تضمين الأطفال في عمليات البحث عن الحقيقة من أجل ترسيخ التغيير الاجتماعي

19/11/2015


*"أود أن يمنح الأطفال حقوقهم. ينبغي إعطاء الوالدين الاحترام الذي يستحقونه. ولكن يحتاج الأطفال أيضاً للاحترام، حتى نتمكن من المضي قدماً في نفس الاتجاه"- مارك ، طفل من كينيا أدلى بشهادته أمام هيئة الحقيقة والعدالة والمصالحة الكينية.*

يتأثر الأطفال بشكل خاص بالصراع والانتهاكات الجماعية ويتكون لديهم منظوراً فريداً حول آثار تلك الأحداث على مجتمعاتهم. وهذا يجعل مشاركتهم في عمليات العدالة الانتقالية أساسياً في الدول التي تسعى حقاُ لقطيعة مع الماضي ومعالجة ناجحة لمخلفات العنف الجماعي.

تمنح الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، والتي اعتمدت قبل 26 عاماً، الطفل حق الاستماع عليه. وفي عمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية حول العالم، لاحظنا بشكل متكرر رغبة الأطفال والشباب بأن يكون لهم رأي في عملية بناء مستقبل أكثر إشراقاً لأنفسهم ومجتمعاتهم عن طريق التعلم عن فظائع الماضي.

مع لجان الحقائق الجارية والمخطط لها في تونس ونيبال وكولومبيا وأماكن أخرى، نحتفي باليوم العالمي للطفل بتسليط الضوء على أهمية مشاركة الأطفال في عمليات البحث عن الحقيقة وتقديم بعض الإرشادات العملية حول كيفية القيام بذلك بالشكل الصحيح.

فبعد سبع سنوات من العمل بشكل وثيق مع الأطفال في مختلف البلدان من خلال وحدتنا الأطفال والعدالة الانتقالية ، رسمنا بعض الخطوات الأساسية حول كيفية إدراجهم في عمليات تقصي الحقيقة بشكل يضمن مساهمة مشاركتهم في التغيير الاجتماعي على المدى الطويل. هذه هي أفكارنا، مرفقة بأدوات مفيدة للممارسين والمربيين.

يجب الاستماع للأطفال والشباب إذ أنهم قادة الغد

لا يقتصر الأمر على أن للأطفال حق الاستماع إليهم، ففي العديد من السياقات هم أنفسهم يلتمسون ذلك بشدة. طالبت غادة من تونس وبراتيفا من نيبال وكذلك جوليان من كولومبيا، والذين يعبرون عن أصوات العديد من أقرانهم في جميع أنحاء العالم، بمعرفة الحقيقة حول الماضي في مجتمعاتهم، وبالمشاركة الفعالة في عميات تقصي الحقائق.

في كينيا - وبعد الانتخابات التي اختلف على نزاهتها في 2007 انفجر العنف على نطاق واسع تاركاً على الأقل 1500 قتيلاً ومعرضاً الآلاف للتشريد والعنف الجنسي- شُكلت هيئة الحقيقة والعدالة والمصالحة للتحقيق في الجرائم التي ارتكبت أثناء تلك الفترة وما قبلها، والتي يعود تاريخها لعام 1963. شمل اختصاص هذه الهيئة التحقيق في جرائم العنف العرقي والجرائم الاقتصادية والتهميش المجتمعي، وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان. وقد أدلى حوالي 40000 شخصاً بشهاداتهم أمام هذه الهيئة.

بناءاً على العمل السابق للجان الحقيقة التي مهدت الطريق أمام مشاركة أوسع للأطفال، بشكل خاص لجان الحقيقة في سيراليون وليبيريا، أخدت الهيئة الكينية بشكل جاد أهمية إشراك الأطفال ووضع خطة وسبل حماية لهم من أجل السماح لهم بالمشاركة في جلسات الإدلاء والاستماع. عقدت جلستي استماع خاصة بالأطفال، وتلقيت الهيئة ما يزيد على 2000 شهادة منهم.

فيلمنا القصير "أصوات المستقبل" يحكي قصتي مارك وشارون من كينيا، والذين يعتقدون أهمية كشف الحقيقة حول جرائم الماضي في كينيا وأدلوا بشهادتهم للهيئة. ذهب مارك وشارون للهيئة لمشاركة قصصهم وآمالهم حول مستقبل كينيا. يقول مارك: "أريد أن أرى الناس في كينيا يعيشون حياة جيدة. أريد أن أرى السلام. على الناس ألا يكونوا قبلييت، عليهم أن يكونوا مسؤولين عن حياتهم."

لقد شهدنا في السنوات الأخيرة تقدماً ملحوظاً في زيادة الوعي بحقوق الطفل في المشاركة والاستماع عليه عن طريق إتاحة فرص لهم للانخراط في القضايا الحيوية التي تؤثر عليهم وعلى مجتمعاتهم. ومع ذلك، بالنسبة للكثيرين يظل السؤال مفتوحاً حول كيفية تجاوز الانخراط الرمزي إلى تحويل الحق في المشاركة إلى عملية ذات مغزى.


إجراءات تقصي الحقائق يجب أن تستجيب لاحتياجات الأطفال الخاصة

لقد بدأت لجان الحقيقة في دمج المشاركة المباشرة للأطفال فقط في العقد الماضي. لجان الحقيقة الأولى مثل تلك التي كانت في جنوب أفريقيا، أخذت الفكرة بعين الاعتبار بيد أنها في النهاية قررت أن ذلك قد يمثل خطراً على الأطفال. ولكن، إذا ما خططت ونفذت العملية بشكل جيد، فإن المشاركة المباشرة للأطفال في خطوات تقصي الحقيقة يمكنها ليس فقط إثراء السرديات المجمعة ولكن أيضاً تشكيل هويات الأطفال كمواطنين متفاعلين.

هناك تحد كبير يواجه لجان الحقيقة وهو التوتر الكامن بين حق الأطفال في المشاركة وحقهم في الحماية. في محاولة لتقديم توجيهات بشأن كيفية تحقيق التوازن بين هذين المطلبين الأساسين، حاور المركز الدولي للعدالة الانتقالية الأعضاء السابقين للهيئة الكينية ومسئولين عن برامج حماية الأطفال وخبراء دوليين ، وعمل على دمج خبراتهم في اثنين من أشرطة الفيديو التعليمية، والتي تطرح أفكاراً مفيدة حول كيفية إشراك الأطفال في عمليات تقصي الحقائق على نحو فعال.

يعطي الشريط الأول لمحة شاملة عن كيفية إشراك الأطفال في لجان تقصي الحقائق، بينما يوفر الشريط الثاني تفاصيل أكثر عن إجراءات وتقنيات هذه العملية. مع توفر هذه الموارد، يمكن لهؤلاء العاملين في لجان الحقيقة الحالية والمستقبلية، مثل تلك التي في تونس ونبيال وكولومبيا الاستفادة من هذه الخبرات العملية.

تقول نانسي كانياجو، مديرة برنامج الدعم الخاص بالهيئة الكينية: " هناك حاجة لوضع آليات وصول إلى مختلف الشرائح المستهدفة من البداية، بما في ذلك الأطفال." وتكمل: " هناك حاجة للموارد والتعليم المدني والبدء في التخطيط لمشاركتهم لأن مشاركة الأطفال تتطلب الكثير من العمل التحضيري لضمان حدوث ذلك. وأيضاً هناك حاجة للالتزام وحسن النية، وكذلك خطط مدروسة لضمان مشاركتهم."

أهمية تدريس الحقيقة في الصف الدراسي

تضمين الأطفال والشباب في لجان الحقيقة خطوة بداية مهمة، ولكن مشاركة الأطفال لا تنتهي بإدلائهم لشهادتهم.

إن تأثير لجنة الحقيقة أو العملية الوطنية للتفكر في إرث الماضي من انتهاكات حقوق الإنسان يعتمد بشكل كبير على النقاش في المجال العام حول نتائجها بعد فترة طويلة من إصدار التقرير النهائي. هذا التأثير يعتمد على الكيفية التي تسهم بها تلك المحادثات في التوصل إلى فهم أفضل لماضي البلد، وكيفية تحفيزها لنبذ العنف كوسيلة لتسوية النزاعات في المجتمع، ومن ثم دورها لقيادة تغيرات في المواقف والهياكل في الحاضر والمستقبل.

تعد الفصول الدراسية أحد أهم الأماكن لهذه النقاشات. ومع أن العادة جرت بإغفال القطاع التعليمي في النقاش حول عمليات تقصي الحقائق والعدالة الانتقالية، إلا أن له دوراً حاسماً في إعطاء معناً لتلك العمليات. ومن ثم يجب تضمين الشركاء من قطاع التعليم في هذه العمليات من البداية بحيث يمكن تنسيق الجهود وتركيزها للحصول على أقصى قدر من التأثير وتعزيز محادثات أوسع تشمل الشباب.

بالتعاون مع عدة شركاء، طور المركز الدولي للعدالة الانقالية كتيباً مصوراً يستند على التقرير النهائي لهيئة الحقيقة والعدالة والمصالحة الكينية، والذي صُمم بهدف توجيه المناقشات حول الماضي بين الطلبة، وتحفيز محادثتهم حول تعزيز العدالة وبناء ديمقراطية وتماسك اجتماعي في كينيا.

نفس المشاعر موجودة في بلدان أخرى. في كندا وعقب صدور نتائج لجنة تقصي الحقائق والمصالحة، طالب التلاميذ بتدريس الانتهاكات التي ارتكبت ضد أطفال السكان الأصليين في المدارس. كما توضح أندريا من ادمونتون، كندا: "نحن الجيل القادم. بعد 10 سنوات سنكون أشخاصاً بالغين، سنكون محامين ورئيسي وزراء، علينا أن نعرف عن هذا ونحن صغاراً، فعندما نكبر نتأكد من عدم حدوث ذلك."

إن جعل الحق في المشاركة واقعاً لا يفيد الأطفال فحسب، ولكنه مهم أيضاً إلى تعزيز فعالية عمليات العدالة الانتقالية على نطاق أوسع. كما أوضح الشباب في كينيا: "المعرفة قوة. عندما يكون لدى الشباب وعى، فإن هناك أمل في مستقبل أفضل وكينيا أفضل وأفريقيا أفضل وعالم أفضل."


*الصورة: رسمة من كتيب التعلم من ماضينا تظهرالشباب الكيني من خلفيات مختلفة. (رسومات Maurice Odede)*