المركز الدولي للعدالة الانتقالية ينظّم تدريبًا للراصدين الميدانيين العاملين مع اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن

17/11/2022

حتّى بعدَ إخفاق الأطراف المُتحاربة في تمديدِ وقف إطلاق النّار المُبرمِ سابقًا بوساطةِ الأمم المُتحدة، يواصل الرّاصدون الميدانيّون في اللّجنة الوطنيّة للتحقيق في ادّعاءات انتهاكات حقوق الإنسان توثيقَ انتهاكات حقوق الإنسان والتّحقيق فيها على الرّغم من التحدّيات الجمّة والمخاطِر الجسيمة الّتي تمسُّ سلامتهم. وبحسبِ ما أكّدَ الرّاصد والباحث الميدانيّ من محافظة البيضاء، صالح عبد الله المشرقي، فإنَّ "مُسمّى "حقوق الإنسان" اللّصيق بمهمّتنا كوننا راصدينَ ميدانيين هو ما تخشاهُ الأطراف كلّها المنخرطة في النّزاع المُسلّح". وأردَف صالح قائلًا، "ينظرونَ إلى عملنا على أنّه تهديدٌ دائم لأنّه يهدفُ إلى دعم الضّحايا من خلالِ توثيق الحقيقة حولَ الانتهاكات المُرتكبة." وصالح هو واحدٌ من راصدي اللّجنة الوطنيّة الميدانيين الّذينَ يبلغُ عددهم 37 راصدًا- ويُمثّلون مُحافظات البلد الاثنتَيْن والعشرين كلّها- وقد التقُوا جميعًا في بيروت، في لبنان، حيثُ حضروا تدريبًا حولَ العدالة الانتقاليّة، تولّى تنظيمه المركز الدّولي للعدالة الانتقالية، ودامَ أربعة أيّام، من 5 إلى 8 أيلول/ سبتمبر.

يعملُ هؤلاء الرّاصدونَ الميدانيون عن كثبٍ مع الضّحايا من أجلِ توثيق انتهاكات حقوق الإنسان المُرتكبة على أيدي جميع الأطراف المُنخرطة في النّزاع ومن أجلِ التّحقيق فيها على حدّ سواء. وقد شدّدَت مديرة برنامج اليمن في المركز الدّولي للعدالة الانتقالي، نور البجّاني، على أنّه "مِن الضّروري وضع الأسس المتينة الّتي ستُبنَى عليها أيُّ عمليّة عدالةٍ مُستقبليّة في اليمن. لذا، فَمِن المهمّ أن يدعمَ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة الأطراف المعنيّة ذات الصّلة، على غرارِ مجموعاتِ حقوق الإنسان، والفاعلينَ في المُجتمع المدنيّ بالإضافة إلى أعضاء اللّجنة الوطنيّة للتحقيق في ادّعاءات انتهاكات حقوق الإنسان وراصدِيها."

في مُستهلّ التّدريب، عُرضَت نُبذة عن العدالة الانتقاليّة ومفاهيمها وآليّاتها، ثمّ تمّ التطرّق مليًّا إلى مواضيع أساسيّة بالنّسبة إلى عمل الرّاصدين الميدانيين، ومنها، على سبيل المثال، المُمارسات المُثلى في استصراحِ الضّحايا، والتوثيق الرّقميّ، والتعامل مع الأطفال الضّحايا، بالإضافة إلى عملية التّواصل والاتّصال. هذا وقد تناولَ التّدريب أهميّة المُقاربات المُتجاوِبة للنوع الاجتماعيّ، والصّحة العقليّة والدّعم النّفسي الاجتماعي وجبر الضّرر.

وقالَت ريم القنطري، مديرة برنامجِ ليبيا في المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة الّتي أدَارَت جلسةَ التّدريب التمهيديّة حولَ العدالة الانتقاليّة، إنَّ "الشّيء الجيّد في التّدريب هو حضور خبراء من دولٍ عربيّة وأفريقيّة مرّت بِنزاعاتٍ أو بثورات. فهذا كانَ حافزًا على مُشاركة المعرفة والتّحديات الّتي مررنا بها جميعًا، ولكن في سياقاتٍ مُختلفة."

رجل يقف أمام شاشة مع عرض تقديمي يحمل ميكروفونًا.
مدير مكتب غامبيا في المركز الدولي للعدالة الانتقالية، ديدييه غبري، يقود الجلسة المخصصة لجبر الضرر. (فراس بوزين الدين / المركز الدولي للعدالة الانتقالية)

ثمّ تناوبَ كلٌّ من مدير مكتب غامبيا في المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة، ديدييه جبيري، ومديرة مكتب تونس في المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة، سلوى القنطري، في إدارةِ الجلسة المُخصّصة لجبر الضّرر. وفي هذا الصّدد، أكّدَ جبيري على "أنّنا نسعَى إلى توسيع معارف الرّاصدين الميدانيينَ حولَ جبر الضّرر وذلكَ من أجلِ تفادِي المُبالغة في التّوقعات وإعطاءِ ضحايا النّزاع وعودًا زائفة." وأردَفَ جبيري قائلًا: "يستطيع المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة أن يؤدّي دورًا مُهمًّا في اليمن، لا سيّما في بناء قدرات الرّاصدين الميدانيين، الّذين، على الرّغم من التزامهم الشديد بالعمل، يفتقرونَ التّواصل المُنظّم والمُلائم مع الضّحايا."

يشيرُ التقريرُ الدّوري العاشر الّذي أصدرته اللّجنة الوطنيّة للتحقيق في ادّعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، إلى التّحديات الجمّة الّتي تواجهها اللّجنة نتيجةَ تدهورِ أوضاع حقوق الإنسان في اليمن. ومن جُملةِ هذه التّحديات، وصمةُ العار الّتي تُلازِمُ الانتهاكات الجنسيّة والانتهاكات القائمة على النّوع الاجتماعيّ، بالإضافة إلى تمنّع الضّحايا عن الإبلاغ عنها. وفي هذا الصّدد، صرّحَ الرّاصد الميدانيّ والنّاشط في حقوق الإنسان من محافظة صنعاء، فايز صالح محمّد، خلالَ جلسةٍ حولَ العنف القائم على النّوع الاجتماعيّ والمُقاربات المُتحسِّسَة للنوع الاجتماعي في العدالة الانتقاليّة، قائلًا: "تواجهنا الكثير من العوائق، من ضمنها الجانب الأمني، لأنّ الضّحايا يخشونَ عواقبَ الإبلاغ عن الانتهاكات الّتي تعرّضوا لها بسببِ إحكام مُرتكبيها السّيطرة على المناطق الّتي يسكنون فيها." وأشارَت سلوى القنطري الّتي ترأست الجلسةَ إلى أنَّ "الهدفَ كانَ بلورة مفهوم المُشاركين العامّ حولَ العنف الجنسيّ والعنف القائم على النّوع الاجتماعي المُرتبطَيْن بالنّزاع، وحولَ كيفيّة تحسين تعاملهم مع هذه الحالات حينَ يُصادفونها."

ثمّ استهلّت أمل نصّار، الخبيرة في التّحقيق والمُحاسبة في شأنِ الجرائم الدّوليّة الجسيمة، اليومَ الثّاني من التّدريب بتقديمِ جلسةٍ حولَ المُمارسات المُثلى في استصراح الضّحايا ومُتابعة إنصافهم. وتخلّلَت الجلسة مُحاكاةٌ حيّة لِمُقابلةٍ نموذجيّة أُجريَت مع ضحيّة، وذلكَ بغيةَ تبيانِ كيفيّة التعامل مع الضّحايا تعاملًا أخلاقيًّا وكيفية مُقابلتهم على نحوٍ مُجدٍ لا يُسبّب الأذى. وشرحَت نصّار ذلكَ قائلةً: "كانت [الجلسة] تركّز أيضًا على الوصول إلى العدالة والوصول إلى جبر الضّرر، وكذلكَ على حقّ الضّحايا والنّاجينَ في الحصول على المعلومات حولَ أيّ شيءٍ يخصّ حقوقهم ومصالحهم. فكانَ الهدف هو ربط الحقّ في الانتصاف مع عمل اللّجنة الوطنيّة لِتمهيد السّبيل أمامَ عمليّات العدالة الانتقاليّة المُستقبليّة، وليس المُحاسبة الجنائيّة وحسب."

في اليوم الثّالث، أدارَت الخبيرةُ في التوثيق والأدلّة الرّقميّة، رجا الثيباني، جلسةً حيويّة وتطبيقيّة حولَ كيفيّة توظيف التكنولوجيا الرّقميّة في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان. وقالَت الثيباني إنَّ "الجلسة كانت تهدفُ إلى إدخال نظريات التّوثيق الرّقمي إلى التّطبيق، مع فهمِ السّبب الكامِن وراء أيّ عمليّة توثيق، وإدراكِ غاية كُلّ صورة، ومعرفة كيفية التقاطِ صورٍ موثوقة ومُجدية وسهلة التناول." وأردفَت الثيباني قائلةً: "كانَ من الضّروري أن يُوسِّعَ الرّاصدونَ الميدانيون المُشاركونَ في التّدريب معارفهم حولَ كيفيّة حفظِ الموادّ الخامّ من أجلِ تجنّبِ أيّ تغييرٍ في التوثيق الأوليّ لانتهاكات حقوق الإنسان."

في اليوم الرّابع والأخير من التّدريب، قابلَ المُشاركونَ الخبيرة في الصّحة العقليّة والمجال النّفسي الاجتماعيّ، سارة جو شامات، في جلسةٍ تفاعليّة تناولَت العلاقة المُباشرة الّتي تقومُ بينَ الرّاصد الميدانيّ والضّحايا وكذلكَ الحاجة إلى الدّعم النّفسي الاجتماعيّ. وبعدَ انتهاء الجلسة، صرّحت شامات قائلةً: "لقد كانت فرصة مُميّزة أن يجلسَ الرّاصدون الميدانيون معًا ويتداولوا في موضوع الصّحة العقليّة للمرّة الأولى على الإطلاق. وقد بيّنَ ذلكَ مدى حاجتهم أنفسهم إلى الدّعم النّفسي الاجتماعي."

يجلس المشاركون في ورشة العمل على طاولة اجتماعات مع ظهورهم للكاميرا.
يحضر المشاركون إحدى جلسات التدريب. (فراس بوزين الدين / المركز الدولي للعدالة الانتقالية)

عندَ اختتام التّدريب، تلقّى الرّاصدون الميدانيونَ شهادات إتمام التّدريب، وقدّموا آراءَهم فيه. وقد أعربَوا جميعًا عن سرورهم بورشة العمل وعن استعدادهم لمواصلة التّعاون مع المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة من أجلِ دفعِ عمل اللّجنة قدمًا ودعمِ الضّحايا والمُجتمعات المُتضرّرة. وعبّرَت إشراق المقطري، المُتحدّثة باسم اللّجنة الوطنيّة للتحقيق في ادّعاءات انتهاكات حقوق الإنسان عن ذلكَ قائلة: "هذه الورشة التّدريبيّة هي الأُولَى الّتي يتلقّاها الرّاصدون في مجال العدالة الانتقاليّة، وهذا المجال هو مُهمّ وأساسيّ لِعملِ اللّجنة، وأثق أنّ المعارف والمهارات المُكتسبة ستُعكس على عمليّات الرّصد والتّحقيق والتوثيق، كما ستعكس أيضًا على مطالبات الضّحايا بنيلِ جبر ضررٍ مُحقّ، وعلى فهمهم العامّ لآليات العدالة الانتقاليّة."

سيبني المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة على هذا التّدريب كي يُواصلَ التّعاون عن كثبٍ مع الرّاصدين الميدانيين في اللّجنة الوطنيّة للتحقيق في ادّعاءات انتهاكاتِ حقوق الإنسان، وذلكَ بغيةَ تعميق معارفهم حولَ العدالة الانتقاليّة وتطبيقها في عملهم، بالإضافة إلى مُؤازرتهم في إرساء أسس عمليّات العدالة الانتقاليّة في اليمن. وفي هذا الصّدد، اعتبرَت البجّاني: "إنَّ صقلَ مهارات راصدي حقوق الإنسان المنتشرينَ على امتدادِ اليمن هو أمرٌ ضروريّ من أجلِ مواصلة تسليط الضّوء على جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان واسعة النّطاق الّتي ترتكبها الأطراف كلّها. وهو أمرٌ ضروريّ أيضًا بالنّسبة إلى جهود المُحاسبةِ المُستقبليّة في اليمن حيثُ تُنَحَّى الضّحايا وحقوقهم في العدالة جانبًا."

_______

الصورة: الراصدون الميدانيون اليمنيون يشاركون في تدريبٍ نظمه المركز الدولي للعدالة الانتقالية حول العدالة الانتقالية في بيروت، لبنان. (فراس بوزين الدين / المركز الدولي للعدالة الانتقالية)