الخلفية: تاريخ حافلٌ بالإخفاق في مُعالجةِ أسباب النّزاع الجذريّة
تَلَت الانتخاباتِ الرئاسية والنيابيّة الّتي جرَت في كينيا في كانون الأوّل/ ديسمبر من العام2007، توتّراتٌ سياسيّة مشحونةٌ تفاقمَت فأمسَت حقبةً طويلة من العنف الشّديد والاضطراب السياسيّ. فالادّعاءات بتزوير الانتخابات أجّجها التوتّر العرقي، مِمّا أدّى إلى اقتتالٍ وأعمال شغب وانتهاكاتٍ جنسيّة وسفكِ دماء. وقد أسفرَ عنفُ ما بعد الانتخابات، عن مقتلِ نحو 1,100 شخصٍ ودمارٍ شاملٍ وحركةِ نزوحٍ عارمة.
في كانون الثاني/ يناير من العام 2008، وافقَ الحزبان السّياسيان الأساسيّان على التفاوض – وهما حزب الرّئيس الحاكم وقتذاك موا كيباكي، واسمُهُ "الوحدة الوطنية"، وحزبُ ريلا أودنغا واسمُه الحركة الديمقراطية البرتقالية. وبفضلِ عمليّة الوساطة الّتي قادَها الرّاحلُ الدّكتور كوفي أنان وحملت عنوان "المُصالحة والحوار الوطني في كينيا"، توصّلَ الحزبان إلى توقيع ميثاق سلامٍ وإلى إحلالِ سلامٍ مُضْنٍ. وقد مهّد الميثاق، الّذي يُعرفُ شيوعًا باسم الاتّفاق الوطني، السّبيلَ أمامَ تشكيلِ حكومة ائتلافيّة. أمّا جدولُ أعمالِ الحكومة فقد ضمّ أربعة بنودٍ تنصُّ على تشكيل ما يلي:
- لجنة الحقيقة والعدالة والمُصالحة المُناط بها التّحقيق في الانتهاكات الماضية،
- لجنةُ التّحقيق في عُنف ما بعدَ الانتخابات (وتُعرفُ باسم لجنة واكي)
- اللجنة المُستقلّة لمُراجعة الانتخابات المُناط بها التحقيق في الأزمة
- المُراجعة الدّستوريّة الشّاملة.
أتمَّ كلٌّ من لجنةِ واكي واللجنة المُستقلّة لمُراجعة الانتخابات عملَهما في أيلول/ سبتمبر وتشرين الأوّل/ أكتوبر من العام 2008. وقد دعت التوصيات الصّادرة عنهما إلى أمورٍ عدّة، منها:
- إنشاء محكمة خاصّة لملاحقة الجُناة الّذين يتحمّلون "المسؤوليّة الكُبرى" عن أعمال العنف التي حصلت في أعقاب الانتخابات،
- إصلاح قوى الشرطة إصلاحًا جذريًّا، ويشملُ ذلكَ دمج الشّرطة الإداريّة وخدمة الشّرطة، بالإضافة إلى التّدقيق في سجلّات الضّباط جميعًا.
نُفِّذَت هذه التّوصيات تنفيذًا جُزئيًّا. فقد أُقرّ دستورٌ جديد في آب/ أغسطس من العام 2010، وطُبِّقَ بعض الإصلاحات، على أنَّ أغلبَها جاءَ في القضاء والشّرطة.
لكنّ وتيرة تنفيذ الإصلاحات ظلّت بطيئة. فلجنة الحقيقة والعدالة والمُصالحة، الّتي أُنشِئَت في العام 2008، سلّمت الرّئيسَ تقريرها النّهائي في العام 2013. أمّا المحكمة الخاصّة المُقترحة فلم تُبصر النّور. وأُسْقِطَ مشروع القانون في مجلس النّواب في شباط/ فبراير من العام 2009. ثمَّ، ردًّا على ذلك، أعلنَت المحكمة الجنائيّة الدّوليّة، في آذار/مارس من العام 2010، فتحَ التحقيق في أعمال العنف الواقعة بعد الانتخابات في كينيا. وفي 8 آذار/مارس من العام 2011، استدعت المحكمة الجنائية الدولية للعدالة ستة أشخاص لضلوعهم في جرائم ضدّ الإنسانية، وهم محمّد حسين علي وأوهورو كينياتا وهنري كوسغي وفرنسيس موثاورا، وويليم روتو وجوشوا سانغ. وقد أُدِينَ أربعةٌ من المُشتبهِ فيهم في كانون الثّاني/ يناير من العام 2012، ثمّ سُحِبَت القضايا جميعها أو أُسقِطَت. بعدَ ذلك، خاضَ اثنانِ من هؤلاءِ المُشتبه فيهم، هما كينياتا وروتو، الانتخابات الرّئاسيّة الّتي جرت في العام 2013، فَفازا فيها ونالا أعلَى منصِبَيْن في كينيا. وتجدرُ الإشارة إلى أنّ كينياتا هو ثاني رئيس دولةٍ، بعدَ الرّئيس السّوداني عمر البشير، الّذي تُدينه المحكمة الجنائيّة الدّوليّة أثناءَ تولّيه الحكم.
دور المركز الدولي للعدالة الانتقالية
- دأَبَ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة على حثّ السّلطات الكينية أن تضعَ آلية مُلاحقةٍ جنائيّة محليّة تكون موثوقة وشفافة وقادرة على المُحاسبة. فقد دعمَ المركزُ الاقتراحَ القاضي بإنشاء شعبة الجرائم الدّولية، وقدّمَ المُساعدة من أجلِ دفعه قدمًا. هذا وقد قدّمنا المُساعدة التّقنية لمختلف الفاعلينَ المحليّين حولَ توثيق انتهاكات حقوق الإنسان كما قدّمنا المُساعدة في القضيّة الجنائيّة الّتي أُقفِلَت مؤخّرًا وتشملُ جرائمَ جنسيّة وجرائمَ قائمة على النّوع الاجتماعي ارتُكِبَت خلال أعمال عنفِ ما بعدَ الانتخابات.
- قدّم المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة المُساعدة والمُراقبة في عمليّة التّحقيق في سجّلات موظّفي القضاء. وقد دعمَ المركزُ جهود المُناصرة الّتي بذلتها المجتمعات المحليّة في شأنِ إصلاحِ القضاء وقوى الشّرطة على حدّ سواء. هذا وقدّمنا المساعدات التقنية للمؤسسات المعنيّة ومنظمات المجتمع المدني، وذلكَ من أجلِ تقوية قدرتها على تولّي تنفيذ الإصلاحات الموثوقة وإنجازها. وقد دعمنا وضعَ إطارِ عملٍ قانونيّ وسياسيّ مُخصّصٍ للإصلاح، ولا نزالُ نواصل إعدادَ أوراق الإحاطة بالسّياسات لصالحِ الأجهزة الحكوميّة الأساسيّة والمجتمع المدني وغيرهما مِن الجهات الرّاغبة في إصلاحِ القطاعَيْن القضائيّ والأمنيّ.
- آزرَ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة الكينيين لإنجاحِ ضغوطهم المُمارسة على الحكومة من أجلِ إجراء تعديلات على أحكام العفو المنصوص عليها في مشروع القانون المُنشِئ للجنة الحقيقة والعدالة والمصالحة. وقد كان للمركز دور أساسيّ في إنجاح الضغط على رئيس لجنة الحقيقة والعدالة والمصالحة، السفير بثيول كبلغات، ودفعه إلى الاستقالة بعد الادّعاءات الخطيرة الّتي تتّهمهُ بضلوعه سابقًا في انتهاكاتِ حقوق الإنسان. وحينَ تنحّى كبلغات عن منصبِه، وإن لفترةٍ وجيزةٍ، قدّمنا الدّعم التّقنيّ للجنة. وفي أيّار/ مايو من العام 2013، أصدَرت لجنةُ الحقيقة والعدالة والمصالحة تقريرها النّهائيّ بعدَ أن أُرْجِئَ أكثر من مرّة. ومع أنّ التّقرير هذا لم يُعتمد بشكلٍ قانونيّ، يزدادُ تنفيذ توصياتِه على نحوٍ مطّرد. وبالإضافة إلى ما أنفَ ذكره، نُساهِمُ في دفعِ تنفيذ جدول الأعمال المُتعلّق بالبحث عن الحقيقة تنفيذًا مُنطلقًا من القاعِدَة فصعودًا، وذلكَ من خلالِ بناء قدرة المُنظّمات المحليّة ومنظّمات الضّحايا على التكتّلِ من أجلِ تبني توصيات لجنة الحقيقة والعدالة والمُصالحة كاملةً وضعها موضعَ التّنفيذ.
- قام المركز بدراسةٍ شاملة حول الاحتياجات الجبريّة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان المُرتكبة منذ خمسينات القرن الماضي حتّى العام 2005. وفي العام 2011، أصدرَ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة تقريرَهُ المُعنون "لنعيشَ كما يعيش باقي الكينيين: دراسةٌ حولَ المطالب الجبريّة للكينيين ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان"، الّذي أثّرَ وأنارَ جهود المُجمتع المدني الآيلة إلى صياغة إطار عملِ جبر الضّرر الّذي أدرجته لجنة الحقيقة والعدالة والمُصالحة في تقريرها. هذا وقد قدّمنا الدّعمَ والخبرةَ التّقنيّة للفاعلينَ الحكوميين وغير الحكوميين أثناءَ صياغتهم إطار العمل القانونيّ والسّياسيّ لجبر الضّرر.