في أعقاب الدكتاتورية، يستعد المجتمع المدني في تونس لمساعدة المرأة التحدث عن الحقيقة

13/05/2014

انبثقت تونس من ثورتها التي انطلقت في عام 2011 وقد أقرت دستوراً جديداً وقانوناً شاملاً للعدالة الانتقالية، وهي تشرع الآن في عملية لمعرفة حقيقة ما جرى في البلد في عهد النظام القمعي، بما في ذلك في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

قامت لجنة الحقيقة في تونس، والتي تدعى لجنة الحقيقة والكرامة، باتخاذ أولى خطواتها، إذ يجري العمل حالياً على استعراض المرشحين لعضوية اللجنة والذين رشحتهم لجنة الاختيار المؤلفة من أعضاء في البرلمان، ومن المتوقع أن تبدأ لجنة الحقيقة والكرامة أعمالها قريباً.

انبثقت لجنة الحقيقة والكرامة عن قانون العدالة الانتقالية الجديد في تونس، والذي مثّل إقراره علامة قوية على مطالب المجتمع التونسي بأن تكون الحقيقة والعدالة في طليعة عمليتها الانتقالية. وإلى جانب نص القانون على تأسيس لجنة الحقيقة والكرامة، فقد أسس أيضاً صندوقاً للتعويضات، ومحكمة خاصة للتعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان، ولجنة لفحص المسؤولين الحكوميين.

ومن المتوقع أن تمثل لجنة الحقيقة والكرامة العملية الأكثر اجتذابا لاهتمام الجمهور ومشاركته ضمن الجهود التونسية لمعالجة الماضي. ويركز بعض التونسيين حالياً على السؤال المتعلق بالكيفية التي يمكن للجنة أن تعمل وفقها حتى تضمن أن رؤيتها للعدالة لا تقتصر على خبرات الرجال وتظلماتهم ومطالبهم بتحقيق العدالة؛ فالنساء اللاتي عانين بصفة مباشرة أو غير مباشرة من الأشكال المختلفة من الانتهاكات يمثلن نسبة كبيرة من الضحايا في تونس، وهن يعملن للتحقق من إيصال صوتهن وإبراز الجانب المتعلق بهن من قصة ما حدث.

وأظهرت مجموعات المجتمع المدني التونسية – وخصوصاً المجموعات التي تعمل مع النساء من ضحايا الإساءات خلال عهد بن علي – مشاركتها الفاعلة أثناء المشاورات الوطنية التونسية وصياغة قانون العدالة الانتقالية، حيث نجحت في الضغوط التي مارستها من أجل إدماج النساء في خطة البلاد للمستقبل. وعلى سبيل المثال، تضمّن قانون تأسيس لجنة الحقيقة والكرامة معايير مراعية للتوازن بين الجنسين في عملية اختيار أعضاء اللجنة، ويقتضي القانون تمثيل كل من الجنسين بما لا يقل عن ثلث الأعضاء. وتواصل هذه المجموعات حاليا إيصال صوتها في الوقت الذي تجري فيه عملية الاختيار.

وإقراراً بالحاجة إلى تضمين خبرات النساء والاعتراف بها في عملية الكشف عن الحقيقة في تونس، عمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية على توفير تدريبات للمجتمع المدني التونسي والمجموعات النسائية التي تطالب بأن تكون اللجنة مراعية للنوع الاجتماعي.

نظم المركز الدولي للعدالة الانتقالية أربع دروات تدريبية من تصميم برنامج العدالة الانتقالية والنوع الاجتماعي في المركز، وقد عقدت الدورات في تونس ونابل وصفاقس وسيدي بوزيد، وشارك فيها قادة المجتمع المدني حيث ناقشوا دور المرأة في البحث عن الحقيقة. وركزت التدريبات على أهمية لجنة الحقيقة والكرامة للضحايا، وأكدت على الدور المهم لمنظمات المجتمع المدني للعمل كوسيط بين الضحايا وبين اللجنة، كما أكدت على أهمية التوثيق.

رصد ومناصرة مراعاة النوع الاجتماعي

أوضحت كيلي موديلأثناء التدريب، وهي مديرة برنامج العدالة الانتقالية والنوع الاجتماعيالتابع للمركز الدولي للعدالة الانتقالية، أن لجان الحقيقة قد تتعامى أحياناً عن خبرات النساء بعد النزاعات أو في أعقاب الأنظمة الدكتاتورية. وبالتالي فإن أي جهود قوية للبحث عن الحقيقة تتطلب وجود ضغط من المجتمع المدني لضمان أن العملية لا تستبعد النساء أو تمنع مشاركتهن منعاً تاماً. وسيكون التواصل المتبادل بين لجنة الحقيقة والكرامة وبين المجموعات النسائية أمراً حاسماً لضمان نجاح العمل المعني بالنوع الاجتماعي، ونجاح المشاركة والتعاون.

وبوسع الضغوطات التي تمارسها هذه المجموعات أن تضمن اتخاذ تدابير مراعية للنوع الاجتماعي من قبل اللجنة. وأشارت كيلي موديل إلى أن لجنتي الحقيقية في بيرو وكوت ديفوار عقدتا جلسات "تجاهلت اعتبارات النوع الاجتماعي"؛ ولكن قرر أعضاء اللجنتين في بعض الحالات عقد جلسات مغلقة لإتاحة المجال أمام النساء لأن يتحدثن في مكان آمن عن الانتهاكات التي عانين منها.

علاوة على ذلك، وفرت أنشطة المناصرة التي قام بها المجتمع المدني ضغطاً كافياً أحياناً من أجل تأسيس وحدة متخصصة بالنوع الاجتماعي ضمن هيكل اللجنة نفسه، وهذا اأمر قد يمثّل خطوة مهمة لضمان عملية شاملة للجميع للبحث عن الحقيقة.

وأدارت سلوى القنطري أحدى جلسات التدريب، وهي مسؤولة برنامج في مكتب تونس التابع للمركز الدولي للعدالة الانتقالية، وقالت إن "إضفاء عنصر النوع الاجتماعي" على الهيكل التنظيمي للجنة الحقيقة (سواء من خلال تأسيس وحدة متخصصة معنية بالنوع الاجتماعي أم عبر تبنّي منظور شامل للتعامل مع القضايا المتعلقة بالنوع الاجتماعي) يمكن أن يساهم مساهمة كبيرة مشاركة النساء وخبراتهن مع اللجنة.

الدعم من المجتمع المدني

وكان من بين المواضيع التي جرت مناقشتها أثناء التدريبات التي عقدها المركز الدولي للعدالة الانتقالية، هو موضوع الطرق المختلفة التي بوسع لجان الحقيقة أن تستفيد فيها من منظمات المجتمع المدني. وبما أنه نادرا ما تُنشر التقارير حول العنف الجنسي ضد النساء، فإن ذلك يضع على اللجان التزاما كبيراً نحو النساء المتأثرات.

وأكدت سلوى القنطري على أن ثمة دور رئيسي للجهات الفاعلة من المجتمع المدني في تونس من أجل التغلب على العوائق التي قد تنشأ ما بين اللجنة وما بين ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، وقالت "يظل الانفتاح المؤسسي نحو الجمعيات النسائية أمراً مهماً من أجل تيسير عمل لجنة الحقيقة والكرامة مع النساء الضحايا، ولاكتساب ثقتهن كي يتقدمن ويدلين بإفاداتهن. وستكسب اللجنة قدرا كبيرا من الوقت والجهود إذا ما استندت إلى ما أنجزته فعلاً هذه الجمعيات".

وفرت التدريبات أيضاً دروسا مستفادة من سياقات أخرى حول أهمية التوثيق. تتمتع لجنة الحقيقة والكرامة بولاية واسعة ولكن مواردها محدودة ووقتها محدود، وسيكون من الضروري أن تتعاون اللجنة مع منظمات المجتمع المدني من أجل تحديد أنماط الانتهاكات بغية وضع خطة عمل وتحديد المجالات التي ستركز عليها الأبحاث.

وجرت جلسات تدريبية حول التوثيق تضمنت أمثلة ناجحة من بابوا غينيا الجديدة ومن أماكن أخرى، وأدارت هذه الجلسات شيزان سعيد، وهي موظفة في قسم العدالة الانتقالية والنوع الاجتماعي التابع للمركز الدولي للعدالة الانتقالية، وأوضحت بأن "عمليات التوثيق تؤدي دوراً حاسماً في السياقات الانتقالية. وهي تمثل أسبقيات مهمة لآليات العدالة الانتقالية الفعالة والنزيهة، حتى وإن تكن العملية لم تبدأ بعد رسمياً".

بوسع المنظمات غير الحكومية التونسية أن تساعد لجنة الحقيقة والكرامة في تفصيل أنماط الضحايا التي ينبغي عليها أن تتواصل معهم، وتحديد أنماط الانتهاكات، وتوضيح العقبات التي يمكن أن تواجهها اللجنة حينما تبدأ في دعوة الضحايا للحضور والإدلاء بشهاداتهم.

وثمة دور رئيسي آخر تؤديه منظمات المجتمع المدني وهو يتمثل في رصد عملية لجنة الحقيقة والكرامة من خلال توعية الجمهور والتواصل معه، لا سيما وأن الموارد المتوفرة للجنة هي موارد محدودة. وأوضحت كيلي موديل، "كلما زادت معرفة المجتمع بعمل لجنة الحقيقة والكرامة، يزداد التأثير الذي ستحققه".


اقرأوا المزيد حول عمل برنامج العدالة الانتقالية والنوع الاجتماعيالتابع للمركز الدولي للعدالة الانتقالية
الصورة: المشاركون في التدريب في تونس العاصمة (محمد طاطا/ المركز الدولي للعدالة الانتقالية)