كتابة المسكوت عنه: النساء التونسيات يكسرن الصمت عن القمع

29/04/2017

في تونس، أحدثت جلسات الاستماع العامة لهيئة الحقيقة والكرامة تغييراً جذرياً في المناقشات حول الماضي. ومع ذلك، لا يزال الكثيرون في البلاد ينظرون إلى العدالة الانتقالية على أنها "حلم من الثورة:" فلا تزال هناك حاجة حقيقية لإشراك جميع شرائح المجتمع في العملية وخاصة الفئات المُهمشة تاريخياً مثل الشباب والنساء. إنّ قصصهم ضرورية لأجل أن تواجه تونس ماضيها بشكل كامل.

في يناير/ كانون الثاني، اجتمعت تسع نساء تونسيات - منهنّ الكبيرات في السن ممّن تعرّضن للقمع في ظل ديكتاتورية بن علي والبعض شابات انخرطن حديثاً في النشاط - في جامعة برمنجهام في إنجلترا في ورشة عمل يَسّرها المركز الدولي للعدالة الانتقالية وجامعة برمنغهام بعنوان "كتابة المسكوت عنه." كان هدف الورشة استكشاف تقنيات تقصي الحقيقة المُختلفة وخلق مساحة لأولئك المُحْرَجون من الإدلاء بشهادتهم أمام الهيئة لتبادل قصصهم.

هناك أكثر من طريقة لمشاركة ذكرى، لكسر الصمت المُحيط بالقمع. شجّعت الورشة المشاركات على مناقشة خبراتهن علناً من خلال أشكال مختلفة من السرد القصصي، بدءاً من تسجيل مدونات صوتية ( بودكاست) إلى تدريس حلقة دراسية. كما سعت الورشة إلى تمكينهن من جلب هذه التقنيات إلى منازلهن وتعزيز مزيد من الحوار داخل مجتمعاتهن.

قالت هالة بوجناح إحدى المشاركات: "من المهم أن نسمح للنساء باختيار الكلمات لإخبار قصصهن وعدم فرض مصطلحات تُصوّر معاناتهن".

مرآة للمجتمع

ناقشت خبيرة الأنثروبولوجيا الحضرية اللبنانية ماري كلود سويد، وهي متخصصة في التاريخ الشفوي، أهمية رواية القصص كوسيلة لربط الماضي والحاضر. وأوضحت أن الصعوبات التي تواجهها النساء في الحديث علناً في المجتمعات العربية تتجلى في مفاهيم "الشرف والعار". رددت النساء في ورشة العمل هذه المشاعر وتبادلن وجهات نظرهن بشأن عواقب الصمت.

أضافت بوجناح: " الحديث عمّا وقع يساعد على مكافحة الإفلات من العقاب. عندما يتم جلب القصة إلى الفضاء العام، فذلك يكسر العلاقة المفرغة بشأن 'الجاني والضحية' التي لا تديم إلا بسبب الصمت".

ولئن كان ثابتاً أن كسر الصمت قد يجلبُ السلوى للنساء ويساعدهن على الاندماج في المجتمع، فإن البعض الآخر قد يتردد في مشاركة قصصهن مخافة العواقب.

تقول نجاة قابسي، أحد المشاركات في الندوة: "في بعض الحالات، تخلق الشهادة آثاراً عكسية وتُحطم المجتمعات. في الواقع، يتكون لدى الأطفال ردود فعل سلبية جداً تجاه القمع الذي تحمله والديهم لأنهم يخشون نتيجة القمع الماضي على حاضرهم غير المستقر".

قالت سلوى القنطري، مديرة مكتب المركز الدولي للعدالة الانتقالية في تونس، إن معالجة هذه المخاوف أمر ضروري للعملية الانتقالية في البلد.

وأضافت القنطري: "على الرغم من هذه العقبات، لا يزال من المُلح جداً الحصول على هذه الشهادات، حتى التي يُطمس هوية أصحابها. يمكنك القيام بأفضل البحوث في العالم حول ما حدث للنساء تحت حكم الديكتاتورية ولكن هذا لا يمكن أن يرقى لقيمة شهادة واحدة تسلط الضوء على كل التفاصيل التي كنت تبحث عنها، والتي يمكن فقط للضحية توفيرها. هذه الشهادة هي مرآة المجتمع، ويمكن أن تكون نقطة البداية لبناء مجتمع أكثر تضامناً مع النساء".

مساحة آمنة للتحدث علناً

منيرة قدور هي السكرتيرة العامة لمنظمة "نساء تونسيات"، إحدى المنظمات الأولى التي سلطت الضوء على قضية الانتهاكات المتعلقة بنوع الجنس الاجتماعي في تونس. حددت قدور الاستقطاب العميق للمجتمع التونسي باعتباره عقبة رئيسية في عملية العدالة الانتقالية. وعلاوة على ذلك، فهي تشعر بالقلق من ألا يرى بعض الضحايا معاناتهم "مشروعة"، لا سيما أولئك الذين عانوا بشكل غير مباشر، ومن ثم يترددون في الإدلاء بالشهادة أمام هيئة الحقيقة والكرامة. ولذلك فإن إشراكهم المباشر وتزويدهم بطرق بديلة للمشاركة في العملية الانتقالية في تونس أمر بالغ الأهمية.

رَمت حلقة العمل إلى توفير مسار من هذا القبيل. بالإضافة إلى كونها مساحة آمنة للنساء للتحدث علناً، هدفت "كتابة المسكوت عنه" إلى تزويد المشاركات بالأدوات اللازمة لتطبيق هذا التاريخ الشفوي وتقنيات السرد القصصي في مجتمعاتهن المحلية. ولتحقيق هذه الغاية، شرحت سويد للمشاركات تقنيات المقابلات الميدانية وكيفية بناء الثقة عند إجراءها، خاصة عند التعامل مع مثل هذه الموضوعات الحساسة.

وتعلمت النساء أيضاً أن السرد التاريخي لا يقتصر على الشهادات الكتابية الرسمية، ولكن يمكن أن يتخذ عدة أشكال - مثل المدونات الصوتية (بودكاست) التي أنتجها بعض المشاركات حيث حاورت النساء الأصغر سناً رفقائهن الأكبر سناً عن الفساد في تونس.

قام سكوت لوكاس، الصحفي ومحرر موقع تحليل السياسات الرائد في الشرق الأوسط إي وورد فيو ، بدعم إنتاج البودكاست، وتدريب النساء على تقنيات المقابلة. وشدد على أهمية التسجيلات: "يمكن أن تساعد أصوات الضحايا في التغلب على التعب والإرهاق الذي قد يحمله الجميع في تونس حول انتهاكات النظام السابق. الجميع يعرف أن ما حدث سيء ولكنك تبحث عما يهم جمهورك اليوم ".

المشاركة المجتمعية

كان مقصد حلقة العمل أن تكون خطوة أولى في تعزيز مشاركة النساء. أحد الأفكار الرئيسية للمشروع إنشاء منصة لإشراك النساء رسمياً تبني على جهود شبكة " العدالة الانتقالية للنساء أيضاً" المتواجدة. ستكون المنصة فضاءاً يُمكن للنساء فيه الانخراط في التعلّم من بعضهن البعض، وتقاسم تقنيات القصص المستفادة خلال ورشة العمل، وتطوير المبادرات التي نوقشت. كما أصرّ المشاركون على أهمية وجود هيكل مستقل وشامل ومدار بشكل ذاتي.

مع اقتراب ورشة العمل من نهايتها، شعرت النساء بالقدرة على تبادل قصصهن وأدركن أن القصص يمكن أن تكون أداة مفيدة للنساء التونسيات.

قالت بوجناح: "لقد استعدت الثقة في عملية العدالة الانتقالية. بفضل عمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية، لديّ فهم أفضل بكثير للعملية وأؤيدها".

كما قالت السجينة السياسية السابقة قابسي: "العدالة الانتقالية هي كيفية استخدام الماضي لبناء الحاضر. للمرة الأولى في حياتي، أشعر أنني لست ضحية بعد الآن، بل قائدة".


الصورة: مشاركون في ورشة عمل "كتابة المسكوت عنه" ينتجون بودكاست. (ICTJ)