تقرير البرامج للمركز الدولي للعدالة الانتقالية: أفريقيا

12/12/2012

يستعرض تقرير البرنامج لشهر كانون الأول/ديسمبر للمركز الدولي للعدالة الانتقالية عمل المركز في أفريقيا. ففي مقابلة حافلة بالرؤى المتبصرة جرت مع سليمان بالدو، مدير برنامج أفريقيا لدى المركز الدولي للعدالة الانتقالية وأحد أبرز الخبراء في مجال العدالة الانتقالية في أفريقيا، يناقش بالدو على نحو معمّق عمليات العدالة الانتقالية في ساحل العاج وكينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا. لقد بدأ المركز الدولي للعدالة الانتقالية عمله في أفريقا منذ تأسيسه وساهم في جهود متنوعة من حيث أساليبها وما حققته من نجاح – من جنوب أفريقيا إلى ليبيريا وسيراليون – ويظل المركز ناشطاً في من حيث برامجه الخاصة ببعض الدول.

يوضّح بالدو معلومات أساسية حول الديناميات السياسية في المنطقة ثم يتناول قضايا مثل المشاكل التي تواجه لجنة الحقيقة والعدالة والمصالحة في كينيا، والمضامين المحتملة للفشل في معالجة العنف الذي أعقب الانتخابات ابتداءً من عام 2007 على المشهد السياسي الحالي. كما يتتبع التقدم الذي حققته الهيئات التحقيقية ولجنة الحقيقة التي أقامتها حكومة ساحل العاج بشأن الاضطرابات المدنية التي بلغت أوجها في النزاع الذي تبع الانتخابات في عام 2010. ويقدّم تحليلاً للديناميات الإقليمية التي تؤجج النزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية والتواجد المستمر ’لجيش الرب للمقاومة‘ ذي السمعة الشائنة والذي تركت جرائمه أثراً عميقاً على أوغندا والبلدان المجاورة.


ما هي أهم القضايا التي تواجه العدالة الانتقالية في أفريقيا، وأين يعمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية في القارة الأفريقية حالياً؟

عندما أنظر إلى تاريخ برنامجنا في أفريقيا، أرى أننا استثمرنا معظم جهودنا في البلدان التي مرت بفترات من الاضطرابات الشديدة. وحالياً يعمل برنامج أفريقيا في كينيا، في أعقاب الاضطرابات التي شهدتها في عام 2007 بعد الانتخابات الرئاسية، والتي أضعفت البلد إلى حد بعيد وجعلتها على حافة التفكك الاجتماعي بسبب التحشيد الإثني أثناء الانتخابات.

كما أننا منهمكون في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي بلد لم تعرف سلطة مركزية منذ عقود، وتتعرض باستمرار لاعتداءات من البلدان المجاورة بسبب ثروتها الطبيعية، وضعف الحكومة الوطنية الذي يغري البلدان المجاورة القوية على التدخل في البلاد.

ونحن نعمل أيضاً في ساحل العاج. وهنا أيضاً ظلت الشقاقات الإثنية تغذي التنافس السياسي والعسكري بين الزعماء المختلفين. وقد أدى ذلك إلى تدمير البلاد تقريباً.

ونحن منهمكون في أوغندا أيضاً، حيث أدت الحرب في شمال البلاد إلى تشريد مجتمعات محلية بأكملها في تلك المنطقة، وحيث يوجد حالياً شكل من أشكال العودة إلى السلام.

"السلم الاجتماعي هو أمر حيوي لإدامة الترتيبات السياسية لإرساء السلام."
    إن ما يسعى المركز الدولي للعدالة الانتقالية لتحقيقه هو تشجيع المحاسبة على الفظائع الجماعية التي حدثت أثناء فترات النزاع والأزمات السياسية. كما نسعى لتشجيع المصالحة والإقرار بما تعرض له الضحايا.

ونسعى إلى تشجيع المصالحة ضمن المجتمعات. وبشكلٍ ما، فإن السلم الاجتماعي هو أمر حيوي لإدامة الترتيبات السياسية لإرساء السلام، ومن دونه فلا يمكن العودة إلى الاستقرار في أي من تلك البلدان.

وتستند الطريقة التي نقوم بها بعملنا إلى تعزيز العدالة الانتقالية بوصفها وسيلة فعالة جداً لتشجيع جميع الأهداف التي أشرت إليها أعلاه: تحقيق المحاسبة، والإقرار بمعاناة الضحايا، وتشجيع المصالحة التي تستند إلى الإقرار بالحقيقة وبما حدث فعلاً، وتحديد مسؤولية الأشخاص الذين تورطوا بارتكاب الجرائم، والمحاسبة على مثل هذه الجرائم.

ومن دون مثل هذه الإجراءات، فمن الصعب جداً تحقيق السلام الدائم في أي من تلك البلدان.


Image removed.

ساحل العاج

في أعقاب الأزمة الانتخابية العنيفة التي نشأت في ساحل العاج في عام 2010 والتي أطاحت بالرئيس السابق لورين غباغبو، وصف العديد من المراقبين مساعي المحاسبة في ساحل العاج بأنها "عدالة المنتصرين". إلا أننا شهدنا أيضاً إقامة آليات للعدالة الانتقالية، بما في ذلك وضع صكوك لملاحقة مرتكبي الجرائم الخطيرة واستحداث لجنة للحقيقة. فكيف تصف الوضع الحالي لهذه العملية بكل تعقيداتها؟ وهل توجد أسباب تدفع للأمل؟

العنف الذي حدث في أعقاب الانتخابات في عام 2010 في ساحل العاج لم يأتِ من فراغ. فقد كانت تعتمل في البلاد أزمة منذ عقد من السنين قبل الانتخابات، إضافة إلى التنافس السياسي بين الجماعتين السياسيتين الرئيسيتين، وكذلك في الحركات السياسية التي تجتذب أنصارها استناداً إلى الانتماءات الإثنية (كما هو الحال في كثير من بلدان القارة).

ثمة قضايا حقيقية تثير النزاعات بين المجتمعات المحلية، وعادة ما تتصل بملكية الأراضي أو شعور بعض الجماعات بأنها مهمشة من النفوذ السياسي على الصعيد الإقليمي أو الوطني. كما أنها مهمشة من حيث حصتها في الثروة القومية.

جميع هذه المكونات أدت في النهاية إلى اندلاع الحرب الأهلية في عام 2000، والتي أدت في النهاية إلى تقسيم البلاد إلى جزئين انطلاقاً من الحدود الإثنية، ما بين الجنوب والشمال. ووصل النزاع إلى ذروته في عام 2010 عندما جرت الانتخابات الرئاسية، لأن كلا الفريقين لجأ إلى التحشيد الإثني.

ومن جديد، فإن عمليات القتل التي حدثت استهدفت جماعات بأكملها بسبب دعمها السياسي المفترض للفريق الخصم، وكان ذلك الافتراض يستند فقط إلى الانتماءات الإثنية أو الدينية لتلك الجماعات.

ومع ذلك، نشأ عن ذلك النزاع وعي ضمن الطبقة السياسية (لا سيما لدى الحكومة الجديدة في ساحل العاج، والتي تم انتخابها في تلك الانتخابات) بأن هذا النزاع سيؤدي إلى تفكك البلاد.

إن ساحل العاج هي بلد غني بالموارد الطبيعية، ويحتوي على مؤسسات تقوم بوظائفها، وبوسعه أن يعود إلى وضعه السابق كمحرك اقتصادي لشبه الإقليم في غرب أفريقيا.

وكل ذلك أضحى معرضاً للخطر بسبب الحرب الأهلية. ويتمثل جزء من جهود الانعاش في إحياء النمو الاقتصادي. ولكن الحكومة المنتخبة تدرك تماماً بأن المصالحة الوطنية هي أمر حاسم لتحقيق السلام والاستقرار، وبالتالي الازدهار الاقتصادي في البلاد.

"العنف الذي حدث في أعقاب الانتخابات في عام 2010 في ساحل العاج لم يأتِ من فراغ."
    استحدثت الحكومة عدة آليات فور انتهاء النزاع، بما فيها آليات للتحقيق في جرائم الحرب التي حدثت أثناء النزاع. وكان إحداها آلية لوزارة حقوق الإنسان للتحقيق بانتهاكات حقوق الإنسان.

والثانية هي خلية خاصة للتحقيق منبثقة عن وزارة العدل، وهي آلية قضائية، إضافة إلى إقامة لجنة للحقيقة.

كما أنشأت الحكومة وزارة للضحايا وللمحاربين القدامى وللنساء المتأثرات بالنزاع. لذا فهناك مستوى من الإدراك السياسي الذي يبعث على التفاؤل، لأن الحكومة تريد معالجة الأسباب الجذرية التي قادت إلى النزاع.

ومن الدلائل التي تدعو إلى التفاؤل هو نسبة الاقتراع الهائلة أثناء الانتخابات التي جرت في عام 2010، والتي تدل على أن السكان تعبوا فعلاً من المواجهات ومن عسكرة التنافس السياسي بين النُخب. وهم يريدون عملية ديمقراطية سلمية كي تتداول الأحزاب السياسية السلطة عبر الانتخابات وليس من خلال المواجهات العسكرية في كل فترة انتخابية.

كانت الانتخابات حسنة التنظيم، وأقر جميع المراقبين بأنها كانت حرة ونزيهة وشفافة، وتم اعتمادها كانتخابات سليمة من قبل الأمم المتحدة. لذا فإن هذا الأمر يمثل رسالة قوية. ويجدر الذكر أن عموم السكان ليسوا طرفاً في هذا الاستقطاب الشديد.

وقد بدرت عن الآليات التي تم وضعها إشارات مختلطة. فعلى سبيل المثال، نشرت لجنة التحقيق الوطنية المنبثقة عن وزارة حقوق الإنسان تقريرها في الموعد المحدد، وكان على شكل ملخص لما توصلت إليه إضافة إلى مجموعة من التوصيات.

وقد أظهرت نتائج التقرير أن اللجنة أجرت تحقيقات مكثّفة في المناطق الأكثر تأثراً بالنزاع، وأنها كانت مزودة بالكفاءات المهنية. كما لم تكن التوصيات الصادرة متحيزة لطرف ضد الآخر.

ومع ذلك، لم تنشر اللجنة تقريرها المفصل. وحتى نشر هذا التقرير فلا يمكننا إطلاق حكم عما إذا كانت التحقيقات نزيهة فعلا لجميع أطراف النزاع، بما في ذلك حكومة الرئيس الحسن أوتارا.

أما تحقيقات وزارة العدل فما زالت جارية. وتمتد ولاية التحقيق لمدة عامين، وقد انقضى نصف هذه المدة. وقد أنشأت الوزارة فرقاً من الشرطة القضائية، والقضاة لإجراء التحقيقات. وأجرت هذه الفرق آلاف المقابلات مع الضحايا، وسجلت ما يقارب 12,000 إفادة.

وقد عمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية مع هذه الآليات. فقد قدم المركز تدريبات بشأن أصول إجراء التحقيقات. وتبيّن لنا خلال هذه العملية بأنه على الرغم من أخذ الإفادات من الضحايا، إلا أنه لم تكن توجد خطة ضمن التحقيق لربط الإفادات ببعضها. لذا لا توجد استراتيجية واضحة حول كيفية إجراء الملاحقات القضائية. إذ أنه من اللازم اعتماد نهج شامل للتحقيق كي يتمكن المحققون من تحديد أنماط حدوث الجرائم الخطيرة والعناصر الممكنة في التسلسل القيادي وتحديد المسؤولية عن مثل هذه الجرائم.

وكانت اللجنة منفتحة تماماً للمساعدة الفنية التي قدمها المركز الدولي للعدالة الانتقالية. وقد نظمنا لغاية الآن تدريبات للمحققين ومجموعة أخرى من التدريبات للقضاة لمساعدتهم على تشذيب خطط التحقيق واستراتيجيات الملاحقة القضائية، وهو أمر يمثل أحد نقاط الضعف الفنية في العملية.

كما قمنا بتدريب مفوضين ومحققين في وزارة حقوق الإنسان في مرحلة متأخرة من العملية. وركز التدريب الذي وفره المركز الدولي للعدالة الانتقالية على كتابة التقارير ومعايير استقلال لجان التحقيق المعنية بحقوق الإنسان، وكانت نتيجة التدريبات مفيدة للغاية. ولقد رأينا فعلاً تأثير الاستشارات الفنية التي قدمناها في التقرير الذي صدر. وتظل المسؤولية عن تلك العملية على كاهل اللجنة . وقد حاولنا تحسين نوعية عمل اللجنة من الناحية الفنية، وجعله أكثر موثوقية من الناحيتين القانونية والأخلاقية. ونحن منهمكون في العملية على نحو ناقد من هذه الناحية.

لقد ناقشنا هيئة الملاحقة القضائية التي تم تأسيسها ووصفنا العمل الذي قام به المركز الدولي للعدالة الانتقالية لمساعدتها. كيف ترى سير الأمور بالنسبة للتحقيقات ومن ثم الملاحقات القضائية في المستقبل القريب؟ وما تعتقد سيكون دورنا مع تقدم العملية إلى الأمام؟

في هذه المرحلة من العملية، من الصعب جداً أن نصدر حكماً مسبقاً بشأن النتائج المحتملة للملاحقات القضائية المحلية. لقد بدأت وزارة العدل بتوجيه اتهامات رسمية لبعض كبار المسؤولين في النظام السابق على خلفية جرائم اقتصادية وجرائم حرب. ومن الشواغل الرئيسية بالنسبة لنا وللمراقبين الآخرين لغاية الآن هو أن معظم التحقيقات البارزة والاتهامات التي تم توجيهها استهدفت النظام السابق. إلا أن أي من الذين يدعمون الرئيس حالياً لم يُستهدف بتحقيق خطير أو يُستجوَب بشأن سلوكه.

إن العديد من قادة القوات الجديدة (Forces Nouvelles)، وهم مقاتلون من شمال ساحل العاج اختاروا الاصطفاف في القتال إلى جانب الرئيس أوتارا وضد الرئيس السابق غباغبو، معروفون بأنهم ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان خلال النزاع الذي امتد عقدا كاملا وسبق الأزمة التي اشتعلت في عام 2010.

إننا نشعر بقلق شديد لأن عدداً من هؤلاء القادة، المعروفون باسم قادة زونال، يتقلدون اليوم مناصب المسؤولية في أجهزة الأمن التابعة للحكومة الجديدة. وحتى تتم معالجة هذه المسألة، سيظل هناك تحدٍ حقيقي لمصداقية النية المعلنة للحكومة بملاحقة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم من كلا طرفي النزاع.

والقضية الثانية هي أن المحكمة الجنائية الدولية منخرطة في ساحل العاج. وعلى الرغم من أن ساحل العاج لم تصادق على نظام روما الأساسي، إلا أنها أقرت بالولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية بشأن الأزمة منذ عام 2003 ومرة أخرى في عام 2010. وقد دعى الرئيس أوتارا المحكمة للبدء بتحقيقات بشأن الجرائم الخطيرة التي جرت أثناء العنف الذي أعقب الانتخابات.    
"إن ساحل العاج هي بلد غني بالموارد الطبيعية، ويحتوي على مؤسسات تقوم بوظائفها، وبوسعه أن يعود إلى وضعه السابق كمحرك اقتصادي لشبه الإقليم في غرب أفريقيا"

لقد وجهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات رسمية للرئيس السابق غباغبو، ومؤخراً أصدرت المحكمة اتهامات ضد سيمون غباغبو، السيدة الأولى السابقة. ومن جديد، لا يبدو أن المحققين المحليين يتقصون بشأن الجرائم التي تُعزا لمؤيدي الرئيس أوتارا.

ثمة العديد من الحديث الشكلي حول المصالحة. إلا أن لجنة الحوار والحقيقة والمصالحة بدأت بداية بطيئة جداً. فقد مرت نصف مدة ولايتها، ومع ذلك لم تقم فعلاً بأن نوع من الجلسات أو التحقيقات حتى يومنا هذا.

ولقد ظل نهج اللجنة لغاية الآن مفرطاً في بيروقراطيته، وظل يركز على اللفتات الرمزية، كتنظيم صلاة مشتركة أو تكليف موسيقيين شهيرين بإجراء جولات في المناطق المتأثرة بالنزاع، حيث يغنون للسلام والمصالحة.

ولكن من حيث إجراء تحقيقات فعلية وتحديد الجرائم الخطيرة التي حدثت وتنظيم جلسات استماع يعرض فيها الضحايا ما عانوا منه أثناء النزاع، فما زالت اللجنة لم تقم بما هو منتظر منها.

نحن نتعاون مع لجنة الحوار والحقيقة والمصالحة. فنحن نقدم لها الإرشاد بشأن المعايير الدنيا كي تحقق المصداقية في تطبيق ولايتها. ومن دون تحقيق هذا المعايير لا يمكن لها أن تقدم مساهمة حقيقية للمصالحة.

لقد كانت علاقتنا مع اللجنة متوترة في البداية، لأنها كانت تدافع عن نفسها وكانت مترددة في الإقرار بجوانب القصور التي تعتري خططها. ولكن بعد الكثير من التفاعل مع اللجنة، بدأ هذا الوضع يتغير. فهي تزودونا بالمعلومات حول ما تنوي القيام به، وتطلب منّا النصحية حول تحقيق المطلوب على نحو أفضل. كما طلبت منا تقديم الدعم من خلال توفير تجارب مقارنة وتقديم مساعدة فنية.

فعلى سبيل المثال، شاركت المفوضة المعنية بقضايا النوع الاجتماعي والتي تعمل مع لجنة الحقيقة في دورة تدريبية في برشلونة حول العدالة الانتقالية نظمها المركز الدولي للعدالة الانتقالية، وركزت الدورة على لجان الحقيقة. وكانت هذه المشاركة دليل واضح على استعداد المفوضين لمحاولة اكتساب المزيد من المعرفة كي يتمكنوا من أداء عملهم على نحو أفضل.

ونحن نشعر بالتفاؤل من هذه الدلائل، ولكن التحديات ما زالت كبيرة فيما يتعلق بلجنة الحقيقة.


Image removed.

كينيا

قُتل في كينيا ما يقارب 1,100 شخص جراء العنف الذي أعقب الانتخابات التي جرت في عام 2007. وعلى أثر ذلك، تم اتخاذ عدد من الإجراءات، بما في ذلك إقامة لجنة تحقيق، والتي خرجت بعدد من التوصيات: من إقامة محكمة لملاحقة الذين ارتكبوا الجرائم، مروراً بإصلاح أجهزة الأمن وتسريح الذين ارتكبوا الجرائم، إلى إقامة لجنة للحقيقة. ولكن، وللأسف، لم يتم تأسيس محكمة إذ لم يوافق البرلمان في عام 2009 على مشروع القانون الذي كانت المحكمة ستُستحدث بموجبه. كما لم نشهد تحركات مهمة بشأن إصلاح المؤسسات. ولكن ما جرى هو تأسيس لجنة للحقيقة والعدالة والمصالحة. وقد ظل المركز الدولي للعدالة الانتقالية يعمل مع هذه اللجنة منذ تأسيسها. وعلى الرغم من أن وجودها كان مشوباً بعددٍ من المشاكل، إلا أنه كان من المأمول أن تُصدر اللجنة تقريرها في آب/أغسطس. ولكن التقرير لم يرَ النور، حتى بعد أن حصلت اللجنة على تمديد لفترة ولايتها، فقد وجهت طلباً جديداً للحصول على تمديد آخر مما سيعني أن التقرير سيصدر بعد الانتخابات المقبلة. ويرى العديد من المراقبين الدوليين ومجموعات المجتمع المدني والضحايا هذا الأمر على أنه إشارة واضحة على تسيس عمل اللجنة. ما هي باعتقادك القضايا الرئيسية التي تحيط بعمل لجنة الحقيقة؟ وما هي الأسباب الكامنة وراء تعطلها؟ وكيف يمكننا تقديم المساعدة، هذا إذا أُتيحت الظروف لتقديم أي مساعدة؟

كانت مدة ولاية لجنة الحقيقة والعدالة والمصالحة في كينيا عامين في البداية، وقد انتهت تلك المدة في أواخر عام 2011. وواجهت اللجنة مشاكل منذ انطلاقتها بسبب تعيين شخص لرئاسة اللجنة ثار بشأنه خلافات على المستوى الوطني، وهو السفير السابق بيثول كيبلاغات.

وكان المفوضون الذين تم تعيينهم في هذه اللجنة يعتقدون – وهم محقون في ذلك – بأنه ينبغي على السيد كيبلاغات أن يستقيل من رئاسة اللجنة لإنه كان منخرطاً في ممارسات ومبادرات ضمن منصبه كوزير في الحكومة مما يمثل تضارباً في المصالح مع التحقيقات التي تجريها اللجنة. وبصفة أساسية، كان من الممكن أن يخضع للتحقيقات التي يجريها المفوضون بسبب دوره في الحكومة.

وقد قاوم السفير كيبلاغات هذا الأمر لمدة طويلة، مما أدى إلى تعطّل اللجنة وتأخير عملها، وتخلل ذلك خلافات صاخبة، ولكن في النهاية قرر الوقوف جانباً (وليس الاستقالة) للسماح للجنة بمواصلة عملها. لذا فقد بدأت اللجنة متأخرة، وكانت انطلاقتها مشحونة بالخلافات.

"يتمتع المجتمع المدني في كينيا بنفوذ كبير بشأن قضايا العدالة الانتقالية. فهو القوة المحركة التي تدفع بالطبقة السياسية من أجل تنفيذ إصلاحات المؤسسات وعمليات العدالة الانتقالية التي تعالج الأسباب الجذرية للنزاع وتناول مسؤولية هذه المؤسسات في إشعال النزاع."
    أما القضية الثانية فهي الاستعجال الكبير للتعويض عن الوقت الذي ضاع سابقاً. فقد استقدمت اللجنة محققين وكتبة ممن لم يحصلوا بالضرورة على تدريب كافٍ. وقد تم إجراء العديد من المقابلات وجلسات الاستماع وتم أخذ إفادات وتسجيلها ولكن ليس بطريقة مفيدة من أجل إجراء تحليل ملائم وإعداد جداول بالنتائج لإتاحة التوصل إلى نتائج وتوصيات سليمة قائمة على الأدلة. لذا فقد أدت هذه الصعوبات الفنية إلى الكثير من التأخيرات الإضافية.

أما العامل الثالث الذي أسهم في التأخير فهو حقيقة أن النزاع الذي حصل بشأن اللجنة في البداية دفع منظمات المجتمع المدني والضحايا إلى التردد في التعاون معها. وما زال هذا الموقف سارياً حتى الآن.

يتمتع المجتمع المدني في كينيا بنفوذ كبير بشأن قضايا العدالة الانتقالية. فهو القوة المحركة التي تدفع بالطبقة السياسية من أجل تنفيذ إصلاحات المؤسسات وعمليات العدالة الانتقالية التي تعالج الأسباب الجذرية للنزاع وتناول مسؤولية هذه المؤسسات في إشعال النزاع.

ومن دون تاثير المجتمع المدني، كان من الممكن للطبقة السياسية أن تؤسس بهدوء هيئات غير فاعلة أو شكلية. ولكن الطبقة السياسية تخضع لمراقبة مستمرة وتمحيص متواصل من قبل منظمات المجتمع المدني.

لذلك، فإن عدم تفاعل تلك المجموعات مع اللجنة يمثل مشكلة كبيرة. وفي النهاية، وعندما بدأ التفاعل بينهما، كان الوقت قصيراً جداً. وقد أيد المركز الدولي للعدالة الانتقالية التحالف الكيني الوطني للعدالة الانتقالية والمؤلف من منظمات المجتمع المدني.

وفي البداية، كنا حذرين ولم ننهمك مع لجنة الحقيقة والعدالة والمصالحة. وفي النهاية عندما بدأنا بالتعاون معها، قدمنا مساعدة في استقدام المفوضين. وفي مرحلة لاحقة، وعندما بدأت اللجنة بتصحيح جوانب القصور الفنية التي برزت من مرحلة الاندفاع الأولى، ساعدنا اللجنة في كتابة التقارير.

تتمتع اللجنة ضمن نظام تأسيسها بحق التمديد لمدة ستة أشهر، وهو ما تحقق فعلاً. بعد ذلك كان من المفترض أن تنشر اللجنة تقريرها في آب/أغسطس 2012. ولكن، ومع اقتراب شهر آب/أغسطس، قدمت اللجنة طلباً للحصول على تمديد آخر، بحجة أن التقرير لم يكن جاهزاً بعد.

أدى ذلك إلى الاشتباه بأن الفشل في إعداد التقرير في الوقت المحدد، وضمن الفترة المعينة وفقاً لقواعد إنشاء اللجنة، كان مدفوعاً بدوافع سياسية لتجنب نشر التقرير قبل الحملة الانتخابية.

تجري حالياً منافسة انتخابية ساخنة في كينيا. وكان من المفترض أن تجري الانتخابات هذا العام، ولكن تم تأجيلها حتى آذار/مارس 2013. والأمر الذي يثير القلق هو أن التأخير في نشر تقرير لجنة الحقيقة كان لتجنب إحراج بعض الفاعلين السياسيين الرئيسيين الذين من الممكن أن تظهر أسماؤهم في التقرير بوصفهم تورطوا في عمليات القتل الإثني أو كان لهم دور فيها عبر دورهم القيادي في الأحزاب السياسية، وما إلى ذلك.

لذا، فإن الوضع غير واضح حالياً. وقد طلبت اللجنة فترة تمديد لمدة تسعة أشهر؛ وبالتالي لا شك أن التقرير سيصدر بعد الانتخابات.

نحن وجهنا نقداً شديداً لهذا الأمر، ولكننا لم نتوقف تماماً عن مشاركتنا. ونحن نحاول أن نرى ما الذي ستقوله اللجنة بخصوص الوضع الحقيقي للتقرير: فما هي الفصول التي شارفت على الانتهاء، وما هي الفصول التي لا يزال يتعين على اللجنة إعدادها، وما هي المهمات التي يعتقد المفوضون أن عليهم إنجازها خلال الفترة من الآن وحتى إصدار التقرير.

وإذا وفرت اللجنة معلومات حول الوضع الحالي وبشكل صحيح، وقدمت بالتالي أساساً موضوعياً لطلب التأجيل اللازم، فيمكن حينها أن نجري تقييماً ونحدد ما إذا كنا مستعدين للانهماك من جديد وتوفير دعم فني.

ما زال وضع التأجيل غير محدد حتى الآن. وقد أعرب وزير العدل عن دعمه للتأجيل، في حين يعارضه أعضاء البرلمان بشدة، وأعرب العديد منهم عن استيائهم لأن التأجيل الماضي لم يؤدِ لإصدار تقرير أولي على الأقل أو إلى نتائج مبكرة. وهم يعتبرون أن ذلك ناجم عن تسيس العملية.

ونحن الآن في مرحلة حاسمة حيث أن من الممكن أن تتعطّل اللجنة تعطيلاً كاملاً. ونحن ننتظر كي نرى ما ستؤول إليه الأمور. ونأمل بأن النتيجة ستكون إيجابية.


Image removed.

أوغندا

في أوغندا، تبدو القضية مختلفة تماماً. فما زالت توجد قضايا جارية للمحكمة الجنائية الدولية ضد قيادة جيش الرب للمقاومة بقيادة جوزيف كوني. لقد بذل المركز الدولي للعدالة الانتقالية ومنظمات أخرى جهوداً كبيرة في أوغندا من أجل بناء قدرات المدعين العامين الوطنيين. إلا أن العملية ظلت بطيئة وظهرت اعتراضات من المجتمع المدني والمراقبين الدوليين كون تصرفات الحكومة غير مشمولة بالتحقيقات. أين تقف العملية في أوغندا حالياً؟ وما الذي نقوم به هناك بصفة محددة؟

جوزيف كوني، قائد جيش الرب للمقاومة، يتمتع بقدرة مذهلة على التحوّل من موقف إلى موقف. جيش الرب غير موجود حالياً في أوغندا، ولكنه أصبح مشكلة على مستوى شبه الإقليم. وتقوم أوغندا بحراسة حدودها بحذر لمنع جيش الرب من العودة إلى البلاد. وقد حدثت موجات عودة عفوية من السكان المشردين داخلياً الذين يقارب عددهم مليون نسمة إلى قراهم الأصلية وقد عاد السلام لمنطقة الشمال

"جوزيف كوني، قائد جيش الرب للمقاومة، يتمتع بقدرة مذهلة على التحوّل من موقف إلى موقف."
    لذلك يوجد حالياً سلام نسبي في شمال أوغندا، ولا يعود ذلك لهزيمة جيش الرب للمقاومة – بل على العكس، فقد أصبح جيش الرب مشكلة كبيرة لشبه الإقليم – ولكن لأن عناصر هذا الجيش ما عادوا موجودين في البلاد لترهيب المواطنين.

وقد حدثت موجات عودة عفوية من السكان المشردين داخلياً الذين يقارب عددهم مليون نسمة إلى قراهم الأصلية وقد عاد السلام لمنطقة الشمال.

وما يحدث في أوغندا هو أن الحكومة قطعت التزاماً من طرف واحد بأنها ستنفذ شروط المحاسبة والمصالحة التي تم التوصل إليها في محادثات السلام التي جرت في جوبا. وقد قطعت التزاماً باستحداث آليات للمحاسبة على الجرائم التي ارتُكبت أثناء الحرب من قبل طرفي النزاع، إحداها آلية للحقيقة والمصالحة، وآلية للعدالة التقليدية من أجل مصالحة المقاتلين العائدين ممن كانوا مع جيش الرب للمقاومة مع مجتمعاتهم المحلية، وآلية لتقديم جبر الضرر.

ومع ذلك، أصرت الحكومة على أن جنودها المتهمين بإساءة التصرف سيخضعون للقنوات الطبيعية للقضاء العسكري. ولذلك فإن قطاع العدالة والقانون والنظام الذي يشرف على آليات المحاسبة، والوحدة التي تم استحداثها ضمن شعبة الجرائم الدولية والتابعة للمحكمة العليا في أوغندا، مكلفون بالتحقيق في الجرائم التي تُعزا إلى قادة جيش الرب للمقاومة فقط.

ما زالت شعبة الجرائم الدولية قيد التأسيس. وقد وفر المركز الدولي للعدالة الانتقالية مساعدة فنية للقضاة وكاتبي العدل والمدعين العامين في هذه الشعبة لمساعدتهم فيما يتعلق بتطبيق ولايتهم عندما تُعرض عليهم قضايا في نهاية المطاف.

كما نعمل على مساعدة قطاع العدالة والقانون والنظام في تحديد الإطار الوطني للعدالة الانتقالية في أوغندا. وقد طلبوا نصيحتنا فيما يتعلق بجبر الضرر؛ مثلاً، ما الذي يجب أن يحدث فيما يتعلق بآليات الحقيقة.

ولم يتم لغاية الآن إيلاء اهتمام كافٍ للعمليات الأخرى للعدالة الانتقالية. ولكن حالياً، وفي سياق عملية تحديد الإطار السياسي الوطني، بدأ يظهر اهتمام بتلك العمليات.

نحن نعمل بصفة وثيقة مع منظمات المجتمع المدني الأخرى ومع مجموعات الضحايا من أجل ضمان تمثيلهم في تحديد تلك السياسات والتحقق من إيصال صوت الضحايا عند تحديد عمليات العدالة الانتقالية.

ثمة نقص في الوعي ضمن المجتمعات التقليدية بحقوق النساء، ويتجلى ذلك على شكل إنكار كامل تقريباً لجميع الجرائم الهائلة التي ارتُكبت ضد النساء والبنات في سياق النزاع. وقد كان العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي منتشراً ضد الأولاد والبنات في شمال أوغندا.

ونحن نعمل هناك للتحقق من أن تلك الآليات تراعي جميع هذه الجماعات وحقوقها وإتاحة الإقرار والمحاسبة بشأن ما حدث لأفرادها، ولتمكين إجراءات التعويضات من معالجة احتياجاتهم وإعادة تأهيلهم كي يبدأوا حياتهم من جديد.


Image removed.

جمهورية الكونغو الديمقراطية

ثمة عمليات جارية في ساحل العاج وكينيا وأوغندا، على الرغم من أنها تواجه العديد من المشاكل. ولكن عندما يأتي الأمر لجمهورية الكونغو الديمقراطية، فإن مجرد ذكر اسم ذلك البلد كافٍ لأن تأتي غمامة قاتمة وتطغى على الخطاب. وفيما نتحدث الآن، ثمة وضع في غوما يُظهر على نحو واضح تماماً التورط المستمر للجيران المتنفذين الذين تحدثت عنهم منذ قليل. وهناك أبعاد بغيضة من العنف، خصوصاً ضد النساء. ما هو دور العدالة الانتقالية في بلد بلكاد نستطيع القول أن يمر في مرحلة "انتقالية"؟

لقد انهارت السلطة المركزية لمدة عقود في جمهورية الكونغو الديمقراطية. ولم تعرف البلاد حكومة موثوقة وشرعية منذ أيام موبوتو. وكان موبوتو هو الرئيس الذي ساعد على خلق مفهوم الحكم عبر الفساد. لذا يمثل الفساد قضية رئيسية. إن الكونغو مبتلاة بفشل الطبقة السياسية وإفلاسها، وكذلك غياب أي استراتيجية وطنية أو رؤية وطنية أو قيادة وطنية.

وأنا أميّز بين هذا الوضع وبين حيوية شعب الكونغو وقدرته على الصمود. إن الكونغو بلد شاسع يتكون من جماعات عديدة مختلفة، وهذا البلد غير معروف بالاضطرابات العنيفة التي تتضمن عنف هائل مثل العنف الذي هز البلدان المجاورة مرات عديدة منذ سبعينيات القرن الماضي، ويتواصل حتى هذا اليوم.    
"إن الأمل يكمن في أن سكان الكونغو يتمتعون بطبيعة مسالمة وقدرة كبيرة على الصمود."

وإذا نظرنا إلى تاريخ الكونغو، فلم تحدث فيها اضطرابات بين الجماعات الإثنية على مستوى هائل مثل الاضطرابات التي حدثت في بوروندي أو في البلدان المجاورة.

لقد كان سؤالك حول الأمل بالنسبة للكونغو. إن الأمل يكمن في أن سكان الكونغو يتمتعون بطبيعة مسالمة وقدرة كبيرة على الصمود.

وفي غياب السلطة المركزية في هذا البلد، هناك قوى بديلة تأخذ زمام المبادرة. ومن دون وجود دولة تؤدي وظائفها، نجد خدمات على المستوى الإنمائي المحلي، وعلى مستويات التعليم والصحة، وحتى إنشاء البنية التحتية الموجودة بفضل جماعات المجتمع المحلي ومنظمات المجتمع المدني والجماعات الكنسية. والكنيسة قوية جداً في الكونغو.

وفي مدن مثل غوما وبوكافو، يوجد مؤسسات للتعليم العالي موثوقة إلى حد بعيد ومدعومة بالكامل من المجتمع المحلي ومن الكنسية. وقد أقامت هذه المؤسسات شبكات تواصل مع الأوساط الأكاديمية في جميع أنحاء العالم. وليس ذلك ثمرة جهود الدولة، بل من عمل المجتمع المحلي.

هذه القوى البديلة ظلت تدفع نحو حقوق السكان ضد كل أصحاب السلطة – أي الحكومات وجماعات الثوار والميليشيات المحلية، والجيوش الأجنبية التي تحتل مناطق من البلاد. وعندما ننظر إلى مستوى التوثيق لانتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت في الكونغو، نجده من مستوى مذهل تماماً. وهذه المنظمات المحلية تواصل القيام بما هو لازم؛ كما تواظب الكنيسة على ذلك من خلال إعلاناتها وبياناتها.

وهذه هي الجماعات التي تدفع نحو أجندات لتحقيق المحاسبة والعدالة والمصالحة في البلاد. وهي تقوم بذلك على الرغم من كل الظروف المناوئة، لآنهم لا يحملون بنادق آلية. أما جميع الجهات الأخرى فتحمل بنادق آلية. ولهذا السبب، نجد أن هذه الجهات الأخرى تحاول إقصاء الجماعات المدنية عندما يتعلق الأمر بإقامة آليات للعدالة الانتقالية.

لذا يتسم الوضع في الكونغو بغياب أي آلية رسمية للعدالة الانتقالية. ولا يوجد أي برنامج عامل للجنة حقيقة أو برنامج لجبر الضرر.

ولكن كان هناك مبادرة لتأسيس مجلس وطني/دولي مختلط لمحاكمة مرتكبي الجرائم الخطيرة.

بالضبط. إن ما نقوم به هو العمل مع الأشخاص الموجودين في المؤسسات القائمة، مثل البرلمان، وأيضاً الحكومة، التي تريد تطبيق إصلاحات مؤسسية في البلاد. وهذه كانت الطريقة التي انهمكنا فيها مع المجالس المختلطة ووضع تشريعات لإدماج نظام روما الأساسي في قوانين الكونغو. وقد بدأت هذه المشاريع في العام الماضي، 2011، واستهلها وزير العدل آنذاك. وقد توجهنا إلى البرلمان، حيث كان يوجد دعم لهذه المبادرات، وكان كلا من الحكومة والبرلمان بحاجة إلى مساعدة فنية.

إن برنامج المركز الدولي للعدالة الانتقالية في الكونغو هو أحد تواجدين دوليين اثنين في الكونغو يساعدان لجان فنية في وزارة العدل و البرلمان، ومجلس الشيوخ وهما معنيان بتقييم مشاريع القوانين والتعليق عليها قبل إقرارها من قبل المشرعين.

"نحن نعمل مع المجموعات النسائية بشأن قضايا العدالة المتعلقة بالنوع الاجتماعي، ولمحاولة التصدي لواقع العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في البلاد، وهو واقع يومي في البلاد، وليس فقط إرث من الماضي."
    وقد انضممنا إلى عضوية اللجنة السياسية والإدارية والقضائية في وزارة العدل، وفي الهيئة الموازية في البرلمان، إذ نوفر المشورة الفنية ونعلق على لغة المواد المختلفة في القوانين، ونقترح أساليب للاتفاق على مشروع القانون المتعلق بنظام روما الأساسي، ومشروع القانون المتعلق بالمجلس الوطني/الدولي المختلط، لأنه حالما يتم إقرار هذا الإطار فستتوفر فرصة أفضل للتصدي فعلاً لظاهرة الإفلات من العقاب ضمن مؤسسات الدولة.

ثمة جهات فاعلة – واضعي السياسات وأصحاب المصلحة – تدفع نحو مثل هذه الإصلاحات، ويتمثل جزء من برنامجنا في الكونغو في تمكينهم من خلال المساعدات الفنية كي يؤدوا عملاً أفضل. ونحن نتمتع بمكانة ممتازة بسبب هذه الجهود.

وفي الوقت نفسه، نحن نعمل مع منظمات المجتمع المدني التقدمية والتي يمكنها المساعدة من خلال نشاطاتها في مجال الدعوة والمناصرة التي تستهدف أصحاب المصلحة المتنفذين في البرلمان والحكومة، والذين يريدون تحقيق التغيير من الداخل.

نحن نعمل مع المجموعات النسائية بشأن قضايا العدالة المتعلقة بالنوع الاجتماعي، ولمحاولة التصدي لواقع العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في البلاد، وهو واقع يومي في البلاد، وليس فقط إرث من الماضي. كما نعمل مع هذه المجموعات لزيادة وعيها بالطرق التي تتيح لها الضغط من أجل التغيير ضمن المؤسسات القائمة، وكمثال على ذلك، من خلال تحقيق انضباط أكبر في صفوف الجيش وتحقيق المحاسبة على الاعتداءات التي تتعرض لها النساء والبنات.

ونعمل أيضاً مع منظمات مجتمعية، كما أن معظم برنامجنا قائم على مستوى المجتمع المحلي. ونحن نعمل في مدينة كالاماي، وفي شمال كاتانغا، وفي كيسنجاني، وهي ثاني أكبر مدينة في وسط الكونغو، وفي إيتوري التي كانت مركزاً لنزاع فتاك بين الإثنيات المختلفة في بدايات العقد الماضي. وتوجد مبادرات مجتمعية لتخليد الذكرى والبحث عن الحقيقة والمصالحة على مستوى المجتمع المحلي تقودها المنظمات المجتمعية والضحايا والمجتمع المدني والكنائس المحلية. ونحن نتواصل مع جميع هذه الجماعات.

نحن نقوم بنشاطات توعوية كثيرة مع جميع الجهات الفاعلة كي تكون أفضل تجهيزاً لتحقيق ما تحاول القيام به بقدراتها الذاتية. هذه ليست نهاية العالم. وبإمكان الناس أن يأخذوا زمام المبادرة وأن يستهلوا بأنفسهم عمليات للمصالحة والبحث عن الحقيقة.

الكونغو هي بلد مليء بالتحديات، ولكن ثمة فرص هائلة أيضاً، ونحن منهمكون فيها.


Image removed.

في سبيل العدالة في افريقيا

إذا كنت ستقيم الحجة من أجل العدالة الانتقالية في أفريقيا، فكيف ستفعل ذلك؟ وما تعتقد أنها المكونات الرئيسية لنجاح تلك الآليات ونجاح ما سينتج عنها؟

هذا سؤال شيّق، لأن العدالة الانتقالية أصبحت جزءاً من الوسائل المستخدمة للتوصل لاتفاقيات سلام وإنهاء النزاعات. وهذا الأمر ينطوي على خطر أيضاً، لأنه عندما يتدخل الوسطاء في بلد لإنهاء نزاع فتاك – وسطاء من المجتمع الدولي أو الأمم المتحدة أو القوى الإقليمية أو المنظمات الإقليمية كالاتحاد الأفريقي – يكون الشاغل الرئيسي هو إنهاء عمليات القتل. ولكنهم يريدون تحقيق ذلك بأسلوب يضع البلاد على مسار الاستقرار زإعادة البناء.

إلا أن إنهاء النزاع يعني العمل مع المنخرطين فيه – الرجال الذين يحملون السلاح – إذ يتفاوضون فيما بينهم للتوصل إلى صيغة لتشاطر السلطة وتقسيم المغانم. ومن النادر أن يكون هؤلاء الفاعلون السياسيون/العسكريون مهتمين بإخضاع أنفسهم للمحاسبة على الجرائم التي ارتكبوها أثناء النزاع.

إن الإصرار على استحداث آليات للعدالة الانتقالية في مراحل ما بعد النزاع مدفوع بالتزام المجتمع الدولي بقيم القانون الدولي وقيم حقوق الإنسان والسعي لجعل المصالحة مكوناً من مكونات السلام الدائم في البلد المعني.    
"ليس هناك وضع واحد أو درس واحد نخرج به من جميع هذه الأوضاع، ولكن أحد الدروس المهمة التي استقيتها هو أننا بحاجة دائماً إلى منظمات ترصد وتراقب ما يحدث، ويجب أن تكون قوية ومؤثرة من أجل ضمان التزام النخب السياسية بتعداتها بموجب الاتفاقيات المبرمة."

ولا تكون العدالة الانتقالية شأناً مهماً للنخب السياسية الحاكمة، خصوصاً النخب التي أفرزها النزاع أو حتى الأزمات السياسية، كما هو الحال في كينيا.

ولكن، ما الذي يحقق فرقاً في الأماكن التي تطبق عدالة انتقالية ذات معنى؟ لقد خلقت النزاعات في أماكن مثل سيراليون وليبيريا نخباً كانت ضعيفة جداً بحيث لم تتمكن من السيطرة على نتائج عمليات العدالة الانتقالية. وعندما خرجت تلك البلاد من نزاعاتها، كانت خارجة أيضاً من دمار شامل. ولذلك كان هناك فرصة لإجراء عمليات صحيحة فيما يتعلق بمكونات العدالة الانتقالية في عمليات إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد النزاع والرامية لإرساء السلام.

وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، لم تأتِ قوة العملية من النخب السياسية، بل من الثروة الاستراتيجية للبلد. فجميع الفاعلين الدوليين كانوا مهتمين بإبرام عقود بعد التوصل لاتفاقية سلام، ولذلك لم يُخضعوا أطراف النزاع لمحاسبة حازمة فيما يتعلق بموثوقية آليات المصالحة.

وكان الوضع الذي انتهت إليه الأمور هو توقيع اتفاقية سلام في منتجع صن سيتي في جنوب أفريقيا، والذي ينص على إقامة شراكة خلال الفترة الانتقالية، وتأجيل جميع قضايا العدالة وحقوق الإنسان وحرية التعبير والانتخابات كي تتعامل معها "القوى الحية للمجتمع"، والموظفون المدنيون والكنائس.

وقد أنشأوا لجنة وطنية للبحث عن الحقيقة، ولجنة وطنية للانتخابات، ولجنة وطنية لحرية التعبير، ولجنة لمكافحة الفساد. ولكن تم ببساطة تسليم جميع هذه اللجان إلى مجموعات المجتمع المدني. وما حدث بعد ذلك هو أن الحكومة الانتقالية أصرت ببساطة على تعيين المفوضين في تلك الهيئات لتحييدها، كما حرمتها من التمويل.

لذا كانت النتيجة عبارة عن لجنة شكلية للحقيقة ولجنة لمكافحة الفساد كانتا دون أي فائدة على الإطلاق، ولم تقوما بأي نشاط. وكانت لجان المواطنين التي أُنشئت عاجزة تماماً – باستثناء لجنة واحدة هي اللجنة الوطنية للانتخابات.

تتمتع اللجنة الوطنية للانتخابات بدعم هائل من الكنيسة – فقد عوّلت اللجنة كثيراً على الكنيسة – إضافة إلى دعم من المجتمع الدولي بسبب الاهتمام الدولي الكبير خلال انتخابات العام 2006. وتلقت تمويلاً يبلغ مئات الملايين من الدولارات. لذا كانت اللجنة محمية من تدخل الحكومة الانتقالية ومن شح التمويل. وقد قامت بعمل ممتاز بسبب ضمان استقلالها.

وعندما ننظر إلى الوضع في كينيا، نجد أن النخب التي انبثقت عن الأزمة السياسية في العامين 2007 و 2008 لم تكن متحمسة لإقامة لجنة حقيقة أو لتحقيق المحاسبة. وكانت منظمات المجتمع المدني التي أدت دور الراصد والمراقب هي من أبقت السلطات على المسار المطلوب ودفعت نحو تحقيق إصلاحات حقيقية وموثوقة وشرعية. كما أدت وسائل الإعلام دوراً رئيسياً. وكان انهماك كوفي عنان حاسماً لأنه ظل يركز جهوده وساعد اللجان الحكومية في جهودها من خلال الأبحاث القائمة على الأدلة.

لذا ظلت النخب الحاكمة في كينيا تحت رقابة لصيقة من قبل جميع هذه الجهات الفاعلة. وفي الواقع، بسبب المجتمع المدني المستنير والتقدمي، حققت كينيا إصلاحات مؤسسية كبيرة ستجعل من الصعب على الطبقة السياسية أن تتصرف على نحو غير مسؤول كما كان الحال في السابق.

ليس هناك وضع واحد أو درس واحد نخرج به من جميع هذه الأوضاع، ولكن أحد الدروس المهمة التي استقيتها هو أننا بحاجة دائماً إلى منظمات ترصد وتراقب ما يحدث، ويجب أن تكون قوية ومؤثرة من أجل ضمان التزام النخب السياسية بتعداتها بموجب الاتفاقيات المبرمة.    
"إن دورنا في المركز الدولي للعدالة الانتقالية هو أن نكون ناقدين لجميع الجهات صاحبة المصلحة."

وإلا فسينتهي الأمر بالإخفاق كما تجلى في لجان المواطنين في الكونغو، والتي تم تأسيسها لأسباب شكلية فقط ولم يُسمح لها بالعمل أبداً.

إن دورنا في المركز الدولي للعدالة الانتقالية هو أن نكون ناقدين لجميع الجهات صاحبة المصلحة. وإذا حدث أي تهاون من المجتمع الدولي، فعلينا أيضاً أن نتخذ موقفاً وأن نقول "هذا لا يجوز، هذا يجب ألا يحدث".

ويظل من الأمور الواضحة أن المركز الدولي للعدالة الانتقالية سيظل ملتزماً بمصلحة أفريقيا. ونحن سنظل منهمكين بها.


نآمل بأن يكون هذا التقرير قد أعطاكم فكرة حول الدور الرئيسي للعدالة الانتقالية في هذا الجزء من العالم. يمكنكم الحصول على تقرير البرامج للمركز الدولي للعدالة الانتقالية عبر البريد الإلكتروني من خلال التسجيل. كما نرحب بتعليقاتكم عبر إرسالها الى العنوان الإلكتروني mena@ictj.org وصفحتنا على الفيسبوك وتويتر.
مصادر الصور: الصورة الأولى: امرأة تراقب الانتخابات في سيراليون، تشرين الثاني/نوفمبر 2012 (غلينا غوردون للمركز الدولي للعدالة الانتقالية)؛ كينيا: كينيون يمشون في الشارع الرئيسي لأحياء كيبارا الفقيرة، 10 شباط/فبراير 2008 في نيروبي في كينيا (بولا برونستين، غيتي إيمجز)؛ ساحل العاج : استخراج جثة لتحقيقات المدعي العام سمبليس كوفي في حي يوبوغون في أبيدجان، 25 كانون الثاني/يناير 2012 (سيا كامبو/أ ف ب/ غيتي إيمجز)؛ جمهورية الكونغو الديمقراطية: نازحون في الداخل وسكان محليون يشبكون الأيدي للصلاة خارج كنيسة محلية يسكنها النازحون في كيباتي شمالي غوما، الكونغو، 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2008 (يازويوشي شيبا /أ ف ب /غيتي إيمجز)؛ أوغندا: مشاركون في تظاهرة (روبرتو شميدت، غيتي إيمجز)؛ الصورة الأخيرة: الأطفال في إيتوري، جمهورية الكونغو الديمقراطية (غودفروا مبيانا)