اليمن: العدالة الانتقالية لمواجهة الماضي المتعثر

26/06/2012

فيما تستعد اليمن لإطلاق مؤتمر الحوار الوطني حول مستقبلها، يبقى من أبرز التحديات أمامها معالجة إرث الانتهاكات الماضية لحقوق الانسان. وتجري في البلاد مناقشة لمشروع قانون بشأن العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية منذ شهر شباط/فبراير 2012 وقد يتم إقراره في الأسابيع المقبلة.

لليمن تاريخ طويل من العنف السياسي وانتهاكات حقوق الانسان، بدأ قبل توحيد البلاد في العام 1990 وشمل حرباَ أهلية عام 1994. كما شهدت البلاد انتهاكات خطيرة من ضمنها قتل المتظاهرين غير المسلّحين خلال التظاهرات التي بدأت في شهر كانون الثاني/ يناير2011 ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح وأطاحت به.

تؤمن مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية ،الموقعة من قبل الأطراف السياسية الأساسية في اليمن والتي أيّدها مجلس الأمن، عملية الانتقال السياسي في البلاد و تنص على "اتخاذ خطوات ترمي إلى تحقيق المصالح الوطنية والعدالة الانتقالية، والتدابير اللازمة لضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني مستقبلاً."

في حزيران/يونيو 2012 حضّ مجلس الأمن الحكومة اليمنية على "سرعة إصدار التشريع الخاص بالعدالة الانتقالية دعماً لتحقيق المصالحة ودون أي تأخير." وقد أدت بعض المشاورات العامة الى تعديل مشروع القانون بشأن العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية غير أن الحكومة فشلت في الوصول الى التوافق وإقراره. والقانون اليوم بيد الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي له الحق بحسب مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية إما أن يقرّ القانون فوراً أو أن يرسله الى البرلمان لتتم مناقشته.

تنشأ بموجب النص الأخير لمشروع القانون هيئة إنصاف ومصالحة للنظر في الانتهاكات التي حصلت منذ العام 1990. غير أن بنداص آخر ينص على أن للهيئة الحق في النظر في الشكاوى وتعويض ضحايا انتهاكات حقوق الانسان المرتكبة قبل عام 1990 في حال استمرار آثار هذه الانتهاكات حتى صدور القانون.

الى ذلك، ستقوم الهيئة بتطوير برامج التعويض وجبر الضرر لضحايا انتهاكات حقوق الانسان. وتشمل هذه البرامج: التعويض المادي والاعتذارات والنصب التذكارية وإصدار توصيات بشأن إصلاح الؤسسات. تتألف الهيئة من 11 عضواً على أن تكون نسبة 30 بالمئة من مجموع عدد الأعضاء من النساء وتستمر ولايتها أربع سنوات قابلة للتجديد لمدة سنتين.

يضم مشروع القانون بشأن العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية القانون رقم (1) لسنة 2012 الذي يمنح الحصانة من الملاحقة القانونية والقضائية للرئيس السابق علي عبدالله صالح ومعاونيه مما يبعد هؤلاء عن المحاسبة الجنائية علة انتهاكهم للقانون الدولي. وكانت تلك الحصانة شرطاً من شروط مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي أيّدها مجلس الأمن بالرغم من أنها تنتهك القانون الدولي والالتزامات الدولية لليمن لحقوق الانسان. وكان المجتمع المدني قد عبّر عن معارضته الشديدة لهذه الحصانة.

ويقول مدير البرامج لدى المركز الدولي للعدالة الانتقالية كلاوديو كوردوني "فيما نأسف لقانون الحصانة الذي يبعد مرتكبي الانتهاكت الخطيرة عن المحاسبة الجنائية، نرحب بواقع أن مشروع القانون بشأن العدالة الانتقالية يعالج أهمية البحث عن الحقيقة وجبر الضرر كما يقرّ بالحاجة الى إصلاح المؤسسات."

واليوم تدرس الحكومة اليمنية إمكانية إصدار مرسوم يقضي بإنشاء لجنة تحقيق في الأحداث منذ بدء الاحتجاحات في الشارع في كانون الثاني/ يناير2011، وهذا ما كان قد طالب به مجلس الأمن أيضاً. ويتوقع أن يستمر عمل هذه اللجنة لمدة سنتين وأن تشارك النتائج التي تتوصل إليها مع هيئة الإنصاف والمصالحة في تقرير العمل الذي ستصدره هذه الأخيرة بموجب مشروع القانون الذي لا يزال طور المناقشة.

في خضم النقاش القائم في البلاد حول العدالة الانتقالية، نظم المركز اليمني للعدالة الانتقالية مؤتمراً في 14 حزيران/يونيو. في ختام المؤتمر دعا المركز اليمني الرئيس عبد ربه منصور هادي الى تأجيل إصدار قانون العدالة الانتقالية إفساحاً بالمجال لمزيد من النقاشات حوله. كما اقترح بعض المشاركين تحويل مشروع القانون الى مؤتمر الحوار الوطني المنوي عقده في الأشهر المقبلة.

*المشاركون في مؤتمر المركز اليمني للعدالة الانتقالية في تعز في 14 حزيران/يونيو 2012.*
انطلاقاً من جهود المركز الدولي لدعم عملية العدالة الانتقالية في اليمن، حضر المؤتمر كل من مدير البرامج لدى المركز كلاوديو كوردوني ونائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا لدى المركز آن ماسجي. كما التقى فريق المركز الدولي كل من رئيس الوزراء اليمني محمد باسندوة، ووزيرة حقوق الانسان حورية مشهور، ووزير الشؤون القانونية محمد المخلافي من أجل مناقشة مشروع القانون وخطط العدالة الانتقالية في اليمن فضلاً عن الطرق التي يمكن للمركز الدولي أن يقدم من خلالها المساعدة الفنية في الأشهر المقبلة.

والتقى فريق المركز الدولي مع ممثلين عن المجتمع المدني مثل المركز اليمني للعدالة الانتقالية، والمرصد اليمني لحقوق الانسان، ومبادرة العدالة الانتقالية التي تعمل مع مؤسسة دعم المبادرات الديمقراطية المدنية، و منتدى الشقائق العربي لحقوق الإنسان. الى ذلك، عرض ممثلا المركز الدولي لقضايا العدالة الانتقالية مع الناشطة الحقوقية اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان .

"نتطلع قدماُ الى المزيد من العمل مع شركاء في المجتمع المدني والسلطات اليمنية فيما يناقشون الطريق الفضلى لمعالجة القضايا الأساسية والمعقدة للبحث عن الحقيقة وتحقيق العدالة بشأن انتهاكات الماضي،" تختم آن ماسجي.

الصورة: آن ماسجي من المركز الدولي للعدالة الانتقالية مع توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام، صنعاء في 17 حزيران/يونيو 2012.