلفية

نشبَ النّزاعُ في سوريا في آذار/ مارس من العام 2011، فكانَ مُجرّدَ انتفاضة شعبيّة سلميّة مناهضة لنظام بشّار الأسد. إلّا أنّ الحكومة قابلَت المُحتجّينَ بعنفٍ وحشيّ سُرعانَ ما حوّلَ الثّورة إلى حربٍ أهليّة مُعقّدة وواسعة النّطاق بينَ نظام الأسد والمُعارضة المُسلّحة الّتي ضمّت جهاتٍ من الدّولة وخارجها وقوى دولية حليفة.

تعودُ أسبابُ النّزاع الجذريّة إلى عقودٍ خَلَت. فالسّياسات القمعيّة الّتي انتهجها بشّار الأسد، ومِن قبلِهُ والِده، أوجَدَت دولةً استبداديّة، تشيعُ فيها أساليبُ من قبيل التّعذيب والاعتقال السّياسيّ وقمع الحريّات المدنيّة، الّتي يُيَسِّرُ تنفيذها قانون حالة الطّوارئ الّذي لا يزال موضوعًا حيّزَ التنفيذ منذ حوالى الخمسة عقود.

عُرِفَ النّزاعُ بازدرائهِ القانون الدّولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان الدّولي. فَمئات الآلاف من المدنيين قد لقوا فيه حتوفهم، وعددٌ أكبرُ منهم أيضًا عُذِّبَ أو أُخفيَ قسرًا. أمّا الاعتداءات الصّارخة الّتي استهدفت المُجتمعات ووثّقتها مجموعات المُجتمع المدني، فقد دمّرت البُنَى التحتيّة ومرافق الخدمات العامّة، بما فيها المُستشفيات وأكثر من 1,200 مدرسة.

وعلى وقع احتدامِ النّزاعِ، تواصلُ التكلفة البشريّة ارتفاعَها، فالملايين من السّوريين قد نزحوا قسرًا، ومنهم الملايين الّذين أُرغموا على الفرار من البلد. أمّا الأطفال فيعانونَ أشكالًا خاصّة من الأذيّة، بما فيها الصّدمات والإعاقات الدّائمة وضآلة التّعليم، وخطر التّطرّف.

أدّى انعدام التّقدّم في المُفاوضات السّياسيّة ومُفاوضات السّلام الآيلة إلى إنهاء النّزاع، والعقبات الّتي حالت دونَ تحقيق جبر الضّرر الرّسمي والمُحاسبة القانونيّة، إلى بثّ روحِ الإحباطِ والإجهاد بينَ صفوف مجموعات المُجتمع المدني. إلّا أنَّ الاهتمام في دور العدالة الانتقاليّة في البلد، لم يتراجع قيد أُنملة.

دور المركز الدولي للعدالة الانتقالية

يدعمُ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة مجموعات المجتمع المدني والضّحايا السّوريّة، فيؤازر جهودها الآيلة إلى توثيق الاعتداءات المُتواصلة في سوريا، وإلى نيل الإقرارِ بالانتهاكات الّتي قاسَها الضّحايا، وإلى التماس المحاسبة على هذه الانتهاكات، وإحقاق العدالة.

  •    التّعاون عن كثبٍ مع المجتمع المدني السّوري. يعملُ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة عن كثبٍ مع ثماني منظمات سوريّة تتّخذُ تركيا ولبنان مقرًّا لها، وذلكَ في إطار التّعاون الّذي يرمي إلى تعزيز الجهود المبذولة والآيلة إلى توثيق انتهاكات حقوق الإنسان وإبرازِ آثار النّزاع الإنسانيّة، ووضع استراتيجيات جماعيّة من شأنها التّمسّك بحقوق السّوريين وتمهيد السّبيل أمامَ عمليات العدالة الانتقاليّة في المُستقبل.
  •    وقد صُبّت جهودُ هذا التّعاون على الهجمات الّتي استهدفت المدارس في سوريا وعلى آثارها طويلة الأمد التي تُرخيها على المجتمعات. فأثمرَ هذا التّعاونُ تقريرًا عنوانه "لم نتوقّع أبدًا أن نُقصَف. الإحاطة بآثار الهجمات على المدارس في سوريا"، يُمعنُ النّظر في هذه الهجمات ويُبيّنُ ضآلة الإقرار بها والمُحاسبة عليها. كما أثمرَ هذا التّعاونُ مؤخّرًا، دليلًا عنوانه "دليل في ظلامٍ لا يعرف النّور: واقع المعتقلين والمخفيين قسرًا في سوريا وعائلاتهم"، يأخذُ قرّاءَهُ إلى رحلةٍ يألفُها كثيرٌ من السّوريين، تبدأُ من لحظةِ إخفاءِ أحد الأقرباء – وانطلاق البحث المُنهِك عن الإجابات- وتستمرّ على طولِ العملية المؤلمة الآيلة إلى تسوية أوضاع المخفيّ.
  •    مناصرة الحلول المُستدامة من أجلِ سوريا في المُستقبل. يُعِدُّ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة، وشركاؤه، أوراق إحاطة في شأنِ السّياسات، ويُنّفذونَ مشاريع المُناصرة ويجرون الأبحاث الدّوريّة، وهم، بذلكَ، يقدرونَ على التّأثير في النقاشات الدّائرة حولَ العدالة وحقوق الإنسان في سوريا وحولَ الحلول المُستدامة من أجلِ المُستقبل. هذا ويدعم المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة الضّحايا ومجتمعاتهم ويعملُ عن كثبٍ معهم في سبيلِ إحقاقِ عدالةٍ مديدة خلالَ النّزاع وبعد انقضائِه. ويُساهِمُ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة، من خلالِ شراكته مع الفاعلينَ المعنيينَ في المُفاوضات السّوريّة والسّاعين إلى إيجادِ حلٍّ سياسيّ، في ضمانِ أن تشملَ أيُّ خريطَة طريقٍ لمُستقبلِ سوريا استراتيجيّةَ عدالة انتقاليّة ومقاربةً مُتمحورة حول الضّحايا على حدٍّ سواء.