تأملات في النضال من أجل العدالة: بابلو دي غريف

26/01/2017

ونحن ننظرُ إلى الوراء على مدى15 عاماً من عمل المركز الدوّلي للعدالة الانتقالية، نُدركُ أن ثروتنا الحقيقية هي أولئك الأشخاص الذين جَعَلُوا مساهمتنا ممكنة بمعرفتهم وخبرتهم وتفانيهم. للاحتفاء بكل الذين كانوا جزءًا من قصة المركز الدوّلي للعدالة الانتقالية على مدى سنوات سألنا عدداً من زملائنا السابقين أن يكتبوا تأملاتهم وذكريات اللحظات البارزة: تلك اللحَظات التي جَعلت عملنا أكثر وضوحاً. في الأسابيع والأشهر القادمة سوف ننقل لكم قصصهم عن تأملات في النضال من أجل العدالة.

بابلو دي غريف، المدير السابق لوحدة البحوث في المركز الدولي للعدالة الانتقالية (2001-2014) والمقرر الحالي الخاص للأمم المتحدة المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة وجبر الضرر وضمانات عدم التكرار يُشاركنا قصة عن نظرية سياسية أتت إلى الحياة في بلدة إسبانية صغيرة.


كان عام 2005، وكنتُ في الطريق لزيارة عائلتي في إشبيلية، إسبانيا. كان لدي توقف لساعة في محطة قطارات مدريد، وإِغْتَنَمت الفرصة للقاء مؤسس منظمة هامة تعملُ على الذاكرة التاريخية المتعلقة بالحرب الأهلية الإسبانية وعهد فرانكو. وجدتُ صديقي وسط الحشد وبينما تعانقنا بحرارة، كنتُ أتطلع لمعرفة المزيد حول كيفية تعامل المواطنين الإسبانيين مع ماضيهم المضطرب.

جلسنا وطلبنا قهوة ومحطة القطار تطنّ من حولنا. حدثته عن مشروع بحثّي كنتُ قد بدأتُه للتو حول الروابط بين العدالة الانتقالية والتنمية الاقتصادية.

    Image removed.

وَجد رفيقي المشروع مثيراً للاهتمام وسألني عما آملُ تحقيقه من المشروع. بقلقٍ من أن يدفعه أسلوبي الأكاديمي جانباً، أجبتُه: "أعتقدُ أن العدالة الانتقالية هي تعزيز لفهم الشخص لنفسه كحامل للحقوق. وأعتقدُ أن هذا مهم للتنمية الاقتصادية أيضاً."

أضاءت عيناه بينما أتحدثُ وانحنى إلى الأمام قائلاً: "أعرفُ بالضبط ماذا تعني." مباغتاً إيايّ على حين غرة، أضاف: "اسمح لي أن أحكي لك قصة."

قبل عدة سنوات زارَ بلدة صغيرة في أندلوسيا، في جنوب إسبانيا. قام بتنظيم تجمعاً عاماً حول الذاكرة التاريخية جَذب حشداً جيداً.وفي الحشد لاحظ امرأة مسنة، واهية جداً ومُضْطَرِبة بشكل واضح. كانت هناك مع ابنتها التي كانت بالقرب منها تُطمئنها. بدا أن المرأة المسنّة كانت تريد أن تتكلم، لكنها أيضاً بدت خائفة. وأخيراً، في نهاية الاجتماع، حَملت نفسها على أن تتشجّع على رفع يدها لتسأل سؤالاً.

اكتشف صديقي لاحقاً أن تلك المرأة كانت ابنة رجل متعاطف مع الجمهوريين الذين قُتلوا على يد قوات فرانكو في عام 1936. نشأت المرأة خلال حكم فرانكو تحت عباءة خوفٍ منعها من ممارسة حياة طبيعية. شيء صغير مثل مغادرة منزلها كان يسبب لها القلق، وتتطلب حضور الاجتماع استحضار كل قوتها النفسية. حتى الآن مع رؤية رجل يحمل العلم الجمهوري في الاجتماع، قالت أنها تشعر بالقلق من أن شيئاً سيئاً سيحدث لهم، مثل إلقاء القبض عليه، مع أن إسبانيا كانت ديمقراطية لأكثر من عشرين عاماً.

قال صديقي: "ربما تتساءلُ ما علاقة هذا بالمواطنين والحقوق." وبالفعل كنتُ أتساءل عن ذلك. أكمل صديقي: "حسناً، تلك المرأة هي الآن زعيمة جمعية الذاكرة التاريخية في مدينتها. بعد سنوات من العيش في خوف من أن تكون مواطنة فاعلة، ليس فقط تمارس ذلك الآن ، بل هي أيضاً تُنٌظم الآخرين للحديث عن حقوقهم ".

كان عليّ اللحاق بقطاري، لذا شكرتُ صديقي بغزارة على القصة قبل المُضي سريعاً وسط الحشود. تدبرتُ في البطلة البَسِيطة - والتي يمكن أن تكون بين النساء اللاتي مررت بينهن في طريقي- كيف قَدمت لتجريداتي الفلسفية معنى في العالم الحقيقي والمادي.


الصورة: متظاهرون يتجمعون في مسيرة تضامناً مع ضحايا فرانكو.(Carlotta Tofani/Flickr).