يستمر النقاش المستمر حول إذا ما كان تذكر الماضي المضطرب يعرقل المصالحة. افتتحت الحوار مارسي مورسكي، مديرة البرامج بالمركز الدولي للعدالة الانتقالية بمقالة: من يقرر التذكر أو النسيان؟ ، تبع ذلك توضيح بابلو دي غريف لموقفه بعنوان: عدم تذكر الماضي يولد الخوف والتلاعب ، وتوضيح ديفيد ريف لموقفه بعنوان: التذكر حليف العدل ولكن ليس صديقا للسلام .
بدأ دي غريف الجولة الثانية من النقاش بردٍ على مداخلة ريف الأولى تحت عنوان واجب التذكر ، وهنا يرد ريف على مداخلة دي غريف الأولى.
بقلم ديفيد ريف
كتب الشاعر الكشميري الكبير أغا شهيد علي ذات مرة: "تاريخك يعترض طريق ذاكرتي / ذاكرتك تعترض طريق ذاكرتي." هذه الخطوط تلخص النقاط الاستراتيجية الرئيسية التي كنتُ أحاول صياغتها في أول مساهمة لي في هذا النقاش . مع الاحترام، لدي الكثير لأتعلمه من كل من بابلو دي غريف وسهام بن سدرين، التي أريد أن أشكرها لأخذها الوقت للدخول في هذا النقاش مع كل هذه العاطفة وهذه الكياسة - وهما مزيج نادر هذه الأيام! - وأشكر أيضا أولئك الذين تطوعوا بتعليقات من تلقاء أنفسهم والتي تحمل جودة عالية جدا في الواقع.
ومع ذلك، ما زلت أعتقد أنهم مخطئون في الاعتقاد أن هناك أي وسائل عملية لإقامة بعض من المعايير الموضوعية التي يمكن أن تُفرِّق، بطريقة من شأنها أن تبدو مشروعة لجانبي الصراع، بين "أسلوبٍ صحيح وأخلاقي للتذكر" يساهم في المصالحة الاجتماعية وبين "التذكر الخاطئ" الذي يقوض إمكانية حدوث مثل هذه المصالحة. لإعادة المثال الذي استخدمته في مداخلتي السابقة، في العديد من الصراعات في العالم - كشمير، إسرائيل وفلسطين، وايرلندا الشمالية هي ثلاثة أمثلة واضحة - من يراهم مجتمع ما كمقاتلين من أجل الحرية ينظر إليهم المجتمع المنافس كإرهابيين.
أريد أن أكون حذرا جدا هنا. على سبيل المثال، قد تكون سهام بن سدرين محقة تماما عندما تدعي أن في تونس "فقدان الذاكرة هو أفضل وسيلة ممكنة لتسهيل عودة شياطين الماضي، وأنه بدون ’عملية التذكر‘ سيكون من المستحيل ’وضع حد للعنف‘، ومنعه وحماية وحماية المجتمع منه في المستقبل”. ولكن بينما ليس لدي الحق لرأي حول تونس، هناك عدد من المجتمعات التي دمرتها الحرب، والتي أعرفها، مثل البلقان وإسرائيل وفلسطين، تبدو بالنسبة لي تُعلم الدرس المعاكس.
لم يسبق لي إدعاء أن النسيان أفضل دوما. بدلا من ذلك، ما كنتُ قد جادلته في كتابي “في مديح النسيان: الذاكرة التاريخية ومفارقاتها” وفي هذا النقاش هو أنه يجب الحكم على القيمة الأخلاقية والسياسية والاجتماعية للتذكر وإحياء الذكرى على أساس كل حالة على حدة، وهذا يعني أي نعم، من الأفضل أحيانا أن ننسى لأنه في تلك الحالات الذاكرة الجماعية هي مهماز للعنف والكراهية.
دي غريف يعترف أنه " يمكن أن تكون هناك أعمال للذكرى الجماعية التي تعرقل المصالحة الاجتماعية"، لكنه يجادل بأن "ذوي النوايا المشكوك ليس لديهم حكراً على الاستخدام الاستراتيجي للماضي." في الواقع، أنا أتفق معه، ومرة أخرى هذا هو السبب لرفضي لمقولة جورج سانتيانا، والتي يبدو أن بن سدرين تقبلها دون أي تمحيص في مداخلتها، أن "أولئك الذين ينسون الماضي محكوم عليهم بتكراره".
أنا بكل تأكيد لا أحاول استبدالها بمبدأٍ مقابل، أي أنه في الحقيقة أولئك الذين يتذكرون الماضي هم الذين محكوم عليهم بتكراره. ولكن ما أقوله هو أن هذا هو الحال لأن في كثير من الصراعات لا يوجد إجماع قائم بين الاطراف المتصارعة حول من كان على حق ومن كان على خطأ. لإيضاح هذا يجب أن ننظر فقط إلى وجهات النظر المتضاربة بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناجورنو كاراباخ. يمكن للمرء أن يجادل بأن هذا مثال على ما وصفه دي غريف باستخدام الذاكرة "لأغراض انتقامية". ولكن حتى إن كان على حق، لا يبدو أن هناك أي احتمال واقعي للتوفيق بين وجهة النظر الأرمينية والأذربيجانية، على الأقل ليس في المستقبل المنظور. حجتي هي أنه في مثل هذه الحالات، عندما تتفق المجتمعات على ألا تتفق، ما يشكل "نسيانا نشطا"، لاستخدام مصطلح فريدريش نيتشه، هو أفضل عرض متاح.
إلى حد ما، دي غريف و بن سدرين، وأنا نتحدث في أغراض متناقضة حيث هم يتحدثون عن مجتمعات في أعقاب الحرب أو الديكتاتوريات القاتلة بينما أتحدثُ عن الذاكرة التاريخية على مدى فترة زمنية أطول بكثير. وبينما أنا لا أرى التذكر كنصب من جدار حماية ضد تكرار الحرب والفظائع كما يعتقدون، فأنا بالتأكيد لا أختلف معهم حول ما هو مستحق لضحايا الفظائع.
أنا أختلف مع دي غريف حول إسبانيا لأنني لا أعتقد أن هؤلاء الذين يطالبون بنهاية ميثاق النسيان على استعداد لقبول هذا الجانب الجمهوري، والذي وإن كان يبدو من بعيد ليس دمويا مثل نظام فرانكو، فقد ارتكب العديد من الفظائع. (رفض الاعتراف بجرائم Montoneros في الأرجنتين هي حالة إشكالية أخرى). وبعبارة أخرى، لا أعتقد أن ما يدعوه دي غريف بحق "النضال من أجل الذاكرة" في إسبانيا المعاصرة يلتقي معاييره الخاصة، والتي كما يصيغها ، من أن التذكر الصحيح يتم عندما يشمل جميع انتهاكات الحقوق "بغض النظر عمن هم الضحايا ومن كان جناة". ولكن أنا أتفق مع المبدأ العام الذي يدفع به .
مراكز خلافنا الكبير يحدث في وقت لاحق، عندما أولئك الذين عانوا الإصابات، وبالنسبة لهذا الأمر، لم يعد أبنائهم وأحفادهم على قيد الحياة. لأنه في حين أن دي غريف بلا جدل محق في أن لضحية الديكتاتورية العسكرية في الأرجنتين أو ديكتاتورية زين العابدين بن علي في تونس، النسيان ليس خيارا، فتلك الذكريات فانية مثل البشر الذين يحتفظون بها. لتوضيح نقطة: في الواقع لا يوجد هناك شيء مثل ذاكرة جماعية ولكن ذاكرة فردية فقط.
بدلا من ذلك، ما نتحدث عنه عندما كنا نستدعى الذاكرة الجماعية هو التوافق بشأن الماضي الذي تًطَوّره وتُحدّثه المجتمعات مع مرور الوقت. هذا الشكل من الذاكرة الجماعية الذي أنا متشكك جدا منه، لأنه، مرة أخرى، أشعر بكونه مهمازا خطرا للاستياء والكراهية والحرب. مما كتبه دي غريف في مساهمته الأولى، ليس لدي انطباع أنه يختلف بالضرورة.
نقطة أخيرة، كلا من دي غريف وبن سدرين يستخدمان بشكل حصري تقريبا لغة الحقوق كأنما يمكن نأى الحقوق عن السياسة. كشخص يرى أن القانون هو أداة سياسية في الأساس فلا أعتقد أن هذا ممكن. أود أن أشير ببساطة، بشكل يضايق الكثير ( بالتأكيد ليس كل) من المدافعين عنها أن يعترف هذا، بأن حقوق الإنسان هي أيديولوجية فقط، تماما كما كانت الشيوعية أو الليبرالية الجديدة اليوم. هل يمكن لتركيب أيديولوجي أن يدعي بشكل صارم كونه غير متحيز؟ ربما، ولكنني يجب أن أقول أنني أعتقد أنه من المستبعد جدا.
ديفيد ريف صحفي ومؤلف مقيم بنيويورك. قام بتغطية النزاعات في أفريقيا خلال التسعينات (رواندا، بوروندي، الكونغو، ليبيريا) والبلقان (البوسنة وكوسوفو)، وآسيا الوسطى. وقد كتب ريف على نطاق واسع حول العراق، ومؤخرا، حول أمريكا اللاتينية. وهو مؤلف ثمانية كتب، بما في ذلك المسلخ: البوسنة وفشل الغرب، وسرير لليلة: الإنسانية في أزمة. نشر العديد من المقالات في صحيفة نيويورك تايمز، لوس أنجلوس تايمز، واشنطن بوست، وول ستريت جورنال، لوموند، البايس، الجمهورية الجديدة، الشؤون العالمية، هاربرز، المحيط الأطلسي الشهرية، فورين بوليسي، ذا نيشن وغيرها من المطبوعات. نشر كتابه عار الجوع: الأغذية والعدل، والمال في القرن ال21 ال بواسطة دار سايمون اند شوستر في أكتوبر عام ٢٠١٥. كتاب ريف الأخير في مديح النسيان: سيتم نشره هذا الشهر من قبل مطبعة جامعة ييل.
الصورة: متحف الذاكرة وحقوق الإنسان، سانتياغو، شيلي. (Márcio Cabral de Moura/Flickr)