مشروع القانون التونسي للمصالحة يُهَدِّد مكتسبات الثورة

19/08/2015

بقلم ديفيد تولبرت, رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية

لقد نجحت تونس حتى الآن في إلهام المنطقة برمَّتها، بل وبقية العالم ، من خلال توخِّيها للمسار الديمقراطي بعد ثورة عام 2011. بيد أنَّ المأزق الراهن الضارب بالخلل في النظام السياسي، والفقر المدقع الشديد في المناطق الداخلية الريفية المهمَّشة من البلاد، ووحشية التطرف الكاسرة، ما انفكَّت كلُّها مجتمعةً تُضيِّق الخناق ضيقًا شديدًا يُهدِّد بتدمير العملية الانتقالية بأسرها. أمَّا الآن وقد طلَّت علينا الحكومة بـــــ " مشروع قانون المصالحة " المقترح منها، فقد باتت وعود الثورة ترزح تحت خطر محدق، تكاد تتصدَّع أو تُسحَق سحقًا؛ وغدت مكاسب الثورة هي الأخرى تتأرجح على المحك.

وبناءً عليه، فإنَّ ما نحن في أشدِّ الحاجة إليه، في خضمِّ هذا الوضع المثير للقلق، هو تعضيد سيادة القانون بالمزيد من الدعم، وليس تقويضها بقدر أقل منه. وإنَّ ما يستحقُّه التونسيون والتونسيات جميعًا، وما نشدت تحقيقه ثورتهم هو الإطاحة نهائيًّا بالدكتاتورية، وهو السعي لتحقيق المساءلة والمحاسبة عن الفساد المستشري وانتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق، وليس هو التدابير السُّلطوية الراسخة في الإفلات الـمُطلَق من العقاب.

إنَّ الحكومة التونسية، للأسف، تنكبُّ على الاستجابة للأزمة الأمنية الراهنة بتدابير من شأنها أن تجرَّ الوضع إلى الأسوأ. وكان الدكتاتور الراحل زين العابدين بن علي مُولَعًا بالإشارة إلى التطرف من أجل تبرير السياسات التي أدَّت إلى مزاولة التعذيب والاعتقال لفترات طويلة، وممارسة العنف الجنسي، والنفي القسري، فضلاً عن اعتماد القيود المغالية في الشطط والمفروضة على الحق في التعليم، والعبادات الدينية، وكسب الأرزاق. وإنَّ ذاك لــَـمَناخ من القمع والاضطهاد يُوشِك أن يعود من جديد ليعصِف بالبلاد بأحكام جائرة مغرقة في الجور عن سواء السبيل.

وهكذا، فبدلاً من البِنَاء على مسار الكشف عن الحقيقة والمكاشفة بها، وجبر الضرر، وتحقيق المساءلة والمحاسبة، ألا وهي الأهداف التي كرَّسها قانون العدالة الانتقالية بنصوصها المختلفة لعام 2013، والتي تضمَّنت فيما تضمَّنته، استحداث هيئة الحقيقة والكرامة والدوائر المختصَّة — بدلاً من كلِّ ذلك، ها نحن نرى الحكومة الجديدة تقترح خطَّةً قد اعتراها الضلال عن قصد السبيل: فهي خِطة تقضي بالإغداق على الفاسدين من رجال الأعمال وكبار المسؤولين من عهد بن علي بالعفو تحت قناع "المصالحة".

ولقد تمَّت إحالة "مشروع قانون المصالحة" بهدف تنقيح قانون العدالة الانتقالية وتعديله إلى مجلس نواب الشعب. وهو قانون يُعطي الفاسدين من المسؤولين في النظام السابق لزين العابدين بن علي، بمن فيهم أولئك الذين تورَّطوا في القمع والاضطهاد السياسي، وكذا رجال الأعمال ممَّن تآمروا معهم، فرصة تقديم نسبة يُحدِّدونها بأنفسهم للدولة من مكاسبهم غير المشروعة. بيد أنَّ هذا القانون لا يستحدث أية آلية مكينةٍ للتحقق من مدى فسادهم أو من مكاسبهم غير المشروعة. وهو كذلك قانون خالٍ من أيَّة أحكامٍ تقضي بإجبار هؤلاء على الإدلاء بشهادة الحق ضد أولئك الذين ارتكبوا أشنع وأفظع الأفعال الخطيرة الموغلة في الفساد — من أمثال بن علي والبعض من أقاربه. زِد على ذلك أنَّه قانون يفتقر إلى أيَّة أحكام واضحة تصونه من التزوير والاحتيال، وكذا من التواطؤ من أجل ارتكاب التزوير والاحتيال، وهي الأعمال التي من شأنِها أن تحبط نزاهة ونطاق عملية استرداد الأموال الطائلة من المكاسب والموجودات. وعلاوة على كلِّ ذلك فهذه عملية تُعوِزها أيَّة آلية للشفافية، وينقصها أيُّ فضاء أو مساحة للمشاركة العامة أو لإشراك الشعب في النقاش بعد أن يتقدَّم الفاسدون من المسؤولين ورجال الأعمال للإدلاء بتصريحاتهم وإفاداتهم.

إِلاَّ أنَّه وفي مقابل كلِّ ذلك، فإنَّ هؤلاء المسؤولين سوف يُمنَحون شكلاً من أشكال العفو — حتَّى وإن كان مشروع القانون لا يستخدم هذا المصطلح أبدًا — وَبِذَا يُسمَح لهم بالوصول إلى مكاسبهم غير المشروعة وأموالهم الحرام، بما فيها تلك المكاسب والأموال التي تمَّ بعد تجميدها ووضعها تحت طائلة الإجراءات القضائية الرامية إلى استردادها في سويسرا، وفي المملكة المتحدة، وفي غيرهما من أنحاء العالم.

وتقول الحكومة إنَّ مثل هذا القانون ضروري ليس فقط بصفته حلاًّ عمليًّا بل ويتَّسِم كذلك بالسَّخاء والكرم إزاء المشكلة المفترضة والمتمثِّلة في التحقيقات الجنائية المتعدِّدة الجارية من أجل مكافحة الفساد وتشجيع الاستثمارات قصد المساعدة على إنقاذ الاقتصاد التونسي. ومع ذلك، فإنَّ عمليَّة "المصالحة" التي تعتمد بالكامل تقريبًا على حسن نية وصدق المختلسين والمسؤولين الفاسدين، أقلُّ ما يُمكِن أن يُقَال عنها أنَّها عمليَّة ساذَجة.

وإنَّه لَحرِيٌّ بالنواب البرلمانيين التونسيين ولِزام عليهم، إبَّان النظر في مشروع القانون هذا، أن يسألوا أنفسهم، أوَّلاً وقبل كل شيء: لماذا قامت تونس بثورتها قبل أقلِّ من خمسِ سنوات مضت؟ فانطلاقًا من جذور هذه الثورة التي تعود إلى انتفاضة عام 2008 لعُمَّال الحوض المنجميِّ في ولاية قفصة، ووصولاً إلى الإقدام اليائس لمحمد البوعزيزي على الانتحار حرقًا بعد عامين من ذلك، كانت الثورة تعبيرًا عن مقاومة الفساد ومكافحته. فظلَّت صورة البلاد الناصعة التي تُدَنِّسها لوثة الفساد هي الحُلم الراسخ الوطيد الذي لا يزال يُراود تونس منذ ذلك الحين. وهكذا فإنَّه من الصعوبة بمكان أن نتصوَّر خطوةً تكون أشدَّ إحباطًا لنفوس التونسيين والتونسيات وأكثَر تثبيطًا لعزائمهم من أن نقول لهم فجأة بأنهم في حاجة إلى المصالحة مع طغمة حاكمة كان قوامُها عصابات اللصوص والسُّرَّاق.

ثانيًا، إنَّ النوَّاب البرلمانيين في أمسِّ الحاجة وأشدِّها إلى توخِّي الوضوح الكامل من أجل تحديد أهداف مكافحة الفساد. فهل تتمثَّل هذه الأهداف في توفير الحصانة والإفلات من العقاب للفاسدين؟ أم أنَّها تكمن في استعادة المكاسب والأصول التي تعود ملكيَّتها للشعب التونسي وخلق ثقافة الشفافية والمساءلة؟

لقد وقَّعت تونس على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في عام 2004. وكان العمل على إنفاذ مبادئ تلك الاتفاقية بشأن استرداد المكاسب والموجودات، تحت نظام زين العابدين بن علي، أمرًا مستحيلاً. أمَّا الآن والحال أنَّ بن علي يقبع في منفى الخزي والعار، فإنَّه لمِمَّا يتوجَّب على الحكومة ألاَّ تتجاهل المعايير الدولية لمكافحة الإفلات من العقاب أو تضرب بها عرض الحائط. بل إنَّه من صلب واجبها الوطني، عِوضًا عن ذلك، أن تستخدم أدوات المعاهدة وآلياتها القائمة فيها من أجل استرداد المكاسب المنهوبة والأصول المسروقة.

ومع ذلك، فإنَّ مشروع القانون هذا يتغاضى تمَامًا عن الجهود المبذولة من قبل المحقِّقين التونسيين وكذا عن يد العون والمساعدة المقدَّمة من الحكومات الأخرى من خلال إجراءات المساعدة القانونية المتبادلة في الخارج والتي أدَّت إلى تجميد ما لا يقلُّ عن 68 مليون دولار من الأرصدة والأصول المودعَة في كندا وسويسرا وإعادة 28 مليون دولار من الأرصدة والأصول المودعَة في لبنان. وبناءً عليه، فإنَّ المطلوب هو القيام بالمزيد من العمل، وليس أقلُّ من ذلك القدر، بالتعاون مع الدول الأخرى بغية تحديد هذه الأموال والأصول ومن ثمَّ إعادة توطينها.

ويشير مشروع القانون إلى أنَّ استعادة المزيد من هذه الأصول والمكاسب سوف يستغرق الكثير من الوقت. ولكن ذلك الزعم لا أساس له من الصحة. فتونس قد نجحت بالفعل في تجميد واسترداد الأرصدة والموجودات في غضون سنتين من انهيار الدكتاتورية. وما على المرء إلاَّ أن يُقارن ذلك بالجهود الرامية إلى تجميد واسترداد الأرصدة والأصول من مستبدين سابقين آخرين في سويسرا وحدها دون غيرها من الدول. فلقد تطلَّب شروع هايتي في الإجراءات الهادفة إلى استعادة ما لا يقلُّ عن 6 ملايين من الدولارات الأمريكية من أرصدة دوفالييه ما يُناهز 30 سنة تقريبًا، في حين استغرق قيام نيجيريا بتجميد وإعادة توطين قُرابة 380 مليون دولار من الأموال غير المشروعة لساني أباتشا حوالي 17 عامًا، واستغرق استرداد الفلبين لـــ680 مليون دولار من أموال ماركوس عشر سنوات.

أمَّا في حالتي الفلبين وبيرو، فإنَّ استرداد الأرصدة والأصول، وليس العفو، هو الأمر الذي نجح في تعزيز العدالة والمساءلة. فاستعادت بيرو 174 مليون دولار في أقلِّ من خمس سنوات من الحسابات المصرفية السويسرية لفوجيموري، وتمَّ تخصيص جزء من هذه الأرصدة المستعادة للمساعدة على تمويل هيئة الحقيقة البيروفية وبرامجها الخاصة بجبر الضرر وتقديم التعويضات الجماعية. وفي عام 2013، أصدرت الفلبين قانونًا يقضي بمنح التعويضات وغيرها من أشكال جبر الضرر لضحايا النظام الديكتاتوري لماركوس، وتمَّ تمويل هذه التعويضات بمبلغ قدره مائتي مليون دولار من أصل 680 مليون دولار التي تمَّ استردادها من عائلة ماركوس حتى الآن.

ثالثًا، إنَّه لمِمَّا يتعيَّن على المشرِّعِين القيام به هو أن يتوجَّهوا بالسؤال إلى أبناء وبنات دوائرهم الانتخابية عن آرائهم ومواقفهم. فهل صحيح أنَّ التَّحَلِّي إبداء الشهامة والكرم حيال شِرذمة من أثرياء الجُنَاة سوف يؤدِّي إلى المزيد من الوحدة الوطنية؟ أم أنَّه سيخلق نوعًا من أنواع السُّخط والنقمة التي قد تُثِير أعمالاً تتَّسِم بالتطرف وربَّما حتَّى بالعنف؟ وماذا سيحدث إذا ما تمكَّن غُلاَة المتطرِّفين المتبنِّين للعنف، سواء داخل تونس أو خارجها، من استغلال الإفلات الرفيع المستوى من العقاب كأداة للدعاية لأفعالهم الوحشية البشعة؟

إنَّ مشروع القانون هذا من شأنه أن يُؤسِّس لمنحدرٍ شديد الانزلاق نحو الإفلات من العقاب. فبعد تخليص الفاسدين من المسؤولين ورجال الأعمال من قبضة القانون والعدالة، من سيكون المستفيد الموالي من مثل هذا الإفلات من العقاب؟ هل سيكون المستفيدون ممَّن قاموا بتعذيب السجناء السياسيين أو ممَّن كانوا يسومون أفراد أسرهم وأهلهم وذويهم ضروب الإهانة وسوء المعاملة؟ أم هل سيكون المستفيدون من بين أولئك الذين أصدروا الأوامر بتفريق المتظاهرين عُنوة بل وقتلهم خلال الفترة الممتدة من 2008 إلى 2011؟ وماذا سيتبقَّى حينئذٍ من معنى لاستحداث عمليةٍ قائمةٍ على نطاق الوطن بأسره من أجل الكشف عن الحقيقة وتحقيق الكرامة إذا ما تمَّ تجاهل الحقيقة بشأن الفساد والتغاضي عن كرامة جميع التونسيين والتونسيات الذين ألحق بهم الفساد الأذية وأضرَّ بهم أيَّما ضرر؟

ولكي نتوخَّى الإنصاف ونُعطي كل ذي حقٍّ حقَّه، فإنَّ هذه الحكومة ليست هي الأولى التي أقبلت على مغازلة فكرة "المصالحة" مع الجُناة الأثرياء. فخلال المفاوضات العاملة على إصدار قانون العدالة الانتقالية، أبدى المشرِّعون موقفًا واضحًا تمام الوضوح يقضي بأنَّهم قد سلَّموا أمرهم وأذعنوا أمام الفكرة القائلة بأنَّ الفاسدين من رجال الأعمال وحدهم من يمتلكون المعرفة الكفيلة بدفع عجلة الاقتصاد قُدُمًا. ولهذا السبب تمَّ إدراج آلية للتحكيم في هذا القانون، مِـمـَّا زاد مُهمَّة أخرى إلى المهامِّ الـمُتعدِّدة لهيئة الحقيقة والكرامة. ولقد كانت هناك مخاوف تحوم حول سير عملية التحكيم هذه وكيفية عملها. ومن الواضح أنَّ عملية التحكيم تسمح بالملاحقة القضائية لمن يرفضون التحكيم أو لمن يرتكبون التدليس والاحتيال وكذلك بمحاكمة كلٍّ من هؤلاء. أمَّا الآن فها هو قارب التحكيم الذي لم يُجرَّب يومًا لركوب الموج يتعرَّض للتخريب والتحطيم من قبل أن يُبحِر، لصالح آلية جديدة تحظى بقدر أكبر حتى من التحكيم في ملاءمتها للفاسدين رفيعي المستوى من المسؤولين ورجال الأعمال.

أمَّا في البلدان التي حاولت مقايضة العفو مقابل الحقيقة، فقد باءت تجربتها إلى حدٍّ كبيرٍ بالفشل وتحوَّلت إلى مصدر من مصادر الشعور بالإحباط السائد في أوساط الشعب. ففي بنغلاديش، منحت هيئة تقصِّي الحقائق حول الفساد عفوًا مماثلاً مقابل خِطَّة لاسترداد الأموال والأصول. غير أنَّ تلك الخِطة كانت تشكو من عدم قابليَّتها للتحقق والإثبات (مثلما هو المصير الذي ينتظر "مشروع قانون المصالحة التونسي" على الأرجح)، فضلاً عن أنَّها كانت تُعاني من خللٍ مُتأصِّلٍ في التصميم. فلم تُخفق الهيئة في استلام أصول وأموال طائلة تمَّت استعادتها وتسليمها فحسب، بل إنَّه سرعان ما تمَّ الإعلان عن أنَّها هيئة غير دستورية بناءً على أسُسٍ ذات صلة بالمساواة في حماية القانون للجميع. وكانت آلية مماثلة في باكستان أيضًا موضوع إعلانٍ صادر عن محكمتها العليا بأنَّها آلية غير دستورية، حيث أشارت المحكمة إلى أنَّ منح الحصانة لأزواج بينازير بوتو مقابل استعدادهم لتسليم الأصول والأموال المودعة في سويسرا (والتي كانت باكستان قد سبق وجمَّدتها بالفعل) تُؤسِّس لسابقة خاطئة بالنسبة للراغبين في اللحاق برَكْب المسؤولين الفاسدين.

ولقد شهدت منظمتي، ألا وهي المركز الدولي للعدالة الانتقالية، في العديد من البلدان كيف أنَّه لا يُمكِن بأيِّ حال من الأحوال الفصل بين النضال من أجل تحقيق المساءلة عن أعمال الفساد المستشري على نطاق واسع والتي يتِمُّ ارتكابها في ظل الديكتاتوريات والأنظمة القمعية، وبين النضال من أجل تحقيق العدالة بشأن الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان من قبل تلك الأنظمة. ففي معظم الحالات، تتَّسم الأنظمة الفاسدة بالوحشية لأنَّها تحتاج إلى القوة والتهديد من أجل إنجاز السرقة وإخفاء ما تنهبه من الأموال العامة وكذا الأراضي العامة والخاصة وغيرها من الأصول والموجودات.

وإنَّ الانتهاكات الجسيمة المتعلِّقة بالفساد المستشري والانتهاكات العنيفة لحقوق الإنسان هي انتهاكات يُعزِّز كلُّ انتهاك منها الآخر، وما لم يتمَّ الكشف عن هذا الارتباط العضوي وكسره، فمن شأنه أن يُؤدِّي إلى معاضدة كلٍّ منهما للآخر وتعزيزهما المتبادل للإفلات من العقاب. وهذا هو الدرس الذي لا مفرَّ لتونس من أن تستقيه من تركة النظام الدكتاتوري الوحشي الفاسد لماركوس في الفلبين، الذي قتَّل العباد تقتيلاً، ومارس التعذيب والاختفاء القسري لقرابة 10،000 من الضحايا؛ ومن دوفالييه في هايتي؛ ومن آل فوجيموري في بيرو. فجميع هؤلاء كان مسؤولاً عن ارتكاب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وجميعهم كان مسؤولاً عن ارتكاب أعمال الفساد المستشري على نطاق واسع.

وإنَّ إعادة بناء المجتمعات بعد حكم عصابات اللصوص والسرَّاق أمرٌ يتطلَّب الالتزام الكامل دون نُقصَان بحكم القانون وسيادته، سواء كان ذلك يتعلَّق بمكافحة الفساد أو بالعمل ضد انتهاكات حقوق الإنسان. وفي حين تتصدَّى تونس لمناقشة مشروع القانون المثير للجدل هذا، فإنَّ العالم يتساءل، إذ ينتابه القلق، عمَّا إذا كانت روح الشفافية والمطالبة الشعبية بالمساءلة والمحاسبة التي اندلعت شرارتها خلال الثورة التونسية سوف تُحافِظ على البقاء، أم أنَّها سوف تتهاوى وتنهزم أمام سُلطة السُّحت وتندكّ بجبروت المال الحرام مِـمَّا من شأنه أن يجرَّ البلاد إلى دوَّامة جارفة نحو الأسفل، أي إلى دوَّامة القمع المتفاقم والفساد المتزايد والعنف المتطرف المتصاعد بلا هوادة


للاطلاع على عملنا في تونس.

الصورة : شباب تونسي يحتفل بمناسبة الذكرى الثالثة للثورة في شارع الحبيب بورقيبة في تونس، تونس، يناير 2014. (مغاربية / فليكر)(Magharebia/Flickr)