يجب على الولايات المتحدة أن تضمن المحاسبة على الإساءات في سياق "الحرب على الإرهاب"

30/04/2013

بقلم ديفيد تولبرت، رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية

وجد فريق العمل المعني بمعاملة المحتجزينt التابع لمؤسسة ’مشروع الدستور‘ والمكون من أعضاء من الحزبين الأميركيين الرئيسيين، أن حكومة الولايات المتحدة انهمكت في استخدام واسع النطاق للتعذيب ضد المشتبه بهم الذين احتجزوا خلال "الحرب على الإرهاب".

وقد أصدر الفريق تقريراً مؤلفاً من 557 صفحة يوثق الإساءات واسعة النطاق ضد المحتجزين، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي لفترات طويلة؛ والإساءات البدنية والجنسية؛ والاختفاء القسري عبر النقل السري إلى مواقع مجهولة ("التسليم الاستثنائي للمحتجزين")؛ وممارسات أخرى تمثل معاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة أو تعذيب.

يتألف فريق العمل من خبراء بارزين في المجال القانوني والأمني، وأعضاء سابقين في الكونغرس الأميركي، وأكاديميين، ودبلوماسيين، وقد استنتج أنه لم يحدث أبداً من قبل "مثل هذا النوع من المناقشات الجادة والمفصلة التي جرت بعد 11 أيلول/سبتمبر، والتي انخرط بها الرئيس وكبار مستشاريه انخراطاً مباشراً حول رجاحة وملائمة وقانونية إلحاق الألم والعذاب ببعض المحتجزين لدينا". ومع ذلك، "وعلى الرغم من هذا الجانب الاستثنائي، امتنعت إدارة الرئيس أوباما في السياسات التي اعتمدتها عن إجراء أو التكليف بإجراء دراسة رسمية حول ما حدث، زاعمةً أنه من غير المثمر ’التطلع إلى الوراء‘ بدلاً من التطلع إلى الأمام".

هذا الموقف، إذا ما تم التمسك به، يتناقض مع المزاعم التي كررتها الحكومة الأميركية بشأن التزامها بحقوق الإنسان، كما يتناقض مع التزاماتها بموجب القانون، بما في ذلك بوصفها من الأطراف الموقعة على اتفاقية مناهضة التعذيب الصادرة عن الأمم المتحدة. وكي تستعيد الحكومة الأميريكة مصداقيتها أمام العالم، عليها أن تتخذ خطوات للإقرار بالانتهاكات الماضية ومعالجتها وتوفير الإنصاف لضحايا الإساءات التي تمت بموافقة الولايات المتحدة. وهذا هو أقل شيء يتطلبه القانون الدولي. إن الخطاب الأمريكي المتواصل منذ عشرات السنين بشأن دعم حقوق الإنسان يبدو دون معنى أمام صمت الولايات المتحدة وامتناعها عن التصرف إزاء هذه الإساءات.

"كي تستعيد الحكومة الأميريكة مصداقيتها أمام العالم، عليها أن تتخذ خطوات للإقرار بالانتهاكات الماضية ومعالجتها وتوفير الإنصاف لضحايا الإساءات التي تمت بموافقة الولايات المتحدة."
    لقد ظل المركز الدولي للعدالة الانتقالية، عبر مشروع المحاسبة الذي يديره، وجماعات أخرى معنية بحقوق الإنسان، يناصرون بصفة متواصلة إجراء تحقيق رسمي بشأن المزاعم بممارسة التعذيب بموافقة أميركية. واقترح السيناتور الأميركي باتريك ج. ليهي من ولاية فيرمونت، ومنذ شباط/فبراير 2009، تأسيس لجنة حقيقة لتفحص مزاعم الإساءة للمحتجزين في أعقاب اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر؛ بيد أن الكونغرس الأميركي تقاعس عن التصرف، وهو أمرٌ مخجلٌ فعلاً.

علاوة على ذلك، لم يمثُل أي مسؤول رفيع أمام العدالة بسبب تصرفات تنتهك القانون الدولي والقانون الوطني. وفي حين عمل تقرير ’مشروع الدستور‘ الذي يستحق الإشادة على تسليط الضوء على الأدلة الخطيرة والموثوقة حول ارتكاب إساءات، إلا أنه لا يشكل بديلاً عن ما يجب على الحكومة القيام به من الكشف عن الحقيقة وإخضاع المسؤولين عن الإساءات للمحاسبة، وتوفير الإنصاف للضحايا.

وتدل الخبرات الدولية للمركز الدولي للعدالة الانتقالية، بما في ذلك خبراته في الولايات المتحدة الإميركية، على ضرورة التعامل مع إرث الإساءات الخطيرة لحقوق الإنسان. إذ لا يمكن لمجتمع يفخر باحترامه لسيادة القانون أن يغض الطرف عندما يسمح بحدوث الإساءات في ظهرانيه. ولا يمكن تطبيق سيادة القانون بالقطعة حيث تختار الحكومة متى تريد تطبيق القانون ومتى تريد تجاهله، وعلى من يجب تطبيقه.

إن "إقفال الباب" على الجرائم الخطيرة مثل التعذيب والاحتجاز التعسفي ما هو سوى وهم. ولقد تعلّم الأميركيون هذا الدرس عبر الممارسة الصعبة؛ فليس على المرء سوى أن يفكر باحتجاز اليابانيين أثناء الحرب العالمية الثانية، والاعتذارات والتعويضات التي تأخرت كثيراً. وهو درس لا ينبغي نسيانه.

ثمة بلدان عديدة أخرى عملت بصفة فاعلة على معالجة تاريخ الاستخدام الحكومي للتعذيب وجرائم خطيرة أخرى، بينما ظلت تعمل في الوقت نفسه على تكريس الالتزام بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، بدلاً من التضحية فيها. وقد واجهت تلك البلدان في البداية حججاً تعارض المحاسبة وهي حجج مماثلة للحجج التي تُطرح حالياً في الولايات المتحدة: بأن الحقائق كانت معروفة، وأن تلك التصرفات كانت مبررة، وأن البحث في مسألة الإساءات سيسبب شقاقاً سياسياً، وأن التركيز يجب أن ينصب على المضي قُدماً.

ومع ذلك، فقد أدرك القادة الذين حققوا التحول في أماكن متنوعة مثل أميركا اللاتينية وجنوب أفريقيا وأوروبا الشرقية أن التغيير لا يمكن أن يحدث دون النظر إلى الماضي أولاً واتخاذ خطوات نحو المحاسبة. وفي العديد من الحالات، قامت تلك البلدان بهذه الخطوات بتشجيع ودعم من الولايات المتحدة.

يتوفر لوزارة العدل الأميركية حالياً معلومات كافية لإجراء تحقيق جنائي مع الأشخاص الذين أصدروا التكليف باتباع سياسات أو الموافقة عليها نتج عنها ممارسة التعذيب وإساءة المعاملة ضد المحتجزين. وهناك ضرورة أخلاقية بالكشف عن تفاصيل هذا الفصل القاتم من التاريخ الأميركي، وذلك للحكومة الأميركية وللشعب الأميركي على حدٍ سواء.

ثمة واجب على الحكومة الأميركية بإلقاء نظرة فاحصة جديدة على فكرة إقامة لجنة حقيقة يمكنها توفير استعراض شامل للسياسات والممارسات الكامنة خلف الإساءات والروابط ما بين المؤسسات، وكذلك التبعات الإنسانية والسياسية لتلك السياسات والتصرفات. وتزداد أهمية هذا الأمر على ضوء أن فريق العمل التابع ’لمشروع الدستور‘ لم يكن مخولاً بالوصول إلى السجلات السرية، وأن التقرير المنفصل الذي أصدرته لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي حول وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ظل سرياً.
   
"يتوفر لوزارة العدل الأميركية حالياً معلومات كافية لإجراء تحقيق جنائي مع الأشخاص الذين أصدروا التكليف باتباع سياسات أو الموافقة عليها نتج عنها ممارسة التعذيب وإساءة المعاملة ضد المحتجزين."

يتطلب القانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية مناهضة التعذيب والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، من الدول الملتزمة به، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، إجراء تحقيقات وتحديد الوقائع وإخضاع المسؤولين عن هذه الانتهاكات للعدالة، إضافة إلى إنصاف ضحايا مثل هذه الانتهكات الخطيرة للحقوق.

لقد ظلت الولايات المتحدة تشيد علناً بسيادة القانون عندما يتعلق الأمر بالبلدان الأخرى كما قدمت دعماً مالياً وسياسياً كبيراً لضحايا ممارسات التعذيب التي ارتكبتها أنظمة أجنبية؛ إلا أنها أخفقت في الإقرار بالتزامها نحو ضحايا سياستها بشأن المحتجزين، خصوصاً الذين لم تُوجه لهم أية اتهامات والذين احتجزوا لفترات طويلة.

ولغاية الآن، ظلت المطالبات بالحصول على الإنصاف وجبر الضرر تُواجه بعوائق إجرائية وقانونية متنوعة. وهذا لا يتسق مع القانون الأميركي ولا مع التزامات أميركا بموجب القانون الدولي.

ويزعم أعضاء فريق العمل التابع ’لمشروع الدستور‘ أن من شأن الفهم الشامل لما حدث والاستعداد للإقرار بالأخطاء أن "يقوي الأمة، وأن يساعدنا على التعامل على نحو أفضل مع الأزمات التي ستحدث في المستقبل. أما المضي دون مثل هذه المحاسبة فسيضعف قدرتنا على تبوء موقعنا كممارسين نموذجيين لسيادة القانون". وليس بوسع المركز الدولي للعدالة الانتقالية ومجتمع حقوق الإنسان بأكمله إلا أن يرددوا هذه الرسالة. فإذا أرادت الولايات المتحدة أن تكون قادرة على دعم حقوق الإنسان في البلدان الأخرى، عليها أولاً أن تبيّض صفحتها.

لقد انتظرنا طويلاً كي نعرف الحقيقة الناصعة عن هذه الفترة البغيضة من التاريخ الأميركي. لقد حان الوقت كي تفي حكومة الولايات المتحدة بالتزاماتها وتكشف عن الحقيقة وتحقق المحاسبة وتنصف الضحايا. إن العمل الجيد الذي حققه فريق العمل التابع ’لمشروع الدستور‘ والذي يدعو إلى "إقرار علني بهذا الخطأ الجسيم"، يوفر فرصة للشروع بتصحيح الأخطاء، ولا ينبغي تضييع هذه الفرصة.

لقراءة المزيد حول عمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية المتعلق بالمحاسبة للولايات المتحدة الاميركية.


الصورة: متظاهران يمرّان أمام مبنى الكابيتول في الولايات المتحدة خلال تظاهرة للدعوة إلى إغلاق معتقل غوانتانامو في 11 كانون الثاني/يناير 2013 في كابيتول هيل في واشنطن (مانديل نجان/أ ف ب / Getty Images)
تم نشرها للمرة الأولى في 26 نيسان/ابريل فيHuffington Post